أبيات في وصف الربيع

برق الربيع لنا برونق مائه

برق الربيع لنا برونق مائه

فانظر لروعةِ أرضه وسمائهِ

فالترب بين ممسك ومعنبر

من نوره بل مائه وروائه

والماء بين مُصندل ومكفر

من حسن كدرته ولون صفائه

والطير مثل المحسنات صوادح

مثل المغنّي شادياً بغنائه

والورد ليس بممسك رياهبل

يُهدي لنا نفحاته من مائه

زمن الربيع جلبت أزكى متجر

وجلوت للرائين خير جلائه

فكأنه هذا الرئيس إذا بدا

في خلقه وصفائه وعطائه

يعشو إليه المجتدي والمجتني

والمجتوي هو هارب بذَمائه

ما البحر في تزخاره والغيث في

أمطاره والجود في أنوائهِ

بأجلَ منه مواهباً ورغائباً

لا زال هذا المجد حول فنائه

والسادة الباقون سادة عصره

متمدحين بمدحه وثنائهِ[١]

أكان الصبا إلا خيالا مسلما

أكَان الصّبا إلاّ خَيالاً مسلِّما

أقَامَ كَرجعِ الطّرف ثم تَصرّما

أرى أقصر الأيّام أحمد في الصِّبا

وأطولها ما كَان فيهِ مذمَما

تَلَوّمتُ في غيّ التّصابي فَلَم أرد

بَدِيلاً بهِ لَوْ أنّ غَيّاً تلوِما

وَيومَ تلاق في فراق شهدته

بعينٍ إذا نهنهتها دَمَعَت دَما

لحِقْنا الفرِيقَ المُستَقلّ ضُحَى وقد

تيمّمَ من قصد الحمى ما تيمّما

فقلت انْعِمُوا مِنّا صَبَاحاً وإنّما

أردت بِما قُلتُ الغزال المُنَعَّمَا

وما بَاتَ مَطويّاً عَلى أريحيّة

بعُقْبِ النّوَى إلاّ امرُؤ باتَ مُغرَمَا

غَنِيتُ جَنِيباً للغَوَانِي يَقُدْنَني

إلى أنْ مَضَى شرخ الشّباب وبعدَما

وَقِدماً عَصيتُ العاذلات وَلم أُطع

طَوَالِعَ هذا الشّيْبِ إذْ جِئنَ لُوَّمَا

أقُولُ لثَجّاجِ الغَمامِ، وَقَد سَرَى

بمحتفلِ الشّؤبوبِ صاب فعمّمَا

أقِلَّ وأكثر لستَ تَبلُغ غايَةً

تَبينُ بِها حَتّى تُضَارِعَ هَيْثَما

وهُو المَوتُ وَيلٌ منهُ لا تَلقَ حَدّهُ

فمَوْتُكَ أن تَلقاهُ في النّقعِ مُعلَمَا

فَتًى لَبِسَتْ منهُ اللّيالي محاسِناً

أضاء لَها الأفق الذي كانَ مُظلمَا

مُعاني حُرُوبٍ قَوّمَتْ عَزْمَ رَأيِهِ

وَلَن يصدُقَ الخَطّيُّ حتّى يُقَوَّمَا

غَدا وَغدت تَدعو نِزَار وَيَعرُبٌ

لَهُ أنْ يَعيشَ الدّهرَ فيهِم، وَيَسلَمَا

تَوَاضَعَ مِنْ مَجْدٍ لَهُمْ وَتَكَرّمٍ

وَكُلُّ عَظيمِ لا يُحِبُّ التّعَظّمَا

لِكُلّ قَبيلٍ شُعْبَةٌ مِن نَوَالِهِ

وَيَختصهُ منهُم قَبيلٌ إذا انتمى

تَقصّاهم بالجُودِ حتّى لأقسمُوا

بأنّ نَداهُ كانَ والبَحْرَ تَوْءَمَا

أبَا القَاسم استَغْزَرتَ دَرّ خَلائقٍ

مَلأنَ فِجَاجَ الأرْضِ بُؤسَى وأنْعُمَا

إذا مَعشَرٌ جَارَوْكَ في إثرِ سُؤدَدٍ

تأخّرَ من مَسعاتهِمْ ما تَقَدّما

سَلامٌ وَإن كان السّلامُ تَحِيَّةً

فوَجْهُكَ دونَ الرّدّ يكفي المُسَلِّمَا

ألَستَ تَرَى مَدّ الفُراتِ كأنّهُ

جبالُ شَرورى جِئنَ في البَحرِعُوَّمَا

وَلَمْ يَكُ مِنْ عاداتِهِ غَيرَ أنّهُ

رَأى شِيمَةً مِنْ جَارِهِ فَتَعَلَّما

وَمَا نَوّرَ الرّوْضُ الشآميُّ بَلْ فَتًى

تَبَسّمَ مِنْ شعرقِيّهِ، فَتَبَسّما

أتَاك الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً

منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا

وَقَد نَبّهَ النّوروزُ في غلسِ الدّجى

أوائِلَ وَردٍ كن بالأمسِ نوَّمَا

يُفَتقهَا بَردُ النّدَى فكَأنّه

يَنِثُّ حَديثاً كانَ قَبلُ مُكَتَّمَا

وَمِنْ شَجرٍ رَدّ الرّبيعُ لِبَاسَهُ

عليه كَمَا نَشَّرتَ وَشياً مُنَمْنَما

أحَلَّ فأبْدَى لِلْعُونِ بَشَاشَة

وَكَان قَذى للعينِ إذ كانَ مُحْرِما

وَرَقّ نَسيم الرّيح حتّى حسِبته

يَجىء بأنفَاسِ الأحِبّةِ نعَّمَا

فَما يَحبِسُ الرّاحَ التي أنتَ خِلُّهَا

وَمَا يَمنَع الأوتارَ أن تَتَرَنّما

وَمَا زِلت خِلاً للنّدَامى إذا انتَشُوا

وَرَاحُوا بدوراً يستحثون أنْجُمَا

تَكَرّمتَ من قَبلِ الكؤوسِ عَلَيهِمِ

فَما اسطَعنَ أنْ يُحدِثنَ فيكَ تَكَرُّمَا[٢]

ورد الربيع فمرحبا بوروده

ورد الربيع، فمرحباً بوروده

وبنور بهجته ونور وروده

وبحسنِ منظرِه وطيب نسيمه،

وأنيق ملبسه ووشي بروده

فصل إذا افتخرَ الزمانُ فإنه

إنسان مقلَته وبَيت قَصيده

يغني المزاج عن العلاج نسيمه

باللطف عند هبوبه وركوده

يا حبذا أزهاره وثماره

ونبات ناجمه وحبّ حصيده

وتجاوب الأطيار في أشجاره

كبنات معبد في مواجب عوده

والغصن قد كسي الغلائل بعدما

أخذت يدا كانون في تجريده

نال الصّبا بعد المشيب وقد جرى

ماء الشبيبة في منابت عوده

والورد في أعلى الغصون كأنه

ملك تحف به سراة جنوده

وكأنما القداح سمط لآلىء

هو للقضيب قلادة في جيدهِد

والياسمين كعاشق قد شَفّه

جور الحبيب بهجره وصدوده

وانظر لنرجسه الشهيّ كأنه

طرفٌ تنبيه بعد طول هجوده

واعجب لأذريونه وبهاره

كالتبر يزهو باختلافِ نقوده

وانظر إلى المنظوم من منثوره

متنوعاً بفصوله وعقوده

أو ما ترى الغيم الرقيق وما بدا

للعينِ من أشكاله وطروده

والسحب تعقد في السّماءِ مآتماً

والأرض في عرسِ الزّمانِ وعيده

ندبت فشقّ لها الشقيقُ جيوبه

وازرقّ سَوسنها للَطمِ خُدودِه

والماء في تيار دجلة مطلقٌ

والجِسر في أصفاده وقيوده

والغيم يحكي الماء في جريانه

والماء يحكي الغيم في تجعيده

فابكُرْ إلى روض أنيق ظلُّه

فالعيش بين بسيطه ومديده

وإذا رأيت جديد روض ناضر

فارشف عتيق الراح فوق جديده

من كفّ ذي هيف يضاعف خلقه

سكر المدام بشدوِه ونشيده

صافي الأديمِ ترى إذا شاهدته

تمثال شَخصِك في صَفاءِ خدوده

وإذا بَلغت من المدامَةِ غاية

فأقلل لتُذكي الفهمَ بعدَ خمودِهِ

إنّ المُدام إذا تَزايد حدُّها

في الشّربِ كان النّقصُ في محدوده[٣]

ضحك الربيع إلى بكى الديم

ضحك الربيعُ إلى بكى الديم

وغدا يسوى النبت بالقممِ

من بين أخضر لابس كمماً

خُضراً وأزهرَ غير ذي كُمَم

متلاحق الأطراف متسقٌ

فكأنَّه قد طُمَّ بالجَلم

مُتَبلِّجِ الضَّحواتِ مُشرِقها

متأرّجُ الأسحار والعتم

تجد الوحوشُ به كفايتَها

والطير فيه عتيدةُ الطِّعم

فظباؤه تضحى بمنتطَح

وحمامُه تَضْحِي بمختصم

والروضُ في قِطَع الزبرجد والـ

ياقوتُ تحت لآلىءٍ تُؤم

طلٌّ يرقرقه على ورق

هاتيك أو خيلان غالية

وأرى البليغ قصورَ مبلغه

فغدا يهُزُّ أثائثَ الجُمم

والدولة الزهراء والزمن الـ

هار حسبك شافَيى قَرَم

إن الربيعَ لكالشَّباب وإنْ

صيف يكسعه لكالهرم

أشقائقَ النُّعمانِ بين رُبَى

نُعمانَ أنتِ محاسنُ النِّعم

غدتِ الشقائقُ وهي واصفة

آلاء ذى الجبروت والعظم

تَرَفٌ لأبصارٍ كُحلنَ بها

ليُرين كيف عجائبُ الحكم

شُعَلٌ تزيدك في النهار سنًى

وتُضيءُ في مُحلَولك الظُّلمِ

أعجب بها شعلا على فحم

لم تشتعل في ذلك الفحم

وكأنما لُمَعُ السوادِ إلى

ما احمرَّ منها في ضُحَى الرَهَم

حَدَقُ العواشق وسِّطَتْ مُقَلاً

نَهلت وعلّت من دموع دم

يا للشقائق إنها قِسَمٌ

تُزهى بها الأبصارُ في القسم

ما كان يُهدى مثلَها تُحفاً

إلا تطوّل بارئِ النسم[٤]

المراجع

  1. بديع الزمان الهمذاني، “برق الربيع لنا برونق مائه”، /www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-13.
  2. “أكان الصبا إلا خيالا مسلما”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-20.
  3. ” ورد الربيع فمرحبا بوروده”، www.diwandb.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-20.
  4. “ضحك الربيع إلى بكى الديم”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-2-20.