أحمد شوقي دمشق
أحمد شوقي
ولد أحمد شوقي في القاهرة عام1868م، في أسرة ميسورة، التحق بالكُتّاب وبرع بين أقرانه، وظهرت قريحته الشعرية في أولى فترات دراسته. أتم دراسته الثانوية ليلتحق بعدها بكليّة الحقوق، وأتمّ دراسته النهائية في فرنسا سنة 1893م.
أصدر أول أعماله الأدبية، وهو الجزء الأول من ديوان الشوقيات سنة 1898م. تم نفيه من قبل الإنجليز إلى الأندلس سنة 1914م بعد الحرب العالمية الأولى ووقوع مصر تحت الحكم الإنجليزي. توفي شوقي سنة 1932م مُخلّفاً وراءه شعراً أصلاً خالداً. (1)
قصيدة نكبة دمشق لأحمد شوقي
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ
وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي
جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي
إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي
جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ
دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ
وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ
وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري
وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ
وَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ
لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ
عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ
وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ
رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ
بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ
غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ
أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ
وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ
أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ
لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ عَلى
سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ
وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها
تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ
وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا
وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ
وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ
وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ
لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ
وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ
بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا
غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ
بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها
أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ
وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ
وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُ
وَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ
مُهَتَّكَةٍ وَأَستارٍ تُشَقُّ
بَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ
وَخَلفَ الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ
إِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ
أَتَت مِن دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُ
بِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا
وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ
إِذا عَصَفَ الحَديدُ احمَرَّ أُفقٌ
عَلى جَنَباتِهِ وَاسوَدَّ أُفقُ
سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ
أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُ
وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا
قُلوبٌ كَالحِجارَةِ لا تَرِقُّ
رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا
أَخو حَربٍ بِهِ صَلَفٌ وَحُمقُ
إِذاما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ
يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا
دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا
وَتَعلَمُ أَنَّهُ نورٌ وَحَقُّ
جَرى في أَرضِها فيهِ حَياةٌ
كَمُنهَلِّ السَماءِ وَفيهِ رِزقُ
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا
وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا
وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها
فَكَيفَ عَلى قَناها تُستَرَقُّ
بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني
وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا
بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ
وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ
كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ
فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي
وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا
وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ
بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ
فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا
إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا
وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ
وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ
بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ
وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ
نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ
وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّ
وَما كانَ الدُروزُ قَبيلَ شَرٍّ
وَإِن أُخِذوا بِما لَم يَستَحِقّوا
وَلَكِن ذادَةٌ وَقُراةُ ضَيفٍ
كَيَنبوعِ الصَفا خَشُنوا وَرَقُّوا
لَهُم جَبَلٌ أَشَمُّ لَهُ شَعافٌ
مَوارِدُ في السَحابِ الجُونِ بُلقُ
لِكُلِّ لَبوءَةٍ وَلِكُلِّ شِبلٍ
نِضالٌ دونَ غايَتِهِ وَرَشقُ
كَأَنَّ مِنَ السَمَوأَلِ فيهِ شَيئًا
فَكُلُّ جِهاتِهِ شَرَفٌ وَخَلقُ.
قصائد أخرى عن دمشق
لقد نظم الشعراء القصائد المتنوّعة في دمشق باختلاف جنسيّاتهم، تجمعهم الوحدة العربية في موقف واحد ضد العدوان الخارجي، ومن هذه القصائد ما يأتي:
من مفكرة عاشق دمشقي
نزار قباني
فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا
فيا دمشـقُ… لماذا نبـدأ العتبـا؟
حبيبتي أنـتِ… فاستلقي كأغنيـةٍ
على ذراعي، ولا تستوضحي السببا
أنتِ النساءُ جميعاً.. ما من امـرأةٍ
أحببتُ بعدك..ِ إلا خلتُها كـذبا
يا شامُ، إنَّ جراحي لا ضفافَ لها
فامسّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا
وأرجعيني إلى أسـوارِ مدرسـتي
وأرجعي الحبرَ والطبشورَ والكتبا
تلكَ الزواريبُ كم كنزٍ طمرتُ بها
وكم تركتُ عليها ذكرياتِ صـبا
وكم رسمتُ على جدرانِها صـوراً
وكم كسرتُ على أدراجـها لُعبا
أتيتُ من رحمِ الأحزانِ… يا وطني
أقبّلُ الأرضَ والأبـوابَ والشُّـهبا
حبّي هـنا.. وحبيباتي ولـدنَ هـنا
فمـن يعيـدُ ليَ العمرَ الذي ذهبا؟
أنا قبيلـةُ عشّـاقٍ بكامـلـها
ومن دموعي سقيتُ البحرَ والسّحُبا
فكـلُّ صفصافـةٍ حّولتُها امـرأةً
وكـلُّ مئذنـةٍ رصّـعتُها ذهـبا
هـذي البساتـينُ كانت بينَ أمتعتي
لما ارتحلـتُ عـن الفيحـاءِ مغتربا
فلا قميصَ من القمصـانِ ألبسـهُ
إلا وجـدتُ على خيطانـهِ عنبا
كـم مبحـرٍ.. وهمومُ البرِّ تسكنهُ
وهاربٍ من قضاءِ الحبِّ ما هـربا
يا شـامُ، أيـنَ هما عـينا معاويةٍ
وأيـنَ من زحموا بالمنكـبِ الشُّهبا
فلا خيـولُ بني حمـدانَ راقصـةٌ
زُهــواً… ولا المتنبّي مالئٌ حَـلبا
وقبـرُ خالدَ في حـمصٍ نلامسـهُ
فـيرجفُ القبـرُ من زوّارهِ غـضبا
يا رُبَّ حـيٍّ.. رخامُ القبرِ مسكنـهُ
ورُبَّ ميّتٍ.. على أقدامـهِ انتصـبا
يا ابنَ الوليـدِ.. ألا سيـفٌ تؤجّرهُ؟
فكلُّ أسيافنا قد أصبحـت خشـبا
دمشـقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتي
أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا؟
أدمـت سياطُ حزيرانَ ظهورهم
فأدمنوها.. وباسوا كفَّ من ضربا
وطالعوا كتبَ التاريخِ.. واقتنعوا
متى البنادقُ كانت تسكنُ الكتبا؟
سقـوا فلسطـينَ أحلاماً ملوّنةً
وأطعموها سخيفَ القولِ والخطبا
وخلّفوا القدسَ فوقَ الوحلِ عاريةً
تبيحُ عـزّةَ نهديها لمـن رغِبـا..
هل من فلسطينَ مكتوبٌ يطمئنني
عمّن كتبتُ إليهِ.. وهوَ ما كتبا؟
وعن بساتينَ ليمونٍ، وعن حلمٍ
يزدادُ عنّي ابتعاداً.. كلّما اقتربا
أيا فلسطينُ.. من يهديكِ زنبقةً؟
ومن يعيدُ لكِ البيتَ الذي خربا؟
شردتِ فوقَ رصيفِ الدمعِ باحثةً
عن الحنانِ، ولكن ما وجدتِ أبا..
تلفّـتي… تجـدينا في مَـباذلنا..
من يعبدُ الجنسَ، أو من يعبدُ الذهبا
فواحـدٌ أعمـتِ النُعمى بصيرتَهُ
فانحنى وأعطى الغـواني كـلُّ ما كسبا
وواحدٌ ببحـارِ النفـطِ مغتسـلٌ
قد ضاقَ بالخيشِ ثوباً فارتدى القصبا
وواحـدٌ نرجسـيٌّ في سـريرتهِ
وواحـدٌ من دمِ الأحرارِ قد شربا
إن كانَ من ذبحوا التاريخَ هم نسبي
على العصـورِ.. فإنّي أرفضُ النسبا
يا شامُ، يا شامُ، ما في جعبتي طربٌ
أستغفرُ الشـعرَ أن يستجديَ الطربا
ماذا سأقرأُ مـن شعري ومن أدبي؟
حوافرُ الخيلِ داسـت عندنا الأدبا
وحاصرتنا.. وآذتنـا.. فلا قلـمٌ
قالَ الحقيقةَ إلا اغتيـلَ أو صُـلبا
يا من يعاتبُ مذبوحـاً على دمـهِ
ونزفِ شريانهِ، ما أسهـلَ العـتبا
من جرّبَ الكيَّ لا ينسـى مواجعهُ
ومن رأى السمَّ لا يشقى كمن شربا
حبلُ الفجيعةِ ملتفٌّ عـلى عنقي
من ذا يعاتبُ مشنوقاً إذا اضطربا؟
الشعرُ ليـسَ حمامـاتٍ نـطيّرها
نحوَ السماءِ، ولا ناياً.. وريحَ صَبا
لكنّهُ غضـبٌ طـالت أظـافـرهُ
ما أجبنَ الشعرَ إن لم يركبِ الغضبا
طريق دمشق
محمود درويش
من الأزرق ابتدأ البحر
هذا النهار يعود من الأبيض السابق
الآن جئت من الأحمر اللاحق..
اغتسلي يا دمشق بلوني
ليولد في الزمن العربي نهار
أحاصركم: قاتلاً أو قتيل
وأسألكم .شاهداً أو شهيد
متى تفرجون عن النهر. حتى أعود إلى الماء أزرق
أخضر
أحمر
أصفر أو أي لون يحدّده النهر
إنّي خرجت من الصيف والسيف
إنّي خرجت من المهد واللحد
نامت خيولي على شجر الذكريات
ونمتُ على وتر المعجزات
ارتدتني يداك نشيداً إذا أنزلوه على جبل، كان سورة
“ينتصرون” ..
دمشق، ارتدتني يداك دمشق، ارتديت يديك
كأن الخريطة صوت يفرخ في الصخر
نادى وحرّكني
ثم نادى ..وفجّرني
ثم نادى.. وقطرّني كالرّخام المذاب
ونادى
كأن الخريطة أنثى مقدسة فجّرتني بكارتها، فانفجرت
دفاعاً عن السرّ والصّخر
كوني دمشق
فلا يعبرون !
من البرتقالي يبتدئ البرتقال
ومن صمتها يبدأ الأمس
أو يولد القبر
يا أيّها المستحيل يسمونك الشام
أفتح جرحي لتبتديء الشمس، ما اسمي؟ دمشق
وكنت وحيداً
ومثلي كان وحيداً هو المستحيل.
أنا ساعة الصفر دقّت
فشقّت
خلايا الفراغ على سرج هذا الحصان
المحاصر بين المياه
وبين المياه
أنا ساعة الصفر
جئت أقول:
أحاصرهم قاتلاً أو قتيل
أعدّ لهم استطعت.. وينشق في جثتي قمر المرحلة
وأمتشق المقصلة
أحاصرهم قاتلاً أو قتيل
وأنسى الخلافة في السفر العربي الطويل
إلى القمح والقدس والمستحيل
يؤخّرني خنجران:
العدو
وعورة طفل صغير تسمونه
بردى
وسمّيته مبتدا
وأخبرته أنني قاتل أو قتيل
من الأسود ابتدأ الأحمر. ابتدأ الدم
هذا أنا هذه جثتي
أي مرحلة تعبر الآن بيني وبيني
أنا الفرق بينهما
همزة الوصل بينهما
قبلة السيف بينهما
طعنه الورد بينهما
آه ما أصغر الأرض !
ما أكبر الجرح
مرّوا
لتتسع النقطة، النطفة، الفارق
الشارع، الساحل، الأرض
ما أكبر الأرض !
ما أصغر الجرح
هذا طريق الشام.. وهذا هديل الحمام
وهذا أنا.. هذه جثتي
والتحمنا
فمرُّوا ..
خذوها إلى الحرب كي أنهي الحرب بيني وبيني
خذوها.. احرقوها بأعدائها
أنزلوها على جبل غيمة أو كتابا
ومرّوا
ليتسع الفرق بيني وبين اتهامي
طريق دمشق
دمشق الطريق
ومفترق الرّسل الحائرين أمام الرمادي
إني أغادر أحجاركم – ليس مايو جدارا
أغادر أحجاركم وأسير
وراء دمي في طريق دمشق
أحارب نفسي.. وأعداءها
ويسألني المتعبون، أو المارة الحائرون عن اسمي
فأجهله..
اسألوا عشبة في طريق دمشق!
وأمشي غريباً
وتسألني الفتيات الصغيرات عن بلدي
فأقول: أفتّش فوق طريق دمشق
وأمشي غريباً
ويسألني الحكماء المملّون عن زمني
فأُشير حجراً أخضرَ في طريق دمشق
وأمشي غريباً
ويسألني الخارجون من الدّير عن لغتي
فأعدّ ضلوعي وأخطيء
إنّي تهجيّت هذي الحروف فكيف أُركّبها؟
دال، ميم، شين، قاف
فقالوا: عرفنا، دمشق !
ابتسمت. شكوت دمشق إلى الشام
كيف محوت ألوف الوجوه
وما زال وجهك واحد!
لماذا انحنيت لدفن الضحايا
وما زال صدرك صاعد
وأمشي وراء دمي وأطيع دليلي
وأمشي وراء دمي نحو مشنقتي
هذه مهنتي يا دمشق
من الموت تبتدئين، و كنت تنامين في قاع صمتي و لا
تسمعين..
وأعددت لي لغة من رخام و برق
وأمشي إلى بردى، آه مستغرقا فيه أو خائفا منه
إن المسافة بين الشجاعة والخوف
حلم
تجسد في مشنقه
آه، ما أوسع القبلة الضيقة!
وأرخني خنجران:
العدو
ونهر يعيش على معمل
هذه جثتي، وأنا
أفقّ ينحني فوقكم
أو حذاء على الباب يسرقه النهر
أقصد
عورة طفل صغير يسمّونه
بردى
وسميته مبتدا
وأخبرته أنني قاتل أو قتيل.
تقّلدني العائدات من الندم الأبيض
الذاهبات إلى الأخضر الغامض
الواقفات على لحظة الياسمين
دمشق! انتظرناك كي تخرجي منك
كي نلتقي مرة خارج المعجزات
انتظرناك..
والوقت نام على الوقت
والحب جاء، فجئنا إلى الحرب
نغسل أجنحة الطير بين أصابعك الذهبيّة
يا امرأة لونها الزبد العربي الحزين.
دمشق الندى والدماء
دمشق الندى
دمشق الزمان.
دمشق العرب !
تقلّدني العائدات من النّدم الأبيض
الذاهبات إلى الأخضر الغامض
الواقفات على ذبذبات الغضب
ويحملك الجند فوق سواعدهم
يسقطون على قدميك كواكب
كوني دمشق التي يحلمون بها
فيكون العرب
قلت شيئاً، وأكمله يوم موتي وعيدي
من الأزرق ابتدأ البحر
والشام تبدأ مني، أموت
ويبدأ في طرق الشام أسبوع خلقي
وما أبعد الشام، ما أبعد الشام عني 1
وسيف المسافة حز خطاياي.. حز وريدي
فقربني خنجران
العدو وموتي
وصرت أرى الشام.. ما أقرب الشام مني
ويشنقني في الوصول وريدي..
وقد قلت شيئا.. وأكمله
كاهن الاعترافات ساومني يا دمشق
وقال: دمشق بعيده
فكسّرت كرسيه وصنعت من الخشب الجبلي صليبي
أراك على بعد قلبين في جسد واحد
وكنت أطلّ عليك خلال المسامير
كنت العقيدة
وكنت شهيد العقيده
وكنت تنامين داخل جرحي
وفي ساعة الصفر تم اللقاء
وبين اللقاء وبين الوداع
أودع موتي.. وأرحل
ما أجمل الشام، لولا الشام، وفي الشام
يبتدئ الزمن العربي وينطفيء الزمن الهمجي ّ
أنا ساعة الصفر دقّت
وشقّت
خلايا الفراغ على سطح هذا الحصان الكبير الكبير
الحصان المحاصر بين المياه
و بين المياه
أعد لهم ما استطعت ..
وينشقّ في جثتي قمر.. ساعة الصفر دقّت،
وفي جثتي حبّة أنبتت للسنابل
سبع سنابل، في كل سنبلة ألف سنبلة ..
هذه جثّتي.. أفرغوها من القمح ثم خذوها إلى الحرب
كي أنهي الحرب بيني وبيني
خذوها أحرقوها بأعدائها
خذوها ليتسع الفرق بيني و بين اتهامي
وأمشي أمامي
ويولد في الزمن العربي.. نهار.
المراجع
(1) بتصرّف عن نبذة حول الشاعر: أحمد شوقي، adab.com