ابن سفر المريني

الشعر العربي

تمتاز اللغة العربية بأنّها لغة الشعر والفن، فكان الشعر لأول مرة صنعة لدى العرب الأوائل يتقاضى من خلاله الشاعر المال، بل كانت القبيلة تفتخر أيّما فخر بشاعر ترعرع فيها ونما، فهو المنافح عن قبيلته الذاكر لمحامدها والهاجي لمن يذمّها، لكن لمّا أتى الإسلام نزع الله القَبَليّة من قلوب العرب وأصبحوا إخواناً تعصمهم مدينة رسول الله، يلجأون إليها وقت الحاجة، مُعتصمين بحبل الله وقرآنه الذي أنزل ، فاشتغل الشعراء حينها بغير صنعة مدح القبيلة، وانتهجوا لذلك نسكاً، اختلفوا فيه على اختلاف وقوعهم في الأقاليم، فكان هناك شعراء دمشق، وبغداد، والحجاز، والأندلس، فأبدع كلُّ واحد منهم في أمر، لكن من أجمل ما أبدعه الشعراء هو شعر الأندلس الذي أظهر التغني بالطبيعة والجمال كما لم يسبق، لا سيّما أنّ الطبيعة الخلّابة في الأندلس ساعدت على تفتيح قرائح الشعراء كما لم تكن في باقي العصور العربية.

من الشعراء الذين نبغوا في وصف طبيعة الأندلس الشاعر ابن سفر المريني، وظهر ذلك واضحاً في مخطوطة قصيدته الشهيرة، ولم يتمكّن التاريخ من نقل غيرها.

ابن سفر المريني

ابن سفر المريني هو أبو الحسن محمد بن سفر، كان من الشعراء الذين برزوا في عهد الموحّدين في الأندلس حيث نشأ وترعرع فيها، قال عنه المقري التلمساني في كتابه (نفح الطيب) إنّه أحد الشعراء المتأخّرين عصراً، المتقدمين قدراً والإحسان له عادة. (1)

قصيدة ابن سفر في وصف الأندلس

فــي أرض أنـدلسٍ تـلتذّ نـعماء

ولا يـفـارق فـيها الـقلب سـرّاء

أنـهارها فـضةٌ والـمسك تـربتها

والـخزّ روضـتها، والـدُرُّ حصباء

ولـلـهواء بـها لـطف يـرقّ بـ

ـمن لا يـرقّ وتـبدو مـنه أهواء

لـيس الـنّسيم الذي يهفو بها سحراً

ولا انـتـشار لآلـي الـطلّ أنـداء ُ

وإنّـمـا أرج الـنـدّ اسـتثار بـها

فـي مـاء ورد فـطابت منه أرجاء

وأيـن يـبلغ مـنها مـا أُصـنّفه؟

وكـيف يحوي الذي حازته أحصاء؟

قد مُيّزت من جهات الأرض حين بدت

فـريـدةً وتـولّـى مـيزها الـماءُ

دارت عـليها نـطاقاً أبـحر خـفقت

وَجْـَداً بـها إذ تَـبدّت وهي حسناء

لـذاك يـبسم فـيها الزّهر من طربٍ

والـطّير يـشدو ولـلأغصان إصغاءُ

فـيها خـلعت عِـذارِي ما بها عوضٌ

فـهي الرّياض وكل الأرض صحراء

قصائد أخرى في وصف الأندلس

دمج الشعراء جميل القصائد ما بين وصف الأندلس والتغزّل بجمالها بالموضوعات الشعرية الأخرى، ومن هؤلاء الشعراء ما يأتي:

أبو الحسن علي بن مهلل الجلياني

النهرُ سلَّ حُساما على قُدودِ الغُصون

ولــلنسـيمَ مـــجـــالُ

والروضُ فيه اختيالُ

مُــدَتْ علــيه ظِــلالُ

والزهرُ شَقَّ كِمَاما وَجْداً بتلك اللحونِ

أما تــرى الطيرَ صـــاحا

والصبحَ في الأُفْق لاحـــا

والزهرَ في الروض فاحا

والبرقَ ساقَ الغَماما تبكي بدمعٍ هَتُونِ

أبو البقاء الرُّندي

أَلثـامٌ شَـفَّ عـن ورد نــد

أم غمـام ضحكـت عن بَـرَدِ

أم علـى الأزرار مـن حُلَّتهـا

بـدرُ تـمَّ في قضيـب أَملَـدِ

بـأبـي ليـن لـه لـو أنـه

نـقلـت عطفتـه للـخلــد

لا وألحـاظ لـهـا سـاحـرة

نفثـت في القلـب لا في العقـد

لا طلبـت الثـأر منهـا ظالمـاً

وأنـا القاتـل نفسـي بيـدي

نظـرت عينـي لحينـي نظـرة

أخذت روحي وخلت جسـدي

هـاتـها بالله فـي مرضـاتـها

قهـوة فيهـا شفـاء الـكمـد

عصرت باللطف في عصر الصّبـا

فرمـت بالـمسـك لا بالزبـد

ما درى مديرهـا فـي كأسهـا

وهـي مثـل البـارق الـمتقـد

درة ضمـت علـى يـاقـوتـة

أم لجيـن فيه ثـوب عسجـدي

سقنـي غيـر مليـم إننـــي

حنفـي الـرأي والـمعتقــد

لا أرى بالسكـر إلاّ من هـوى

أو هبـات الـملك الـمؤيـد

مـلك الـعليـا ولـو أنصفتـه

فـفتحـت اللام لـم أفـنـد

ابن زيدون

سَقى الغَيثُ أَطلالَ الأَحِبَّةِ

بِالحِمـى

وَحاكَ عَلَيها ثَوبَ وَشـيٍ

مُنَمنَمـا

وَأَطلَـعَ فيهـا لِلأَزاهيـرِ

أَنجُمـا

فَكَم رَفَلَت فيها الخَرائِـدُ

كَالدُمـى

إِذِ العَيشُ غَـضٌّ وَالزَمـانُ

غُـلامُ

أَهيـمُ بِجَبّـارٍ يَعِـزُّ

وَأَخـضَـعُ

شَذا المِسكِ مِن أَردانِـهِ

يَتَضَـوَّعُ

إِذا جِئتُ أَشكوهُ الجَوى لَيسَ

يَسمَعُ

فَما أَنا في شَيءٍ مِنَ الوَصلِ

أَطمَعُ

وَلا أَن يَـزورَ المُقلَتَيـنِ

مَـنـامُ

قَضَيبٌ مِنَ الرَيحانِ أَثمَـرَ

بِالبَـدرِ

لَواحِظُ عَينَيهِ مُلِئـنَ مِـنَ

السِحـرِ

وَديباجُ خَدَّيهِ حَكى رَونَقَ

الخَمـرِ

وَأَلفاظُهُ في النُطقِ كَاللُؤلُـؤِ

النَثـرِ

وَريقَتُـهُ فـي الإِرتِشـافِ

مُـدامُ

سَقى جَنَباتِ القَصرِ صَوبُ

الغَمائِمِ

وَغَنّى عَلى الأَغصانِ وُرقُ

الحَمائِمِ

بِقُرطُبَـةَ الغَـرّاءَ دارِ

الأَكــارِمِ

بِلادٌ بِها شَـقَّ الشَبـابُ

تَمائِمـي

وَأَنجَبَنـي قَـومٌ هُـنـاكَ

كِــرامُ

فَكَم لِيَ فيها مِن مَسـاءٍ

وَإِصبـاحِ

بِكُلِّ غَزالٍ مُشرِقِ الوَجهِ

وَضّـاحِ

يُقَـدِّمُ أَفـواهَ الكُـؤوسِ

بِتُـفّـاحِ

إِذا طَلَعَت في راحِهِ أَنجُـمُ

الـراحِ

فَإِنّـا لَإِعظـامِ الـمُـدامِ

قِـيـامُ

وَيَومٍ لَدى النَبتِيِّ في شاطِئِ

النَهـرِ

تُدارُ عَلَينا الراحُ في فِتيَـةٍ

زُهـرِ

وَليسَ لَنا فَرشٌ سِوى يانِعِ

الزَهـرِ

يَدورُ بِها عَذبُ اللَمى أَهيَفُ

الخَصرِ

بِفيهِ مِـنَ الثَغـرِ الشَنيـبِ

نِظـامُ

وَيَـومٍ بِجَوفِـيِّ الرَصافَـةِ

مُبهِـجِ

مَرَرنا بِرَوضِ الأُقحُـوانِ

المُدَبَّـجِ

وَقابَلَنـا فيـهِ نَسـيـمُ

البَنَفـسَـجِ

وَلاحَ لَنـا وَردٌ كَخَـدٍّ

مُـضَـرَّجِ

نَـراهُ أَمـامَ النـورِ وَهـوَ

إِمـامُ

وَأَكرِم بِأَيّـامِ العُقـابِ

السَوالِـفِ

وَلَهـوٍ أَثَرنـاهُ بِتِلـكَ

المَعاطِـفِ

بِسودِ أَثيثِ الشَعرِ بيضِ

السَوالِـفِ

إِذا رَفَدوا في وَشيِ تِلكَ

المَطـارِفِ

فَلَيسَ عَلـى خَلـعِ العِـذارِ

مُـلامُ

وَكَم مَشهَدٍ عِندَ العَقيـقِ

وَجِسـرِهِ

قَعَدنا عَلى حُمرِ النَبـاتِ

وَصُفـرِهِ

وَظَبـيٍ يُسَقّينـا سُلافَـةَ

خَـمـرِهِ

حَكى جَسَدي في السُقمِ رِقَّةَ

خَصرِهِ

لَواحِظُـهُ عِنـدَ الرُنُـوِّ

سِـهـامُ

فَقُـل لِزَمـانٍ قَـد تَوَلّـى

نَعيمُـهُ

وَرَثَّت عَلى مَرِّ اللَيالـي

رُسومُـهُ

وَكَـم رَقَّ فيـهِ بِالعَشِـيِّ

نَسيمُـهُ

وَلاحَت لِساري اللَيلِ فيـهِ

نُجومُـهُ

عَلَيكَ مِنَ الصَبِّ المَشـوقِ

سَـلامُ

المراجع

(1) بتصرّف عن كتاب نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، أحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق إحسان عباس، المجلد الأول، دار صادر – بيروت، 1968، ص157