قصيدة شدو طائر للشاعر علي الجارم
علي الجارم
علي بن صالح الجارم شاعر وكاتب من مدينة رشيد في مصر، ولقد ولد عام 1881م، حيث بدأ تعليمه في إحدى المدارس في مصر ثمّ أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، ومن بعدها سافر إلى إنجلترا لإكمال دراسته، ثمّ عاد إلى مصر بعد إتمام دراسته، فقد كان محباً لمصر ولقد برع في كتابة الشعر، وفي هذا المقال سنقدم لكم شعراً جميلاً للشاعر علي الجارم.
قصيدة شدو الطائر
طائرٌ يشدو على فننِ
- جدَّد الذكرى لذي شجنِ
قام والأكوانُ صامتةٌ
- ونسيمُ الصُّبْحِ في وَهَن
هاج في نفسي وقد هدأتْ
- لوعةً لولاه لم تكن
هزَّه شوقٌ إلى سكنٍ
- فبكى للأهل والسَّكَن
وَيْكَ لا تجزعْ لنازلةٍ
- ما لطيرِ الجوِّ من وطن
قد يراكَ الصُّبحُ في حلب
- ويراكَ الليلُ في عدن
أنتَ في خضراءَ ضاحكةٍ
- من بكاءِ العارضِ الهَتِن
أنتَ في شجراءَ وارفةٍ
- تاركٌ غصناً إلى غصن
عابثٌ بالزَّهرِ مغتبطٌ
- ناعمٌ في الحِلّ والظَّعَن
في ظلالٍ حولها نَهَرٌ
- غيرُ مسنونٍ ولا أَسِن
في يديكَ الريحُ تُرسلها
- كيفما تهوى بلا رسن
يا سليمانَ الزمانِ أفقْ
- ليس للّذات من ثمن
وابعثِ الألحانَ مطربةً
- يا حياةَ العينِ والأُذن
غَنِّ بالدنيا وزينتِها
- ونظامِ الكونِ والسُّنَن
وبقيعانٍ هبطتَ بها
- وبما شاهدتَ من مُدُن
وبأزهار الصباحِ وقد
- نهضتْ من غفوة الوسن
وبقلب شفه وَلَهٌ
- حافظٍ للعهد لم يَخُن
كلُّ شيءٍ في الدُّنا حَسَنٌ
- أيُّ شيءٍ ليس بالحسن
خالقُ الأكوان كالئُها
- واسعُ الإحسانِ والمنن
كان لي إلفٌ فأَبعدهُ
- قدَرٌ عنّي وأبعدني
أنا مَدَّ الدهرِ أذكرهُ
- وهو مَدَّ الدهرِ يذكرني
قد بنينا العشَّ من مُهجٍ
- غُسِلتْ من حَوْبة الدَّرَن
من لَدُنهُ الودُّ أَخلَصَهُ
- والوفا والطهرُ من لَدُنِي
كانتِ الأطيارُ تحسدهُ
- جنَّةَ المأوى وتحسدني
وظنَنَّا أنْ نعيش بهِ
- عيشة المستعصمِ الأَمِن
فرمتْ كفُّ الزمان بهِ
- فكأنَّ العُشَّ لم يكن
طار من حولي وخلّفني
- للجوى والبثّ والحَزَن
ونأى عني وما برحتْ
- نازعاتُ الشَّوق تطرقني
ومضى والوجدُ يسبقهُ
- ودموعُ العين تسبقني
إن تزر يا طيرُ دوحتَهُ
- بين زهر ناضرٍ وجَنِي
وشهدتَ التمسَ مُضطرباً
- واثباً كالصافن الأَرِن
عبثت ريحُ الشمال بهِ
- فطغى غيظاً على السُّفن
فانشُدِ الأطيارَ واحدَها
- في الحُلَى والحُسن والجَدَن
وتريَّثْ في المقال لهُ
- قد يكون الموتُ في اللسَن
صِفْ له يا طيرُ ما لقيتْ
- مُهجتِي في الحبّ من غَبَن
صف له روحاً مُعذبةً
- ضاق عن آلامها بدني
صف له عيناً مُقرَّحةً
- لأبيِّ الدمعِ لم تَصُن
يا خليلي والهوى إِحَنٌ
- لا رماكَ اللهُ بالإحَن
إن رأيتَ العينَ ناعسةً
- فترقب يقظة الفِتَن
أو رأيتَ القدَّ في هَيَفٍ
- فاتخذ ما شئتَ من جُنَن
قد نعمنا بالهوى زمناً
- وشقينا آخرَ الزمن
قصيدة جدّدي يا رشيد للحب عهداً
جدّدي يا رشيدُ للحبّ عَهْدَا
- حَسْبُنا حسبُنا مِطالاً وصدَّا
جدّدي يا مدينة َ السحرِ أحلا
- ما وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغْدا
جدّدي لمحة ً مضتْ من شبابٍ
- مثل زهر الربا يرِفُّ ويندَى
وابعثي صَحْوة أغار عليها الشيْبُ
- حتَّى غدتْ عَناءً وسُهدا
وتعالَى ْ نعيشُ في جَنَّة الماضي
- إذا لم نجِدْ من العيشِ بُدّا
ذِكرياتٌ لو كان للدهرِ عِقد
- كنّ في جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا
ذِكرياتٌ مضتْ كأحلام وصلٍ
- وسُدى نستطيعُ للحُلْمِ رَدّا
قد رشفنا مختومهنَّ سُلافاً
- وشممْنا رَيّا شذاهُنّ نَدّا
والهوَى أمْرَدُ المحيَّا يناغي
- فِتية تُشبهُ الدنانير مُرْدَا
عبِثوا سادرين فالْجِدُّ هزلٌ
- ثمّ جدّوا فصيَّروا الهزلَ جِدّا
ويح نفسي أفدى الشبابَ بنفسي
- وجديرٌ بمثلهِ أن يُفَدَّى
إن عددنا ليومِه حسناتٍ
- شغلتْنا مساوىء الشيبِ عَدّا
جذوة ُ للشبابِ كانت نعيماً
- وسلاماً على الفؤادِ وبَردا
قد بكيناه حينَ زال لأنّا
- قد جهِلنا من حَقّه ما يؤدّى
وقتلناه بالوقارِ ضلالاً
- وهو ماجار مرّة أو تعدَّى
ما عليهم إن هام عمرٌو بِهندٍ
- أو شدا شاعرٌ بأيامٍ سُعدى
شُغِفَ الناسُ بالفضُولِ وبالحِقدِ
- فإِن تلقَ نعمة تَلقَ حِقدا
أرشيدٌ وأنت جِنَّة ُ خُلْدِ
- لو أتاح الإلهُ في الأرضِ خُلدا
حين سَمّوْكِ وردة زُهِي الحسنُ
- وودّ الخدودُ لو كنّ وَرْدا
توّجتْ رأسَكِ الرمالُ بتبرٍ
- وجرَى النيلُ تحت رِجليك شهدا
وأحاطت بكِ الخمائلُ زُهْراً
- كلُّ قَدٍّ فيها يعانقُ قَدّا
والنخيلُ النخيلُ أرخت شعوراً
- مُرسَلاَتٍ ومدَّت الظلَّ مدّا
كالعذارَى يدنو بها الشوقُ قُرباً
- ثم تنأَى مخافة اللّومِ بُعْدَا
حول أجيادِها عقود عقيقٍ
- ونُضارٍ صفاؤه ليس يصدا
يا ابنة اليمِّ لا تُراعي فإنّي
- قد رأيتُ الأمورَ جَزْراً ومدّا
قد يعودُ الزمانُ صفواً كما كانَ
- ويُمسي وعيدُه المُرُّ وعدا
كنتِ مذ كنتِ والليالي جواريكِ
- وكان الزمانُ حولَك عبدا
كلّما هامت الظنونُ بماضيكِ
- رأتْ عَزْمَة وأبصرن مجداً
بكِ أهلي وفيكِ مَلْهَى شبابي
- ولكَمْ فيكِ لي مَراحٌ ومَغْدَى
لو أصابتكِ مسّة ُ الريحِ ثارت
- بفؤادي عواصفٌ ليس تَهدا
قصيدة لبنان روض الهوى والفن لبنان
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ
- الأرضُ مسكٌ وهمسُ الدوحِ الحانُ
هل الحِسانُ على العهدِ الذي زعمت
- وهل رِفاقُ شبابي مثلَما كانوا
أين الصبا أين أوتاري وبهجتُها
- طوت بساط لياليهنَّ أزمان
أرنو لها اليومَ والذكرى تُؤرِّقني
- كما تنبَّه بعد الْحُلمِ وسنان
هَبني رجعتُ إلى الأوتارِ رنَّتَها
- فهل لَشرْخِ الصبا واللهوِ رُجْعان
لا الكأس كأسٌ إذا طاف الحباب بها
- بعد الشبابِ ولا الريحانُ ريحان
ما للخميلة هل طارت بلابلُها
- وصَوَّحتْ بعد طول الزَهْوِ أفنانُ
وهَل رياضُ الهوى ولَّت بشاشتُها
- وغادرت ضاحكَ النُوَّارِ غُدران
كم مَد غصنٌ بها عيناً مشرَّدة ً
- إلى قدودِ العذارى وهُو حيران
لقد رأى البانَ لا تسعَى به قدمٌ
- فيالدَهْشتِه لمّا مشى البَانُ
غِيدٌ لها من شذَى لُبنانَ نفحتُه
- ومن مجانيه تُفَّاحُ ورمَّان
من نَبعِه خُلِقت ما بالُها صرفتْ
- سِربَ الشفاه الحيارَى وهو ظمآن