تعبير إنشائي عن العلم
يُعَدُّ العلم من أعظم أسباب السعادة، ومن أقوى عوامل الرقي بين الأمم والشعوب، فهو في الحياة سر نهضتها ورقيّها وتقدمها، بل هو عصب الحياة بامتياز، وهو عنوان الأمم الراقية، وذلك متى قام على أسس سليمة، وغايات نبيلة، ومتى كان ميدانه تحقيق الخير وخدمة الإنسانية والرقي بين البشر، وإن كان خلاف ذلك فهو سبب بكل تأكيد في شقائها، وللعلم الهادف آداب وسمات تُميُّز طالبه الحقيقي عن غيره، وله فضل وآثار إيجابيّة تعمّ الفرد والمجتمع على حد سواء.
فمن آداب طلب العلم إخلاص النيّة في طلبه وتحصيله، وذلك بأن تكون خالصة لله سبحانه بأن يكون العلم دالاً على عظمة الخالق معيناً على حسن عبادته على الوجه الصحيح، فهذا لا يتأتى إلا بعلم صحيح، ومن لوازم ذلك أيضاً أن يُراد بالعلم بناء الإنسان، وتحقيق مصالحه المادية والمعنويّة، وبما يُمَكِّنُ صاحبه من تحقيق معنى العبوديّة لله سبحانه، ولا بدّ من حسن التخطيط في طلب العلم والمعرفة، فعمر الإنسان القصير المحدود لا يتسع لكل أصناف العلوم، وألوان المعرفة، فلا بدّ من وضع أولويات فيما يلزم من العلم، وبما يحقق النفع والفائدة ويبني الإنسان، فلو اغترف الإنسان من كل علم أطيبه وأهمَّه لكفى، ولبقيَ المجالُ أمامه متاحاً في طرق عناوين معظم العلوم والاستفادة منها.
ويتميّز طالب العلم الحقيقي عن غيره بعلو الهمّة وقوة الإرادة، وتعظيم العلم ومعرفة قدره، ومعرفة قيمة الزمن وشرف الوقت، فكل هذه تُعَدُّ رأس مال طالب العلم لا ينبغي له التفريط فيه، فالهمّة العالية، والإرادة، والحيوية والنشاط صفات إيجابية ملازمة لطالب العلم الحقيقي، بذل وجد ونشاط دائم، وإن استراح فمحطّات تقويه على مواصلة سعيه في تحصيله، ومتى نظَّمَ طالب العلم وقته جيداً، فسيبدأ يشعر ببركة الوقت والزمن وقيمته، ومن صفات طالب العلم أيضاً احترامه لمعلِّمه وتقديره له، وقد أبدع الشافعي ـ رحمه الله ـ عندما نصح طالب العلم مذكراً إياه ببعض الصفات:
أخي لن تنال العلم إلا بستة
- سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وَبُلغَة
- وصحبة أستاذ وطول زمان(1)
كما وأنّ تقوى الله ـ سبحانه وتعالى ـ من أهم ما يساعد على طلب العلم، وفي المقابل فإنَّ المعاصي من أعظم أسباب صعوبة التعلِّم، مصداقاً لقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 282) فتقوى الله وخشيته لازم من لوازم التوفيق في طلب العلم، وقد شكى الشافعي ـ رحمه الله ـ إلى شيخه وكيع بن الجراح يوماً، ذاكراً إبطاءه في الحفظ، فنصحه بأن ينتبه لبعض المعاصي، فقال في ذلك الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
- فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأنّ العلم نور
- ونور الله لا يهُدى لعاصي.(2)
هذا وللعلم فوائد عظيمة، تَعمُّ الفرد والمجتمع على حد سواء، تتمحور حول رقي الفرد وسعادته، ومعرفته لذاته وقدره، وعزة الأمة ورفعتها
وتحقيق الخير لها، فالعلم عنوان لكل خير على مستوى الفرد والجماعة، وبقدر ما يكون البذل في تحصيله، تكون النتيجة أفضل.