أبيات من الشعر العباسي
قرأتُ في وجهك عنواناً
قرأتُ في وجهك عنواناً
- آذَنني بالغَدْرِ إيذاناً
تالله أنسى ما ذكرتُ الصِّبى
- بل ما ذكرت الله لهفانا-
يومَ التقينا فتجهَّمتني
- تجهُّم المديونِ دَيَّانا
وكيف أنسى ذاك مستيقظا
- ولست أنسى ذاك وسنانا
طلعتُ من بُعد فأوهمتني
- أنك قد عاينت شيطانا
لاقيتَني ساعة َ لاقيتني
- أثقلَ خلق الله أجفانا
كأنما كنتَ تضمَّنت لي
- ردَّ شبابي كالذي كانا
أو طمَّ بحر الصين في طرفة ٍ
- أو كَسْحَ أروندَ وثهلانا
أو كلَّ ما لم يستطع فعلَه
- عيسى ولا موسى بن عمرانا
ياحَسَنَ الوجه لقد شِنْتَهُ
- فاضمم إلى حُسْنِك إحسانا
أنت ملولٌ حائل عهدُه
- تصبغُك الساعات ألوانا
تصرم ذا الوصل وتضحي إلى
- من يجتوي وصلَك ظمآنا
حتى إذا واصلَ صارمْتَه
- أوسُمتَه صدَّاً وهجرانا
وتستلينُ الدَّهْر ذا خُشنة ٍ
- فظّاً وتستخسن من لانا
وتعقد الوعدَ فانجازُه
- خُلفٌ إذا إنجازهُ آنا
حتى إذا أنجزته مرة ً
- مَنَنْتَهُ سرا وإعلانا
وماأحبُّ الواعدي مُخلفاً
- كلا ولا الممتنَّ منانا
حذَّرتني الناسَ فقد أصبحتْ
- نفسي لاتألف إنسانا
أهنتني جداً فأعززتني
- رُبَّ امرىء عَزَّ بأن هانا[١]
هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل
هو الحُبّ فاسلمْ بالحشا ما الهَوَى سَهْلُ
- فَما اختارَهُ مُضْنًى بهِ، ولهُ عَقْلُ
وعِشْ خالياً فالحبُّ راحتُهُ عناً
- وأوّلُهُ سُقمٌ، وآخِرُهُ قَتلُ
ولكن لديَّ الموتُ فيه صبابة ً
- حَياة ٌ لمن أهوَى، عليّ بها الفَضلُ
نصحتُكَ علماً بالهوى والَّذي أرَى
- مُخالفتي فاخترْ لنفسكَ ما يحلو
فإنْ شِئتَ أنْ تحيا سَعيداً، فَمُتْ بهِ
- شَهيداً، وإلاّ فالغرامُ لَهُ أهْلُ
فَمَنْ لم يَمُتْ في حُبّهِ لم يَعِشْ بهِ،
- ودونَ اجتِناءَالنّحلِ ما جنتِ النّحلُ
تمسّكْ بأذيالِ الهوى واخلعْ الحيا
- وخلِّ سبيلَ النَّاسكينَ وإنْ جلُّوا
وقلْ لقتيلِ الحبِّ وفَّيتَ حقَّهُ
- وللمدَّعي هيهاتَ مالكحلُ الكحلُ
تعرّضَ قومٌ للغرامِ، وأعرضوا،
- بجانبهمْ عنْ صحّتي فيهِ واعتلُّوا
رَضُوا بالأماني، وَابتُلوا بحُظوظِهِم،
- وخاضوا بحارَالحبّ، دعوَى ، فما ابتلّوا
فَهُمْ في السّرى لم يَبْرَحوا من مكانهم
- وما ظَعنوا في السّيرِعنه، وقد كَلّوا
عن مَذهَبي، لمّا استَحَبّوا العمى على الـ
- ـهُدى حَسَداً من عِندِ أنفُسِهم ضَلّوا
أحبَّة َ قلبي والمحبَّة ُ شافعي
- لدَيكُمْ، إذا شِئتُمْ بها اتّصَل الحبلُ
عسَى عَطفَة ٌ منكُمْ عَليّ بنَظرَة ٍ،
- فقدْ تعبتْ بيني وبينكمُ الرُّسلُ
أحبَّايَ أنتمْ أحسنَ الدَّهرُ أمْ أسا
- فكونوا كما شئتمْ أنا ذلكَ الخلُّ
إذا كانَ حَظّي الهَجرَ منكم، ولم يكن
- بِعادٌ، فذاكَ الهجرُ عندي هوَ الوَصْل
وما الصّدّ إلاّ الوُدّ، ما لم يكنْ قِلًى ،
- وأصعبُ شئٍ غيرَ إعراضكمْ سهلُ
وتعذيبكمْ عذبٌ لديَّ وجوركمْ
- عليَّ بما يقضي الهوى لكمُ عدلُ
وصبري صبرٌ عنكمْ وعليكمْ
- أرى أبداً عندي مرارتهُ تحلو
أخذتمْ فؤادي وهوَ بعضي فما الَّذي
- يَضَرّكُمُ لو كانَ عِندَكَمُ الكُلّ
نأيتمْ فغيرَ الدَّمعِ لمْ أرَ وافياً
- سوى زفرة ٍ منْ حرِّ نارِ الجوى تغلو
فسهديَ حيٌّ في جفوني مخلَّدٌ
- ونومي بها ميتٌ ودمعي لهُ غسلُ
هوى ً طلَّ ما بينَ الطُّلولِ دمي فمنْ
- جُفوني جرى بالسّفحِ من سَفحِه وَبلُ
تبالَهَ قومي، إذ رأوني مُتَيّماً،
- وقالوا يمنْ هذا الفتى مسَّهُ الخبلُ
وماذا عسى عنِّي يقالُ سوى غدا
- بنعمٍ لهُ شغلٌ نعمْ لي لها شغلُ
وقالَ نِساءُ الحَيّ:عَنّا بذكرِ مَنْ
- جفانا وبعدَ العزِّ لذَّ لهُ الذلُّ
إذا أنعَمَتْ نُعْمٌ عليّ بنَظرة ٍ،
- فلا أسعدتْ سعدي ولا أجملتْ جملُ
وقد صَدِئَتْ عَيني بُرؤية ِ غَيرِها،
- ولَثمُ جُفوني تُربَها للصَّدا يجلو
وقدْ علموا أنِّي قتيلُ لحاظها
- فإنَّ لها في كلِّ جارحة ٍ نصلُ
حَديثي قَديمٌ في هواها، وما لَهُ،
- كماعلمتْ بعدٌ وليسَ لها قبلُ
وما ليَ مِثلٌ في غَرامي بها، كمَا
- فإن حَدّثوا عَنها، فكُلّي مَسامعٌ،
حرامٌ شفاسقمي لديها رضيتُ ما
- بهِ قسمتْ لي في الهوى ودمي حلُّ
فحالي وإنْ ساءَتْفقد حَسُنَتْ بهِ
- وما حطّ قدري في هواها به أعْلو
وعنوانُ ما فيها لقيتُ ومابهِ
- شقيتُ وفي قولي اختصرتُ ولمْ أغلُ
خفيتُ ضنى ً حتَّى لقدْ ضلَّ عائدي
- وكيفَ تَرى العُوّادُ مَن لا له ظِلّ
وما عثرَتْ عَينٌ على أثَري، ولم
- تدعْ لي رسماً في الهوى الأعينُ النُّجلُ
ولي همَّة ٌ تعلو إذا ما ذكرتها
- وروحٌ بذِكراها، إذا رَخُصَتْ، تغلُو
جَرَى حُبُّها مَجَرى دمي في مَفاصلي،
- فأصبَحَ لي، عن كلّ شُغلٍ، بها شغلُ
فنافِس ببَذلِ النَّفسِ فيها أخا الهوَى ،
- فإن قبلتها منكَ ياحبَّذا البذلُ
فمَن لم يجُدْ، في حُبِّ نُعْمٍ، بنفسِه،
- ولو جادَ بالدّنيا، إليهِ انتهَى البُخلُ
ولولا مراعاة ُ الصِّيانة ِ غيرة ً
- ولو كثروا أهل الصَّبابة ِ أو قلُّوا
لقُلتُ لِعُشّاقِ الملاحة ِ:أقبِلوا
- إليها، على رأيي، وعن غيرِها ولّوا
وإنْ ذكرتْ يوماً فخرُّوا لذكرها
- سجوداً وإنْ لاحتْ إلى وجهها صلُّوا
وفي حبّها بِعتُ السّعادة َ بالشّقا
- ضلالاً وعقلي عنْ هدايَ بهِ عقلُ
وقُلتُ لرُشْدي والتّنَسكِ، والتّقَى :
- تخَلَّوا، وما بَيني وبَينَ الهوَى خَلّوا
وفرغتُ قلبي عنْ وجودي مخلصاً
- لَعَلّيَ في شُغلي بها، مَعَها أخلو
ومِن أجلِها أسعى لِمَنْ بَينَنا سَعى ،
- وأغدو ولا أعدو لمنْ دأبهُ العذلُ
فأرتاحُ للواشينَ بيني وبينها
- لتَعْلَمَ ماألقَى ، وما عندَها جَهلُ
وأصبو إلى العذّال، حُبّاً لذكرِها،
- كأنّهُمُ، مابينَنا في الهوى رُسلُ
فـإن حـدثوا عـنها،فكلي مـسامع
- وكُلّيَ، إن حَدّثتُهُمْ، ألسُنٌ تَتلو
تَخالَفَتِ الأقوالُ فينا، تبايُناً،
- برَجْمِ ظُنونٍ بَينَنا، ما لها أصلُ
فشَنّعَ قومٌ بالوِصالِ، ولم تَصِل،
- وأرجفَ بالسِّلوانِ قومٌ ولمْ أسلُ
فما صدَّقَ التَّشنيعُ عنها لشقوتي
- وقد كذبَتْ عني الأراجيفُ والنّقْلُ
وكيفَ أرجّي وَصْلَ مَنْ لو تَصَوّرَتْ
- حماها المنى وهماً لضاقتْ بها السُّبلُ
وإن وَعدَتْ لم يَلحَقِ الفِعلُ قَوْلها ؛
- وإنْ أوعدتْ فالقولُ يسبقهُ الفعلُ
عِديني بِوَصلٍ، وامطُلي بِنَجازِهِ،
- فعندي إذا صحَّ الهوى حسنَ المطلُ
وَحُرْمة ِ عَهْدٍ بينَنا، عنه لم أحُلْ،
- وعَقـدٍ بأيدٍ بينَنا، ما له حَلُ
لأنتِ، على غَيظِ النّوى ورِضَى الهَوَى ،
- لديَّ وقلبي ساعة ً منكِ ما يخلو
ترى مقلتي يوماً ترى منْ أحبُّهمْ
- ويَعتِبُني دَهْري، ويَجتمِعُ الشَّملُ
وما برحوا معنى ً أراهمْ معي فإنْ
- نأوا صورة ً في الذِّهنِ قامَ لهمْ شكلُ
فهمْ نصبَ عيني ظاهراً حيثما سروا
- وهمْ في فؤادي باطناً أينما حلُّوا
لهمْ أبداًَ منِّي حنوٌّ وإنْ جفوا
- ولي أبداً ميلٌ إلَيهِمْ، وإنْ مَلّوا[٢]
إن لا تزوري فإنّ الطيف قد زارا
إن لا تزوري، فإنّ الطيْفَ قد زارَا ،
- وقد قضيتُ لُبَاناتٍ وأوْطارَا
قال: لقد بَعُـدَ المسْـرَى ، فـقلتُ لها :
- من عالجَ الشّوْقَ لا يستبْعد الدّارا
قالت: كذبتَ على طيْفي! فقلتُ لها:
- إذنْ فَـعـاديتُ ، يامـكـنون، خمّـارا
ولانقـلتُ إلى حـانـوتِهِ قَـــدَمــــاً ،
- ولا نبذت إليه النّقْدَ، فاخْتارا
ولا رأى شفَــة ٌ مـنْـهُ على شَفَـتي ،
- إطْباقَ عينيكِ بالأشْفارِ أشْفارا
قـالتْ: حلفتَ يمـيـنـاً لا كفــاءَ لهَـا ،
لَعمرك ما الدّنيا بدار بقاء
لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛
- كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ
فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما
- يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ
حَلاَوَتُهَا ممزَوجَة ٌ بمرارة ٍ
- ورَاحتُهَا ممزوجَة ٌ بِعَناءِ
فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَة ٍ
- فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ
لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً؛
- وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضَاءِ
وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة ٌ،
- وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ
ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ
- ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ
ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدة ٍ
- ويومُ سُرورٍ مرَّة ً ورخاءِ[٤]
المراجع
- ↑ “قرأتُ في وجهك عنواناً”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.
- ↑ “هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.
- ↑ أبو نواس، ديوان أبي نواس برواية الصولي شعر، صفحة 611.
- ↑ “لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2019.