أبيات شعر أبو نواس
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
- وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
- لو مسها حجر مسته سراء
من كف ذات حر في زي ذي ذكر
- لها محبان لوطي وزناء
قامت بإبريقها والليل معتكر
- فلاح من وجهها في البيت لألاء
فأرسلت من فم الإبريق صافية
- كأنما أخذها بالعين إعفاء
رقت عن الماء حتى ما يلائمها
- لطافة وجفا عن شكلها الماء
فلو مزجت بها نورا لمازجها
- حتى تولد أنوار وأضواء
دارت على فتية دان الزمان لهم
- فما يصيبهم إلا بما شاؤوا
لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة
- كانت تحل بها هند وأسماء
حاشا لدرة أن تبنى الخيام لها
- وأن تروح عليها الإبل والشاء
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة
- حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
لا تحظرالعفو إن كنت امرأ حرجا
- فإن حظركه في الدين إزراء[١]
لما جفاني الحبيب وامتنعت
لما جفاني الحبيب وامتنعت
- عني الرسالات منه والخبر
اشتد شوقي فـكاد يقتلني
- ذكر حبيبي والهم والفكر
دعوت إبليس ثم قلت له
- في خلوة والدموع تنهمر
أما تـرى كيـف قد بليت وقد
- أقرح جفني البكاء والسهر
إن أنت لم تلق لي المودةَ في
- صدر حبيبي وأنت مقتدر
لا قلت شعرا ولا سمعت غنا
- ولا جرى في مفاصلي السكر
ولا أزال القرآن أدرسه
- أروح فـي درسه وأبتكر
وألزم الصوم والصلاة ولا
- أزال دهري بالخير آتمر
فما مضت بعـد ذاك ثالثة
- حتى أتاني الحـبيب يـعتـذر[٢]
يا رب مجلس فتيان سموت له
يا رب ملِجس فتيان سموت له
- والليل محتبس في ثوب ظلماء
لشرب صافية من صدر خابية
- تغشى عيون نداماها بلألاء
كأن منظرها والماء يقرعها
- ديباج غانية أو رقم وَشّاءِ
تستن من مرح في كف مصطبح
- من خمر عانة أو من خمر سوراء
كأن قرقرة الإبريق بينهم
- رجع المزامير أو ترجيع فأفاء
حتى إذا درجت في القوم وانتشرت
- همت عيونهم منها بإغفاء
سألت تاجرها كم ذا لعاصرها
- فقال قصر عن هذاك إحصائي
أنبئت أن أبا جدي تخيرها
- من ذخر آدم أو من ذخر حواء
ما زال يمطل من ينتاب حانتها
- حتى أتتني وكانت ذخر موتائي
ونحن بين بساتين فتنفحنا
- ريح البنفسج لا نشر الخزاماء
يسعى بها خنث في خلقه دمث
- يستأثر العين في مستدرج الرائي
مقرط وافر الأرداف ذو غنج
- كأنّ في راحتيه وسم حناء
قد كسر الشعر واوات ونضده
- فوق الجبين ورد الصدغ بالفاء
عيناه تقسم داء في مجاهرها
- وربما نفعت من صولة الداء
إني لأشرب من عينيه صافية
- صرفا وأشرب أخرى مع ندمائي
ولائم لامني جهلا فقلت له
- إني وعيشك مشغوف بمولائي[٣]
ومشتعل الخدين يسحر طرفه
ومشتعل الخدين يسحر طرفه
- له سمة يحكي بها سمة البدر
إذا ما مشى يهتز من دون نحره
- وأعطافه منه إلى منتهى الخصر
وليست خطاه حين يزهى بردفه
- إذا ما مشى في الأرض أثر من فتر
دعوت له بالليل صاحب حانة
- بمنتقص الأطراف منخسف الظهر
فجاء به في الليل سحبا كأنما
- يجر قتيلا أو نشيرا من القبر
فقرب من نحو الأباريق خده
- وقهقه مسرورا من القرقف الخمر
فصب فأبدت ثم شجت فكتبت
- ثمان من الواوات يضحكتن في سطر
فقلت لها يا خمر كم لك حجة
- فقالت سكنت الدن ردحا من الدهر
فقلت لها كسرى حواك فعبست
- وقالت لقد قصرت في قلة الصبر
سمعت بذي القرنين قبل خروجه
- وأدرات موسى قبل صاحبه الخضر
ولو أنني خلدت فيه سكنته
- إلى أن ينادي هاتف االله بالحشر
فبتنا على خير العقار عوابسا
- وإبليس يحدونا بألوية السكر[٤]
أيها المنتاب عن غفرة
أيها المنتاب عن عفره
- لست من ليلي ولا سمره
لا أذود الطير عن شجر
- قد بلوت المر من ثمره
فاتصل إن كنت متصلا
- بقوى من أنت من وطره
خفت مأثور الحديث غدا
- وغد دان لمنتظره
خاب من أسرى إلى بلد
- غير معلوم مدى سفره
وسدته ثني ساعده
- سنة حلت إلى شفره
فامض لا تمنن علي يدا
- منك المعروف من كدره
رب فتيان ربأتهم
- مسقط العيوق من سحره
فاتقوا بي ما يريبهم
- إن تقوى الشر من حذره
وابن عم لا يكاشفنا
- قد لبسناه على غمره
آمن الشنآن فيه لنا
- ككمون النار في حجره
ورضاب بت أرشفه
- ينقَع الظمآن من خصره
علنيه خوط إسحلة
- لان متناه لمهتصرِه
ذا ومغبر مخارمه
- تحسر الأبصار عن قطره
لا ترى عين المبين به
- ما خلا الآجال من بقره
خاض بي لجيه ذو حرز
- يفعم الفضلين من ضفره
يكتسي عثنونه زبدا
- فنصيلاه إلى نحره
ثم يعتم الحجاج به
- كاعتمام الفوف في عشره
ثم تذروه الرياح كما
- طار قطن الندف عن وتره
كل حاجاتي تناولها
- وهو لم تنقص قوى أشره
ثم أدناني إلى ملك
- يأمن الجاني لدى حجره
تأخذ الأيدي مظالمها
- ثم تستدري إلى عصره
كيف لا يدنيك من أمل
- من رسول االله من نفره
فاسل عن نوء تؤمله
- حسبك العباس من مطره
ملكٌ قَل الشبيه له
- لم تقع عين على خطره
لا تغطى عنه مكرمة
- ربى واد ولا خمره
ذللت تلك الفجاج له
- فهو مختار على بصره
سبق التفريط رائده
- وكفاه العين من أثره
وإذا مج القنا علقا
- وتراءى الموت في صوره
راح في ثنيي مفاضته
- أسد يدمى شبا ظفره
تتأيا الطير غدوته
- ثقة بالشبع من جزره
وترى السادات ماثلة
- لسليل الشمس من قمره
فهم شتى ظنونهم
- حذر المكنون من فكره
وكريم الخال من يمن
- وكريم العم من مضره
قد لبست الدهر لبس فتى
- أخذ الآداب عن عبره
فادخر خيرا تثاب به
- كل مدخور لمدخره[٥]
المراجع
- ↑ أبو نواس، “دع عنك لومي فإن اللوم اغراء”، www.poetsgate.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-17.
- ↑ أبو نواس، “لما جفاني الحبيب وامتنعت”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-17.
- ↑ أبو نواس، “يا رب مجلس فتيان سموت له”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-17.
- ↑ أبو نواس (2004)، ديوان أبي نواس، بيروت: دار صادر، صفحة 241-242.
- ↑ أبو نواس (2004)، ديوان أبي نواس، بيروت: دار صادر، صفحة 270-274.