مظاهر التجديد في الشعر العباسي
الشعر في العصر العباسيّ
يعدّ العصرالعباسيّ أزهى عصور الحضارة العربيّة، وأكثرها تألّقاً، فقد نشأت فيه أجيال من الشعراء والكتّاب والعلماء في مختلف الثقافات، أسهموا في التعبير عن حضارة روح العصر، وحاولوا بنتاجهم الشعريّ والنثريّ أن ينفذوا من أعماق هذه الحضارة، ويواكبوا مسيرتها ويسجّلوا أحداثها، فكان من الطبيعيّ أن يتطوّر أدبهم بتطوّر حضارتهم، وينمو بنموّها.
أغراض الشعر في العصر العباسيّ
التجديد في الأغراض القديمة من الموضوعات التي تجدّدت، وطرأ عليها بعض التغيير في هذا العصر:
الرثاء
ابتدع الشعراء العباسيّون ضرباً جديداً هو رثاء المدن حين تحل بها النكبات والكوارث، ومن ذلك رثاؤهم لبغداد والبصرة التي هاجمها الزنج، كما عمد بعض الشعراء الى رثاء الطيور والحيوانات، كقول ابن العلاف الضرير في رثاء هرّ مات:
يا هرُّ فارقْتَنا ولم تعُدِ
- وكنتَ عندي بمنزل الولدِت
طرد عنّا الاذى وتَحرسنا
- بالغيب من حَيَّةِ ومن جُرَدِ
الغزل
ازدهر فن الغزل وتشرّب بروح الحضارة الجديدة حيث وقّت ألفاظه، وتلطفت معانيه، ولكن الشعراء انحدروا به إلى هاوية الفحش، ليصبح غزلاً ماجناً، يجهر دعاته بالفسق والأثم دون رادع، وأمثاله غزليات بشار بن برد وأبي نواس.
الوصف
أصبح فناً قائماً بذاته، وقد اتسع ليشمل شتى مظاهر الطبيعة كالحدائق، والبساتين، والمنشآت، والمصانع كالقصور، والبرك، والسفن، والأساطيل، والمعارك البحريّة.
الحكمة
هي معروفة قديماً، ولكنها اتّسمت في العصر العباسيّ بالدفة والعمق، اللذين اكتسبهما الشعراء من إلمامهم بعلوم المنطق والفلسفة.
الأغراض الجديدة للشعر في العصر العباسيّ
الشعر التعليميّ
كان الهدف منه تأديب الناشئة، وتهذيب النفوس، وتيسير التحصيل والحفظ والاستذكار على طلاب العلم، وقد الشعراء منظومات مطولة في قواعد العلوم ومسائل الفقه والعبادات وعلوم اللغة، ومن ذلك قول أبان اللاحقي في الصوم:
هذا كتاب الصوم وهو جامع
- لكل ما قامت به الشرائع
فرمضان شهره معروف
- وفرضه مفترض موصوف
الوقائع الحربيّة
ارتقى شعر الوقائع الحربيّة في العصر العباسيّ، وتطوّرت أشكاله ومضامينه، نتيجة لتمازج العرب مع الأمم المجاورة، وبروز المنطق والفلسفة، وقد أثرى المعاني الحربيّة، ومن أبرز الشعراء الذين حملوا راية التجديد في هذا الفن أبو تمام، والبحتري.
الزهد والتصوّف
برز نتيجة ظاهرتي المجون والزندقة، والموضوع الرئيس الذي دار حوله هذا الشعر هو الدعوة إلى التقشف، والزهد في متاع الدنيا الفانية، والتزوّد منها بزاد التقوى والصلاح والقناعة للحياة الباقية. ومن أبرز شعراءه أبو العتاهية، يقول:
يا بائـع الديـن بالدنيـا وباطلهـا
- ترضى بدينـك شيئـاً ليس يسـواهُ
حتى متى أنـت في لهـوٍ وفي لَعِـب
- والموت نحوك يهـوي فاغـراً فـاهُ
التهكّم والهزل
اصطبغ بالدعابة والعبث والتهكم، وكان يصاغ بلغة سهلة يشيع فيها المرح والترفيه عن النفس، مثل قول البهاء زهير يصف بغلة صديق له:
لكَ يا صديقي بغلةٌ
- لَيسَتْ تُساوي خَرْدَلَهْ
مِقدارُ خَطوَتِها الطّويـلَةِ
- حينَ تُسرِعُ أُنْمُلَهْ