من حفر حفرة لاخيه

من حفر حفرة لأخيه

قبل أن نبدأ في غمار هذا الموضوع، فإنه من حفر حفرة لأخيه أوقعه الله فيها قريبا فهو ليس بالحديث الشريف، بل حديث مرفوع ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن العبرة من هذه المقولة مهمة وهي أمر دعا إليه الاسلام بأسلوب المعاملة بشكل أو بآخر؛ فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:”ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله”، وهذا دليل أن دائرة المكر تعود على صاحبها مهما طال الزمن.

 

في ديننا الحنيف مايدعو لكثير من الأمور التي تحذر بشكل أو بآخر من إيذاء الآخرين، فيقول الرسول عليه السلام:”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، وفي حديث آخر مهم قوله عليه السلام:”المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”.

 

فهذه هي القواعد الأساسية التي أرشدنا إليها الاسلام، فلا يكون المسلم مسلما حقاً إلا إذا التزم بالفرائض، لكن هناك شيء في معاملة الآخرين من واجبات المسلم وهو أن يكون ذا علاقة طيبة مع الآخرين فلا يجرهم بكلماته ولسانه، ولا يؤذيهم بيده أو يبطش بهم، وليفكر دائما أنه قبل أن يقوم بأي عمل يسئل نفسه هل يرضاه لذاته، أو هل يرضاه لأهله.

 

إن عاقبة الظلم والخطأ في حق العباد كبيرة، حيث أن المخطيء ما لم يتب يرى جزاءه في الدنيا قبل الآخرة، ونسمع قصصا كثيرة في هذا الصدد ممن ظلموا وآذوا من حولهم أقارب أو غيرهم، وتجبروا ثم دار بهم الزمان ورد الله كيدهم وظلمهم.

وإليكم هذه القصة لنتخذ منها عبرة لنا؛ فتاة تطردها زوجة أبيها بعد وفاته لتعاني الفقد والحرمان، ورغم هذا تحفظ جميلَ والدها وزوجته ولا تؤذيها، رغم أن زوجة ابيها تكيد لها كل مكيدة وأخرى، وتصبر هذه الفتاة وتبقى متحلية بأخلاقها، لتمر بصعاب كثيرة وتجارب مؤلمة ليرمي بها القدر لأسرة عريقة وغنية وذات أخلاق، تحتضنها بحبها وتعوضها على كل سنين التشرد التي ذاقتها؛ بينما تتكبد هذه المرأة ويلات كثيرة من مكرها وكذبها وتلفيق الحقائق التي قامت بها لتغطي على  كذبها.

 

الإنسان الكاذب لايثق بكلام الآخرين لأنه يظنهم كاذبون مثله، فيفقد الثقة بهم ويعيش حالة من الخوف وعدم الأمان، فبهذا هو وقع في حفرة الكذب، ناهيك عن آثار كذباته كيف سيتلقّاها.

السارق لا يؤمن على أحدٍ في بيته، ولا يعطي أقل ممتلكاته لغيره، يعيش في اضطراب، هو هكذا واقع في حفرة عمله.

الشاب الذي يواعد الفتيات، لا يثق بأخواته ويضيق عليهن العيش مخافة أن تكون أخته كالتي يواعدها تخرج مع شاب آخر، وكم وردت من القصص لصديقين يحب كل منهما زوجة الآخر، كخيانة زوجية لا يعلم كليهما عنها، ليتفاجأ أحدهم يوم أن أخبره صديقه أنه -عندنا صِيده- أي فتاة رهينة بإمكانك أن تلهو معها، فكانت هذه الفتاة هي زوجته، فيصعق صعقتين الصعقة الأولى بصديقه والأخرى بزوجته، وهذا جزاء الحفرة التي حفرها لنفسه ولتلاعبه بأعراض الآخرين.

 

شاب يزوّر أوراق وثائقية لصديقه كي يطرد من الشركة، ليحترق فرع الشركة الثاني إثر ماس كهربائي وتضيع الوثاءق المزورة، وتعلن الشركة عن إفلاسها وطردها لعدد من الموظفين في الفرع الذي يعمل فيه هذا الشاب، ليطرد الشاب المزوّر ويبقى  صديقه الذي لم يعلم ما كيد له في الخفاء.

 

هي قاعدة عامة أنه كما تَدين تُدان، وأن القدر يُشربك من الكأس الذي جرّعته لغيرك؛ فإن أحسنت كان حسنًا، وإن أسأت كان سيئا، لك الخيارُ في أفعالِك، ولتراجع ذاتك قبلها.