تلخيص كليلة ودمنة
كتاب كليلة ودمنة
يعتبر كتاب كليلة و دمنة من أكثر الكتب العالمية شهرةً والتي لاقت اهتماماً واسعاً من قبل الدارسين والباحثين، وتُروَى قصة كتاب كليلة ودمنة على ألسنة الحيوانات والطيور، وهو كتاب قديم يعود إلى العصر العباسي، هندي الأصل، وقد كان في الأصل يُسمى بالفصول الخمسة، حيث قام عبد الله بن المقفع بترجمته من الفارسية إلى العربية، وأضاف عليه قصصاً أخرى.
شخصيات كتاب كليلة ودمنة: حيوانات بريّة: فالأسد يلعب دور الملك، وخادمه ثور اسمه شتربة، وكليلة ودمنة هما اثنان من حيوان ابن آوى، وشخصيات أخرى عديدة. تدور أحداث القصة في الغابة على ألسنة هذه الحيوانات، حيث ترمز هذه الحيوانات إلى شخصيات بشرية في الأصل، وتحكي قصة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، كما أنا تدعو إلى التمسك بالأخلاق، والاتّصاف بالعادات والمبادئ الحسنة.
كتب الفيلسوف بيديا هذا الكتاب للملك دبشليم؛ لأنه كان ظالماً وتجبّر على رعيته، فوجد بيدبا الحكيم حيلة تقديم النصح له بهذه الفكرة لكي تمنعه من ظلم الرعية، ويهديه إلى العدل والإنصاف، فذهب إليه وأخبره الحكم والأمثال التي تحكي عن العدل والانصاف، فقام بزجه في السجن، ثم دهش بحكمته فأخرجه من السجن، وأخذه كي يرد مظالم الرعية ويحل مشاكلهم، ويعدل بين القوي والضعيف، وعندما أتم بيدبا ما أراد من رفع الظلم عن الرعية تفرّغ لوضع كتب السياسة ومبادئ الحكم، واستمر دبشليم الملك يعمل كما يشير عليه الفيلسوف بيدبا فاستقام له الحكم و أنقذت الرعية، وتفرغ الملك للنظر بأمور الفلسفة والحكمة و العلم، فطلب من بيدبا أن يكتب له كتاباً بليغاً فصيحاً يستفرغ فيه عقله يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها، وباطنه أخلاق الملوك وحكمها للرعية و أمرهم على طاعة الملك وخدمته؛ فتتخلص الرعية من الظلم و الجور الذي يقوم به الملوك بحقهم، و رغب الملك أن يبقى هذا الكتاب من بعد وفاته حتى يكون ذكرى له على مر الزمان .
يعتبر كتاب كليلة و دمنة من أحد الكتب التي تخدم ثلاث فئات من الناس، فهو يعتبر كتاب مسلٍّ وشيّق للبسطاء، ومن يقرأون من أجل المتعة، كما يعتبر مفيداً للحكماء لما يتضمّنه من حكمة وفلسفة على المستوى الاجتماعي والثقافي، كما وتخدم فئة المُتعلّمين لما يحتويه من فصاحة وبلاغة لغوية. وإن كان كتاب كليلة ودمنة من أقدم الكتب إلا أنّّه له الأثر الكبير في نفوس الحكام والمسؤولين؛ لأنه وَضَعَ أُسس الحكم وقواعدها المبنية على مكارم الأخلاق والعدل والانصاف. (1)
مؤلف الكتاب
أبو مٰحمد عبد الله روزبه بن داذویه والمعروف باسم ابن المُقفّع، وُلد في مدينة جور المعروفة باسم فيروزآباد حاليّاً، لُقّب أبوه بالمقفع لاتّهامه بسرقة أموال الخراج، فضرب-الحجاج- على يده فتشنجت وتقفّعت (أي تورّمت). نشأ ابن المقفع في فارس وكان مجوسياً، فنهل من الثقافة الفارسية وبرع في اللغة الفهلوية (الفارسية القديمة)، واستفاد في هذا الأمر من أبيه الذي كان يعمل في الخراج وكاتباً من كُتّاب الدواوين الذين كانوا خير من يبرع بالثقافة الفارسية، وعليه، فقد نقل كتب الأدب الفارسية إلى العربية أهمّها كتاب كليلة ودمنة المترجم من الهندية إلى الفهلويّة ثم إلى العربية، وخلّف أثراً رائعاً من الأدب أشهرها كتاب الأدب الكبير الذي تحدّث فيه عن السلطان وعلاقته بالرّعية، وكتاب الأدب الصغير الذي تحدّث عن تهذيب النفس وترويضها.
انتقل إلى البصرة التي كانت معروفة بحلقات العلم والأدب، والأسواق اللغوية والشعرية، والتي عُرفت بأنها أعظم مركز للثقافة العربية الإسلامية في ذلك الوقت، فتعرّف على علماء اللغة والفقه والحديث، ورجال اللغة والرواة الفصحاء من الأعراب، وهذا كان السر في براعته باللغة العربية.
اختلف المؤرخون في قصة قتل ابن المقفع، لكن الأغلبية أشارت إلى أن المنصور أمر واليه على البصرة سفيان بن معاوية بقتله بسبب كتاب كتبه ابن المقفع أغاظ المنصور، وقد نفّذ معاوية ذلك بصدر رحب لما كان يحمل في نفسه حقداً دفيناً عليه، وكان ذلك في سنة 759م. (2)
من قصص كليلة ودمنة
باب الناسك والضيف (3)
(قال الملك للفيلسوف: قد سمعت ما ذكرت من امرئ كف عن ضر غيره لضر يصيبه أو بلية تدخل عليه، فأخبرني إن رأيت عن من يدع عمله الذي يليق به ويشاكله ويطلب سواه فلا يدركه فراجع الذي كان في يده فلا يقدر عليه فيبقى حيران متردداً.
قال الفيلسوف: زعموا أنه كان في أرض الكرخ ناسك مجتهد فنزل به ضيف ذات يوم فدعا بتمر ليطرفه به فأكلا منه جميعاً. ثم إن الضيف قال: ما أحلى هذا الثمر وأطيبه وليس في بلادي التي أسكنها نخل وبودي أن آخذ منه فأغرسه في أرضنا. قال الناسك: ليس لك في ذلك كبير منفعة، ولعل النخل لا يوافق أرضكم. وبلادكم كثيرة الأثمار مع وخامة التمر وقلة موافقته للجسد. ثم قال له الناسك: إنه لا يعد سعيداً من احتاج إلى ما لا يجد وليس بمعذور عليه فتشره لذلك نفسه ويقل عنه صبره ويصل إليه من ثقل ذلك واغتنامه ما يضرّه ويدله على المشقة عليه. وإنك أنت لعظيم الجد وجزيل الحظ لو قنعت بما رزقت وزهدت فيما لا تظفر به ولا تدرك طلبتك منه. فقال الضيف: وفقت ورشدت وقد سمعت منك كلاماً غريباً أعجبني واستحسنته. فلو علمتنيه فإن لي فيه رغبة وفي علمه حرصاً. فقال الناسك: ما أخلقك أن تقع بما تركت من كلامك وتكلفت من كلام العربانية في مثل ما أصاب الغراب.
قال الضيف: وكيف كان ذلك؟
قال الناسك: زعموا أن غراباً رأى مرة حجلة تمشي فأعجبته مشيتها وطمع في تعلّمها وراض نفسه عليها فلم يقدر على إحكامها. فانصرف إلى مشيته التي كان عليها فإذا هو قد نسيها فصار حيران مترددا لم يردك ما طلب ولم يحسن لما كان في يديه فصار أقبح الطير مشياً.
وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أنك خليق إذ تركت لسانك الذي طبعت عليه وتكلفت عليه وتكلفت علم ما لا يشاكلك من كلام العبرانية ألا تدركه وتنسى الذي كان في يديك من غيره. فإنه قد قيل: “يعد جاهلاً من حاول من الأمور ما لا يشبهه وليس من أهله ولم يدركه آباؤه ولا أجداده من قبله ولم يعرفوا به قبلاً.
قال الفيلسوف للملك: إن الولاة في قلة تعاهدهم الرعية في هذا وأشباهه اليوم أسوأ تدبيراً لانتقال الناس من بعض المنازل إلى بعض وتركهم منها ما قد لزموه وجرت لهم المعايش فيه من قبل الملوك، والتماس أهل الطبقة السفلى مراتب الطبقة العليا وانتشار الأمور وفساد الأدب ومنازعة اللئيم للكريم. ثم الأشياء تجري على مثال ذلك حتى تنتهي إلى الخطر العظيم الجسيم من مزاحمة الملك في ملكه ومضادّته فيه).
خاتمة الكتاب
(فلما انتهى الملك والفيلسوف إلى باب الحمامة والثعلب ومالك الحزين سكت الملك وقال الفيلسوف: عشت أيها الملك ألف سنة، ومُلّكت الأقاليم السبعة، وأعيطت من كل شيء سبباً وبلغ منك في السرور برعيّتك ومنهم قرة عين بك ومساعة من القضاء والقدر، فإنك قد كمل فيك الحلم، وذكا منك العقل والحفظ، وتم فيك البأس والجود، واتّفق منك العقل والقول والنية، ولا يوجد في رأيك نقص، ولا في قولك سقط، ولا في فعلك عيب، وجمعت النجدة واللين فلا توجد جباناً عند اللقاء، ولا ضيّق الصدر بما يوثق بك من الأشياء. وقد شرحت لك الأمور ولخصت لك جواب ما سألتني عنه منها. واجتهدت لك في رأيي ونظري ومبلغ فطنتي التماس قضاء حاجتك. فاقض حقي بحسن النية بإعمال فكرك وكرم طبيعتك وعقلك فيما وصفت لك. إنه ليس الآمر بالخير بأسعد به من المطيع له فيه. ولا الناصح باولى بالنصيحة من المنصوح له بها. ولا المتعلم بأبعد من العلم ممن يعلمه. ومن تدبر هذا الكتاب بعقله وأعمل فيه رأيه بأصالة من فكرته كان قمناً للمراتب العظام والأمور الجسام مع مساعدة القدر ووقته إذا حضر فلا يسأم أمراً ويكف عن النظر فيه والتدبر له.
والله يوفقك أيها الملك ويسددك ويصلح منك ما كان فاسداً ويسكن من غرب حدتك ما كان حاداً، وتسليم الرحمة على أرواحك وأرواح آبائك الطاهرين الماضين معشر أهل بيت العقل والأدب والفضل والجود والكرم). (4)
المراجع
(1) بتصرّف عن مقالة صورة المثقف في الشرق قديماً، عائشة التركي، 2010، diwanalarab.com
(2) بتصرّف عن مقالة ابن المقفع، marefa.org
(3) بتصرّف عن كتاب كليلة ودمنة، تأليف بيدبا الفيلسوف الهندي، ترجمه إلى العربية في صدر الدولة العباسية عبدالله بن المقفع، مطبعة الأميرية بيولاق، الطبعة السابعة عشر، القاهرة- مصر، 1937، ص299
(4) المرجع السابق، ص320-321.