أبيات من الغزل العذري

لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي

لعينيكِ ما يَلقَى الفؤادُ وما لَقي

وللحُبّ ما لم يبقَ منّي وما بَقي

وما كنتُ ممّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَه

وَلكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَقِ

وَبينَ الرّضَى وَالسُّخطِ وَالقُرْبِ وَالنَّوَى

مَجَالٌ لِدَمْعِ المُقْلَةِ المُتَرَقرِقِ

وَأحلى الهوى ما شكّ في الوَصْلِ رَبُّهُ

وَفي الهجرِ فهوَ الدّهرَ يَرْجو وَيَتّقي

وَغضْبَى من الإدلالِ سكرَى من الصّبى

شَفَعْتُ إلَيها مِنْ شَبَابي برَيِّقِ

وأشنَبَ مَعسُولِ الثّنِيّاتِ وَاضِحٍ

سَتَرتُ فَمي عَنهُ فَقَبّلَ مَفْرِقي

وَأجيادِ غِزْلانٍ كجيدِكِ زُرْنَني

فَلَمْ أتَبَيّنْ عاطِلاً مِنْ مُطَوَّقِ

وَما كلّ مَن يهوَى يَعِفّ إذا خَلا

عَفَافي وَيُرْضي الحِبّ وَالخَيلُ تلتقي

سَقَى الله أيّامَ الصّبَى ما يَسُرّهَا

وَيَفْعَلُ فِعْلَ البَابِليّ المُعَتَّقِ[١]

قليل لها أنّي بها مغرم صب

قليلٌ لها أنّي بها مُغرَمٌ صَبُّ

وإن لم يُقارِفْ غيرَ وَجدٍ بها القَلْبُ

بذَلتُ الرّضَا حتّى تصرّمَ سُخطُها،

وللمُتَجَنّي، بعد إرضَائِه، عَتبُ

ولم أرَ مثلَ الحُبّ صادَ غرورُهُ

لَبيبَ الرّجالِ، بعدَ ما اختُبرَ الحُبُّ

وإنّي لأشتاقُ الخيالَ وأُكثِرُ الـ

ـزّيارةَ من طَيفٍ، زيارَتُهُ غِبُّ

ومِنْ أينَ أصْبُو بعد شَيبي، وبعدما

تألّى الخليُّ، أنّ ذا الشَّيبَ لا يَصبُو

أسالِبَتي حُسنَ الأسى، ومُخيفَتي

على جَلَدي تلكَ الصّرَائمُ وَالكُثبُ

رَضِيتُ اتّحادي بالغَرَامِ، ولَمْ أُرِدْ

إلى وَقْفَتي في الدّارِ أنْ يقِفَ الرّكبُ

وَلَوْ كنتُ ذا صَحْبٍ عَشِيّةَ عَزّني

تَحَدُّرُ دَمعِ العَينِ، عنّفني الصّحبُ

لقَد قَطَعَ الوَاشِي بتَلفيقِ ما وَشَى

منَ القَوْلِ، ما لا يقطعُ الصّارِمُ العَضْبُ

فأصْبَحتُ في بَغدادَ لا الظّلّ وَاسعٌ؛

وَلا العَيشُ ظِلٌّ غض غُضَارَتهِ، رَطبُ

أأمْدَحُ عُمّالَ الطْساسيجِ رَاغِباً

إلَيهمْ وَلي بالشّام مُستَمتَعٌ رَغْبُ

فأيْهاتِ مِنْ رَكْبٍ يُؤدّي رِسَالَةً

إلى الشّامِ، إلاّ أنْ تُحَمَّلَها الكُتبُ

وعِندَ أبي العَبّاسِ، لَوْ كانَ دَانِياً،

نَوَاحي الفِناءِ السّهلِ وَالكنَفُ الرّحبُ

وَكَانَتْ بَلاءً نِيّتي عَنْهُ، وَالغِنى

غِنى الدّهرِ، أدْنَى ما يُنَوَّلُ أوْ يحبو

وَذو أُهَبٍ للحَادِثَاتِ بِمِثْلِها

يُزَالُ الطخى عَنّا وَيُستَدفعُ الكَرْبُ

سُيوفٌ لها في عُمرِ كلّ عِدًى رَدًى،

وَخَيلٌ لها في دارِ كلّ عِدًى نَهبُ

علَتْ فوْقَ بَغرَاسٍ، فضَاقتْ بما جنتْ

صُدورُ رِجالٍ، حينَ ضَاقَ بها الدّرْبُ

وَثَابَ إلَيْهِمْ رَأيُهُمْ، فَتَبَيّنُوا،

على حينِ حال، أنّ مَرْكبَهم صَعبُ

وكانوا ثمود الحجر حق عليهم

وقوع العذاب والخصي لهم سقب

تَحَنّى عَلَيْهِمْ، وَالمَوارِدُ سَهلَةٌ،

وَأفرَجَ عَنهُمْ بعدَما أعضَلَ الخَطبُ

ولو حضرته أنثياه استقلتا

إلى كليتيه حين أزعجه الرعب

فَما هُوَ إلاّ العَفْوُ عَمّتْ سَمَاؤهُ،

أوِ السّيفُ عُرْيانَ المَضَارِبِ، لا يَنبُو

وَما شَكّ قَوْمٌ أوْقَدوا نَارَ فِتْنَةٍ،

وَسرْتَ إليهمْ، أنّ نارَهُمُ تَخبُو

كأنّ لمْ يَرَوْا سيما الطّوِيلِ وَجَمعَهُ،

وَما فَعَلَتْ فيهِ، وَفي جَمعِهِ الحرْبُ

وخَارِجَ بَابِ البَحرِ أُسْدُ خفية،

وَقد سدّ قُطرَيهِ، على الغَنَمِ، الزَّرْبُ

تَحَيّرَ في أمْرَيْهِ، ثُمّ تَحَبّبَتْ

إلَيهِ الحَياةُ، ماؤها عَلَلٌ سَكْبُ

وَقد غَلُظَتْ دونَ النّجاةِ التي ابتَغى

رِقابُ رِجالٍ، دونَ ما مُنعَتْ غُلبُ

تكَرّهَ طَعمَ الموت والسّيفِ آخِذٌ

مُخَنَّقَ لَيثِ الحَرْبِ حاصَلهُ كَلبُ

وَلوْ كانَ حْرّ النْفسِ، والعيشُ مُدبرٌ،

لمَاتَ، وَطَعمُ المَوْتِ، في فمهِ، عَذْبُ

وَلَوْ لَمْ يُحَاجِزْ لُؤلُؤٌ بِفِرَارِهِ،

لَكانَ لصَدْرِ الرّمحِ في لؤلوءٍ ثَقبُ

تَخَطّأ عَرْضَ الأرْضِ، رَاكبَ وَجهه،

ليَمنَعَ منهُ البُعدُ ما يَبذُلُ القُرْبُ

يحبُ البِلادَ وَهيَ شَرْقٌ لشَخصِهِ،

ويُذْعَرُ مِنها وَهيَ منْ فَوْقهِ غَرْبُ

إذا صار سهبا عاد ظهراً عدوه

وكان الصديق غدوة ذلك السهب

مَخاذيلُ لمْ يَسْتُرْ فَضَائحَ عجزهِمْ

وفَاءٌ، وَلمْ يَنْهَضْ بغِدْرِهِم شغبُ

أخافُ كأنّي حامِلٌ وِزْرَ بَعضِهِمْ

منَ الذّنْبِ، أوْ أنّي لبَعضِهِم إلْبُ

ومَا كانَ لي ذَنْبٌ، فأخشَى جَزَاءَهُ،

وَعَفوُكَ مَرْجُوٌّ، ولوْ كانَ لي ذَنْبُ[٢]

قلبي يحدثني بأنك متلفي

قلبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي،

روحي فداكَ عرفتَ أم لم تعرفِ

لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي

لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي من يَفي

ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ،

في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ

فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛

يا خيبة َ المسعى إذا لم تسعفِ

يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي

ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ

عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي

منْ جِسميَ المُضْنى، وقلبي المُدنَفِ

فالوَجْدُ باقٍ، والوصالُ مُماطِلي،

والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي

لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلا تُضعْ

سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ

واسألْ نُجومَ اللّيلِ:هل زارَ الكَرَى

جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟

لا غَروَ إنْ شَحّتْ بِغُمضِ جُفونها

عيني وسحَّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ

وبما جرى في موقفِ التَّوديعِ منْ

ألمِ النّوى، شاهَدتُ هَولَ المَوقِفِ

إن لم يكُنْ وَصْلٌ لَدَيكَ، فَعِدْ بهِ

أملي وماطلْ إنْ وعدتَ ولا تفي

فالمطلُ منكَ لديَّ إنْ عزَّ الوفا

يحلو كوصلٍ من حبيبٍ مسعفِ

أهفو لأنفاسِ النَّسيمِ تعلَّة ً

ولوجهِ منْ نقلتْ شذاهُ تشوُّفي

فلَعَلَ نارَ جَوانحي بهُبوبِها

أنْ تَنطَفي، وأوَدّ أن لا تنطَفي

يا أهلَ ودِّي أنتمُ أملي ومنْ

ناداكُمُ يا أهْلَ وُدّي قد كُفي

عُودوا لَما كُنتمْ عليهِ منَ الوَفا،

كرماً فإنِّي ذلكَ الخلُّ الوفي

وحياتكمْ وحياتكمْ قسماً وفي

عُمري، بغيرِ حياتِكُمْ، لم أحْلِفِ

لوْ أنَّ روحي في يدي ووهبتها

لمُبَشّري بِقَدومِكُمْ، لم أنصفِ

لا تحسبوني في الهوى متصنِّعاً

كلفي بكمْ خلقٌ بغيرِ تكلُّفِ

أخفيتُ حبَّكمُ فأخفاني أسى ً

حتّى، لعَمري، كِدتُ عني أختَفي

وكَتَمْتُهُ عَنّي، فلو أبدَيْتُهُ

لَوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْفِ الخَفي

ولقد أقولُ لِمن تَحَرّشَ بالهَوَى:

عرَّضتَ نفسكَ للبلا فاستهدفِ

أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ

فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي

قلْ للعذولِ أطلتَ لومي طامعاً

أنَّ الملامَ عنِ الهوى مستوقفي

دعْ عنكَ تعنيفي وذقْ طعمَ الهوى

فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ

بَرَحَ الخَفاءَ بحُبّ مَن لو، في الدّجى

سفرَ الِّلثامَ لقلتُ يا بدرُ اختفِ

وإن اكتفى غَيْري بِطيفِ خَيالِهِ،

فأنا الَّذي بوصالهِ لا أكتفي

وَقْفاً عَلَيْهِ مَحَبّتي، ولِمِحنَتي،

بأقَلّ مِنْ تَلَفي بِهِ، لا أشْتَفي

وهَواهُ، وهوَ أليّتي، وكَفَى بِهِ

قَسَماً، أكادُ أُجِلّهُ كالمُصْحَفِ

لو قال تِيهاً: قِفْ على جَمْرِ الغَضا

لوقفتُ ممتثلاً ولم أتوقفِ

أو كانَ مَن يَرْضَى، بخدّي، موطِئاً

لوضعتهُ أرضاً ولم أستنكفِ

لا تنكروا شغفي بما يرضى وإنْ

هوَ بالوصالِ عليَّ لمْ يتعطَّفِ

غَلَبَ الهوى ، فأطَعتُ أمرَ صَبابَتي

منْ حيثُ فيهِ عصيتُ نهيَ معنِّفي

مني لَهُ ذُلّ الخَضوع، ومنهُ لي

عزُّ المنوعِ وقوَّة ُ المستضعفِ

ألِفَ الصّدودَ، ولي فؤادٌ لم يَزلْ،

مُذْ كُنْتُ، غيرَ وِدادِهِ لم يألَفِ

ياما أميلحَ كلَّ ما يرضى بهِ

ورضابهُ ياما أحيلاهُ بفي

لوْ أسمعوا يعقوبَ ذكرَ ملاحة ٍ

في وجههِ نسيَ الجمالَ اليوسفي

أو لو رآهُ عائداً أيُّوبُ في

سِنَة ِ الكَرَى، قِدماً، من البَلوَى شُفي

كلُّ البدورِ إذا تجلَّى مقبلاً

تَصبُو إلَيهِ، وكُلُّ قَدٍّ أهيَفِ

إن قُلتُ:عِندي فيكَ كل صَبابة ٍ؛

قالَ: المَلاحة ُ لي، وكُلُّ الحُسنِ في

كَمَلتْ مَحاسِنُهُ، فلو أهدى السّنا

للبدرِ عندَ تمامهِ لم يخسفِ

وعلى تَفَنُّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ،

يَفنى الزّمانُ، وفيهِ ما لم يُوصَفِ

ولقد صرفتُ لحبِّهِ كلِّي على

يدِ حسنهِ فحمدتُ حسنَ تصرُّفي

فالعينُ تهوى صورة َ الحسنِ الَّتي

روحي بها تصبو إلى معنى ً خفي

أسعِدْ أُخَيَّ، وغنِّ لي بِحَديثِهِ،

وانثُرْ على سَمْعي حِلاهُ، وشَنِّفِ

لأرى بعينِ السّمعِ شاهِدَ حسْنِهِ

معنى ً فأتحفني بذاكَ وشرِّفِ

يا أختَ سعدٍ منْ حبيبي جئتني

بِرسالَة ٍ أدّيْتِها بتَلَطّفِ

فسمعتُ مالمْ تسمعي ونظرتُ ما

لمْ تنظري وعرفتُ مالمْ تعرفي

إنْ زارَ، يوماً يا حَشايَ تَقَطَّعي،

كَلَفاً بهِ، أو سارَ، يا عينُ اذرِفي

ما للنّوى ذّنْبٌ، ومَنْ أهوى مَعي،

إنْ غابَ عنْ إنسانِ عيني فهوَ في[٣]

المراجع

  1. “لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي”، aldiwan.
  2. “قليل لها أني بها مغرم صب”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 10-2-2019.
  3. ابن الفارض، كتاب ابن الفارض، صفحة 15.