تاريخ الشعر العربي
الشعر العربي
عُرف الشّعر العربي قديماً بأنه منظومُ القولِ قد غلب عليه لتشريفه بالقافيةِ والوزن (ابن منظور، ولسان العرب)، وعُرف كذلك بأنه النظم الموزون الّذي ركِّب تركيباً متعاضداً، وكان موزوناً مقفّى؛ حيث إنّ كلّ من خلا من كلّ ما ذُكر لا يُسمى شعراً، ومن هُنا يتبيّن أنّه يُشترط في الشعر أركانٌ أربعة كما ذكرها الفيومي، وهي: الوزن، والقافية، والمعنى، والقصد.
الشعر الجاهلي
يُعتبر الشّعر الجاهلي برغم قلته وفقدان الكثير منه من أرقى أنواع الشّعر العربي المقروء حتّى هذه اللحظة، فهو بالإضافة لبلاغته وقيمته الفنيّة يُعتبر مصدراً رئيسيّاً ومهمّاً للغةِ العربيةِ الفُصحى، سواءً أكان هذا بالمفردات الغنيّة أو القواعد في اللغة؛ حيث يُعتبر الشعر الجاهلي سجلاً تاريخيّاً موثوقاً للحياةِ الثقافيّةِ والاجتماعيّةِ والسياسيّة في ذلك الوقت.
يُعتبر الشاعر امرؤ القيس من قبيلة كندة رأس شعراء العرب، وكذلك يُعتبر من أعظم شعراء الجاهليّة، ويُعرف باسم (الملك الضليل) في كتب التراث، وكذلك يُسمّى بـ (ذي القروح).
احتلّ الشّعر مكانةً متميزة في العصر الجاهلي؛ حيث كان الشاعر في ذلك العصر يقوم بدور العرّاف والمؤرخ والمادح، ومن أشكال الشعر التي برزت في ذلك العصر شعر الهجاء؛ حيث كان يُعتبر هذا النوع من أكثر أغراض الشعر شعبيةً في ذلك الوقت، وكان الشاعر الجاهلي يُمثّل أهميّة القبيلة التي ينتمي إليها وهيبتها في شبه الجزيرة العربيّة، وكانت تنشب معارك وهميّة في الزجل والشّعر التي كانت بديلاً للحروب الحقيقيّة كـ (عكاظ، وسوق المدينة)، أمّا مدينة مكة فقد كانت تعقد فيها مهرجانات الشعر العادي؛ حيث كانت تُلقى قصيدة شاعرٍ ما، ويقوم في أغلب الأوقات تلميذٌ لهذا الشاعر بإلقاء القصيدة.
من أبرز شُعراء العصر الجاهلي طفيل، وأوس بن حجر، وزهير بن أبي سلمى، وكعب بن زهير، والحطيئة، وجميل بثينة، وكثيِّر عزة، ومن أشهر الشعراء أيضاً امرؤ القيس، والنابغة الذبياني، والسموءَل، وعنترة، وطرفة بن العبد. واشتهر في ذلك الوقت الشعراء المتشرّدون (آل الشنفري)، وتميّزت أعمالهم بالثناء على العزلة والهجوم على قسوة الحياة القبليّة، ومن أشهر هؤلاء الشعراء الأعشى.
من أشهر القصائد في ذلك العصر هي ما أطلق عليها اسم (المعلّقات)، والتي تمّ جمعها في القرن الثامن للميلاد، والمعلقات تعني قصائد معلقة – لأنها عُلقت على الكعبة – بالإضافة لها (المفضليّات) وتعني المختار أو المفضل.
تميّز الشعر في العصر الجاهلي بأنه مكوّن لتاريخ الشعر العربي لمدى البلاغة في صياغة القصيدة بشكلٍ عام، وهذا أدى إلى تكوّن قصائد تمتاز بقصر أفكارها وقوة مفرداتها، وهناك سمة أو ميزة أخرى للشعر في ذلك العصر وهي المقدّمة التي تمتاز بالحنين والرومانسيّة في أغلب الأوقات، وفي هذه البدايات أو المقدمات للقصائد وحدة موضوعيّة أطلق عليها اسم (نسيب)؛ حيث إنّ الشاعر يتذكر حبيبته التي غادر لأجلها البيت وأنقاضه والديار، وأشير إلى هذا المفهوم في الشعر العربي تحت مسمّى (الوقوف على الأطلال)، وهنا بالإضافة لإشارة الشاعر إلى ذكريات محبوبته؛ فهو أيضاً يُظهر نوعاً من الحنين للماضي وذكرياته، والتحسّر على ما مضى.
الشعر في عصر الإسلام
ممّا سبق عَلِمنا بأنَّ الشعر هو المُسيطر في العصر الجاهلي في جميع نواحي الحياة بشكلٍ عام، حتى جاء الإسلام بالقرآن، ودخول أكثر الشعراء في هذا الدين؛ حيث حاول هؤلاء الشعراء محاكاة الدين شعراً، لكنّه لم يخلُ من ارتدائه لعباءة العصر الجاهلي، على الرغم من استخدام المعاني والمرادفات الإسلاميّة.
الشعر في العصر الأموي
بعد مرور الشعر بحالةٍ من الركود في العصر الإسلامي، وبعد قيام الدولة الأمويّة، عاد للازدهار مجدّداً في جميع مجالات الحياة كما كان في العصر الجاهلي، وكان السبب في عودة ازدهاره: كثرة المفاخرة بين الشعراء وتعدّد الأحزاب السياسيّة، هذا بالإضافة لإطلاق حريّة التعبير في هذا العصر نتيجةً لفساد الحكم، ومن هنا ازدهر شِعر الغزل العفيف والصريح، بالإضافةِ لشعر النقائض.
الشعر في العصر العباسي
شهد العصر العباسي نهضةً شعريّة، والتي كان من أهمّ أسبابها النهضة الفكريّة التي شهدها هذا العصر، بالإضافة لتطوّر الحركة العلميّة، فقد أمدّ هذا التطور شعراء العصر العباسي بمعانٍ ومفردات جديدة، والتي أسهمت إلى حدٍ كبير في إنعاش أذهانهم بتشبيهاتٍ وصور مستقاة من الحوارات الثقافيّة والعلميّة التي سادت في ذلك العصر، وتميّز الشعراء في العصر العباسي بشِعرهم الغنّي بالمعاني العلميّةِ والعقليّة.
الشعر في العصر الأندلسي
حظيَ الشعر في العصر الأندلسي بمكانةٍ عظيمة، فقد تميّز الشعر في هذا العصر بطابعه الخاص، الذي تميّز بسعة معانيه وأفكاره ووضوح تلك المعاني والأفكار وشفافيتها، وبُعدها عن التلميح لوقائع تاريخيّة، بالإضافة لبعدها عن التعقيد. كانت المفردات عذبةً رقيقة، واهتمّ الشعراء الأندلسيين كثيراً بالصنعة اللفظيّة، أما الخيال والتصوير في تلك القصائد فهو مستوحىً من الطبيعة الأندلسيّة الخلابة.
تميّز الشعراء في هذا العصر بابتداع أوزانٍ شعريّة حديثة، الأمر الذي أدّى إلى انتشار الغناء في المجالس هناك، وتميّزت القصائد بقوافيها المنوّعة، ومن أنواع ألوان الشعر في هذا العصر كانت (الموشّحات).