أهم قصائد المتنبي

لك يا منازل في القلوب منازل

  • قصيدة قالها أبو الطيب في مدح القاضي أبا الفضل أحمد بن عبد الله بن الحسن الأنطاكي:[١]

لك يا منازل في القلوب منازل

أقفرت أنت وهن منك أواهل

يعلمن ذاك وما علمت وإنما

أولاكما ببكى عليه العاقل

وأنا الذي اجتلب المنية طرفه

فمن المطالب والقتيل القاتل

تخلو الديار من الظباء وعنده

من كل تابعة خيال خاذل

اللاء أفتكها الجبان بمهجتي

وأحبها قربا إلي الباخل

الراميات لنا وهن نوافر

والخاتلات لنا وهن غوافل

كافأننا عن شبههن من المها

فلهن في غير التراب حبائل

من طاعني ثغر الرجال جآذر

ومن الرماح دمالج وخلاخل

ولذا اسم أغطية العيون جفونها

من أنها عمل السيوف عوامل

كم وقفة سجرتك شوقا بعدما

غري الرقيب بنا ولج العاذل

دون التعانق ناحلين كشكلتي

نصب أدقهما وضم الشاكل

انعم ولذ فللأمور أواخر

أبدا إذا كانت لهن أوائل

ما دمت من أرب الحسان فإنما

روق الشباب عليك ظل زائل

للهو آونة تمر كأنها

قبل يزودها حبيب راحل

جمح الزمان فما لذيذ خالص

مما يشوب ولا سرور كامل

حتى أبو الفضل ابن عبد الله رؤ

يته المنى وهي المقام الهائل

ممطورة طرقي إليها دونها

من جوده في كل فج وابل

محجوبة بسرادق من هيبة

تثني الأزمة والمطي ذوامل

للشمس فيه وللرياح وللسحا

ب وللبحار وللأسود شمائل

ولديه ملعقيان والأدب المفا

د وملحياة وملممات مناهل

لو لم يهب لجب الوفود حواله

لسرى إليه قطا الفلاة الناهل

يدري بما بك قبل تظهره له

من ذهنه ويجيب قبل تسائل

وتراه معترضا لها وموليا

أحداقنا وتحار حين يقابل

كلماته قضب وهن فواصل

كل الضرائب تحتهن مفاصل

هزمت مكارمه المكارم كلها

حتى كأن المكرمات قنابل

وقتلن دفرا والدهيم فما ترى

أم الدهيم وأم دفر هابل

علامة العلماء واللج الذي

لا ينتهي ولكل لج ساحل

لو طاب مولد كل حي مثله

ولد النساء وما لهن قوابل

لو بان بالكرم الجنين بيانه

لدرت به ذكر أم انثى الحامل

ليزد بنو الحسن الشراف تواضعا

هيهات تكتم في الظلام مشاعل

ستروا الندى ستر الغراب سفاده

فبدا وهل يخفى الرباب الهاطل

جفخت وهم لا يجفخون بها بهم

شيم على الحسب الأغر دلائل

متشابهي ورع النفوس كبيرهم

وصغيرهم عف الإزار حلاحل

يا افخر فإن الناس فيك ثلاثة

مستعظم أو حاسد أو جاهل

ولقد علوت فما تبالي بعدما

عرفوا أيحمد أم يذم القائل

أثني عليك ولو تشاء لقلت لي

قصرت فالإمساك عني نائل

لا تجسر الفصحاء تنشد ههنا

بيتا ولكني الهزبر الباسل

ما نال أهل الجاهلية كلهم

شعري ولا سمعت بسحري بابل

وإذا أتتك مذمتي من ناقص

فهي الشهادة لي بأني كامل

من لي بفهم أهيل عصر يدعي

أن يحسب الهندي فيهم باقل

وأما وحقك وهو غاية مقسم

للحق أنت وما سواك الباطل

الطيب أنت إذا أصابك طيبه

والماء أنت إذا اغتسلت الغاسل

ما دار في الحنك اللسان وقلبت

قلما بأحسن من نثاك أنامل

ما للمروج الخضر والحدائق

  • قال أبو الطيب هذه القصيدة يصف تأخر الكلأ عنه:[٢]

ما لِلمروجِ الخُضرِ وَالحَدائقِ

يَشكو خَلاها كَثرَة العَوائقِ

أَقامَ فيها الثَلجُ كالمُرافقِ

يَعقدُ فَوق السِن ريق الباصقِ

ثُم مَضى لا عادَ مِن مُفارقِ

بِقائد مِن ذَوبهِ وَسائِق

كأَنّما الطُخرورُ باغي آبقِ

يَأكلُ مِن نَبت قَصيرِ لاصِقِ

كَقَشرِكَ الحِبرَ عَن المَهارقِ

أَرودهُ مِنهُ بِكلشوذانقِ

بِمُطلقِ اليُمنى طَويلِ الفائقِ

عَبلِ الشَوى مُقاربِ المَرافقِ

رَحبِ اللبانِ نائهِ الطَرائقِ

ذي مَنخر رَحب وَإِطل لاحقِ

مُحجّل نَهد كُمَيت زاهقِ

شادِخَة غُرّته كالشارقِ

كَأَنّها مِن لَونهِ في بارقِ

باقٍ عَلى البَوغاءِ وَالشقائقِ

وَالأبرَدينِ وَالهجيرِ الماحقِ

لِلفارسِ الراكضِ مِنهُ الواثقِ

خَوفُ الجَبانِ في فُؤادِ العاشقِ

كأَنّه في رَيدِ طَود شاهِقِ

يَشأى إِلى المِسمعِ صَوتَ الناطِقِ

لَو سابقَ الشَمسَ مِنَ المَشارقِ

جاءَ إِلى الغَربِ مَجيءَ السابقِ

يَتركُ في حِجارةِ الأبارقِ

آثارَ قَلعِ الحَليِ في المَناطقِ

مَشيا وَإِن يَعدُ فَكَالخَنادقِ

لَو أَورِدت غِبّ سَحاب صادقِ

لأحسبت خَوامسَ الأَيانقِ

إِذا اللِجامُ جاءهُ لِطارقِ

شَحا لهُ شَحوَ الغُرابِ الناغقِ

كأَنّما الجُلد لِعريِ الناهقِ

مُنحدِر عَن سِيَتي جُلاهقِ

بَز المَذاكي وَهوَ في العَقائقِ

وَزادَ في الساقِ عَلى النَقانقِ

وَزادَ في الوَقعِ عَلى الصَواعقِ

وَزادَ في الأُذنِ عَلى الخَرانقِ

وَزادَ في الحِذرِ عَلى العَقاعقِ

يُميّز الهَزلَ مِنَ الحَقائقِ

وَيُنذِرُ الرَكبَ بِكُلِّ سارِق

يُريكَ خُرقا وَهوَ عَينُ الحاذقِ

يَحكّ أَنّى شاءَ حَكَّ الباشقِ

قوبِلَ مِن آفِقة وَآفِقِ

بَينَ عِتاقِ الخَيلِ وَالعَتائقِ

فَعنقه يُربي عَلى البَواسقِ

وَحَلقه يُمكِنُ فِترَ الخانِقِ

أُعدّه لِلطَعنِ في الفَيالقِ

وَالضَربِ في الأَوجُهِ وَالمَفارقِ

وَالسَيرِ في ظِلّ اللِواءِ الخافِقِ

يَحمِلُني وَالنَصلُ ذو السَفاسِقِ

يَقطرُ في كُمّي عَلى البَنائقِ

لا أَلحَظُ الدُنيا بِعَينَي وامِقِ

وَلا أُبالي قِلّة المُرافِقِ

أَي كَبتَ كُلّ حاسِد مُنافقِ

أَنتَ لَنا وَكلنا لِلخالقِ

لا تعذل المشتاق في أشواقه

ألقَلب أعلمُ يا عَذُول بدائهِ

وَأحقّ مِنكَ بجفنهِ وبمَائهِ

فَومن أُحِبّ لأعصينّكَ في الهوَى

قَسما بِه وَبحسنهِ وَبهائهِ

أأُحبّه وَأُحبّ فيهِ مَلامة

إنّ المَلامَةَ فيهِ من أعدائهِ

عَجِبَ الوُشاةُ من اللّحاةِ وَقولهِم

دَع ما نَراكَ ضَعفت عن إخفائهِ

ما الخِلّ إلاّ مَن أوَدّ بِقَلبهِ

وَأرَى بطَرف لا يَرَى بسوَائهِ

إنّ المُعينَ عَلى الصّبابَة بالأسَى

أولى برَحمةِ رَبهَا وَإخائهِ

مَهلا فإنّ العَذلَ مِن أسقَامهِ

وَترَفّقا فالسّمع مِن أعضائهِ

وَهَبِ المَلامَة في اللّذاذةِ كالكرَى

مَطرُودَة بسُهادِهِ وَبُكَائِهِ

لا تَعذُلِ المُشتاق في أشواقهِ

حتى يَكونَ حَشاكَ في أحشائهِ

إنّ القَتيلَ مُضَرّجا بدُموعهِ

مِثلُ القَتيلِ مُضَرّجا بدِمائهِ

وَالعِشق كالمَعشوقِ يَعذبُ قُربه

للمبتلَى وَيَنَالُ مِن حَوبائهِ

لَو قُلتَ للدّنفِ الحَزينِ فَدَيتهُ

مِمّا بِهِ لأغَرتهُ بِفِدائِه

وُقِي الأميرُ هَوَى العُيون فإنّه

مَا لا يَزُولُ ببَأسهِ وسَخائهِ

يَستأسرُ البَطلَ الكَميّ بنَظرة

وَيحولُ بَينَ فُؤادهِ وَعَزائهِ

إنّي دَعوتكَ للنّوائبِ دَعوة

لم يُدعَ سامِعُها إلى أكفائهِ

فأتيت مِن فَوقِ الزّمانِ وَتَحته

مُتصلصِلا وَأمامهِ وَورائهِ

مَن للسيوفِ بأن يكونَ سَميّها

في أصلهِ وَفرندهِ وَوفائهِ

طُبعَ الحَديدُ فكانَ مِن أجناسهِ

وَعَليّ المَطبوعُ مِن آبائهِ

المراجع

  1. أبو الطيب المتنبي، “لك يا منازل في القلوب منازل”، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-28.
  2. أبو الطيب المتنبي، “ما للمروج الخضر والحدائق”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-28.
  3. المتنبي (1983)، ديوان المتنبي، بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، صفحة 350-351.