تعبير عن المدينة والريف

المدينة والرّيف

يقول محمد علي السنوسي في وصف الرّيف الجميل:

الليل في الريف ليلٌ في معاطفه

وملءُ أردانه روحُ الهوى اللَّدِنِ

هنا غلالته الزرقاء زاهية

(كطرحة) فوق وجه فاتن حسنِ

هنا السماء تراءى من جوانبه

نقية من دخان الغاز والعفنِ

الرّيف، وماذا يعني الرّيف إلا الخُضرة والجمال وزقزقة العصافير والهدوء الذي يؤنس؟ ونسيم بارد في الصيف يُنعش الروح ويُطربها؟ وليالي أُنس ورديّة؟ الرّيف هو المكان الذي يعيد إلى النفس رونقها وطمأنينتها، إذ يلجأ إليه الناس لينعموا بأجواء الرّاحة والسكينة التي تحييهم من جديد بعد انغماسهم في العمل المُرهق وصخب الحياة الروتينيّة.

يعيش الناس في الرّيف حياة هانئة، بعيدة عن دخان المصانع وأزمات الطرق الموجودة في المدينة، فيمتهنون في الزراعة أو رعي الأغنام أو الحرف المنزليّة، ويستيقظون منذ الفجر ومع ألحان العصافير العذبة لحصاد زرعهم وجلب الماء من آبارهم، ويذهبون في رحلات إلى بساتينهم الواسعة المُزهرة، وتكون بيوتهم بسيطة الطابع لكنّها تتمتع بالدفء والأمان، كما يستمتعون بالطبيعة الخلّابة والسماء الصافية، ويذهب الأطفال إلى المدرسة ومجالس العلم لينهلوا منها ما ينمّي عقولهم، ويتجمعون حول مدفأة الحطب في الليالي الباردة، منسجمين مع هدوء الأجواء وألقها.

قد يفتقد الرّيف وجود بعض الخدمات والمؤسسات وتنوّع فرص العمل التي لا تتوفر إلا في المدينة؛ فالمدينة تتميز باتساع مواردها وأسواقها، وتطوّرها الحضري والإلكترونيّ عن الريف، كما أنّنا نجد فيها حياة مليئة لا تسكن ليلًا ولا نهارًا، فهي دائمة الحركة لأنّ فيها الكثير من شتّى الأمور المتنوعة والأعمال التي لا يمكن أن تتوقف، كما تكثر فيها إقامة الفعاليّات والاحتفالات، ويكون قاطنوها كثيري العدد ومشتركين في العديد من الأنشطة، وأنوارها تملأ الطرقات فتزدان بها الشوارع، يقول الشاعر واصفًا المدينة وأَلَقَ الحياة فيها:

جَميعُ الخَيْرِ يَأْتِينِي

بِأَسْوَاقِي هُنَا ينفقْ

وَلِي نُورٌ يُحَلِّينِي

وَحُسْنِي دَائِمًا يُعْشَقْ

لكلّ شيء جماليّاته الخاصة، فقد يفضل الكثيرون العيش في سكون الريف وسحر طبيعته ويجدون في المدينة ضجيجًا وتلوثًا غير موجود في الريف، وآخرون يفضلون العيش في صخب المدينة والانخراط فيها وفي فعالياتها وأنشطتها مبتعدين عن هدوء الريف الذي يعمّ المكان، وهكذا، كلّ شخص حسب هواه، وحسب ما يميل إليه قلبه ويطمئن به.