مقال وصفي عن الشتاء
مقال وصفي عن الشتاء
يتناهى إلى الأذن صوت طرقات حبّات المطر العذبة على حواف النوافذ مشكّلةً أجمل الإيقاعات، ويمحو الضباب الذي نزل ليعانق الأرض برائحتها بعد المطر جمال الطرقات إلى حين، وتتصاعد أبخرة المشروبات الساخنة اللذيذة لتملأ أرجاء المنازل، فلا يخفى على أحد أنّ الشتاء حلّ ببرودة طقسه ودفء طقوسه وأجوائه.
يحلّ الشتاء بعد أن مرّ فصل الصيف بحرّه وجفافه، وفصل الخريف بقسوته فيأتي كأنّه بلسماً يُطبِّب الأرض، فيسقي غيثه الصافي الأرض ونبتها حتى يخالها الناظر تهتز متراقصة من الارتواء، وفي الشتاء تأوي الحيوانات إلى بيوتها استعداداً لبيات شتوي كانت قد هيّأت نفسها له منذ شهور، فيما تتجنّب بعض الحيوانات الخروج إلّا لفترات قصيرة، في الشتاء تبدو الطرق المبتلّة وأضويتها المنعكسة وشُح السائرين فيها شديدة الفتنة والجمال، وعلى الرغم من جمال الأشجار المورقة في فصل الربيع والمثمرة في فصل الصيف، إلّا أنّ لأغصانها الخالية من الأوراق شتاءً منظراً جمالياً خاصاً لا سيما عند هطول الزائر الأبيض، فثلج الشتاء حكاية أخرى مليئة بالدفء والحنين، تتساقط الثلوج فتسكن الأرواح وتشعر النفوس بالسكينة تيمّناً بلونه الأبيض النقي المريح، فيما لا تغمض عيون الأطفال بانتظار حلول الصباح لينتشروا ويلعبوا ويلهوا مع بعضهم البعض في الأزقة والشوارع والساحات، ويرحبوا بهذا الزائر البهيج بطريقتهم.
في الشتاء تعصف الرياح ويسمع المُنصت في دويّها ألف حكاية، وتلمع البروق في السماء فيرى الناظر عظمة الخالق وإبداعه عندما يشُقُّ البرق سواد الليل، ويصدح الرعد وتتزاحم الغيمات لتزفّ الحياة إلى الأرض بما تجود به من أمطار فيها الحياة، وفي الشتاء يتحلّق الأهل حول مواقد النّار ليتبادلوا الأحاديث، ويُعمروا السهرات العائليّة فيحلو السمر وتتقارب الأفئدة وتحيا العلاقات من جديد.
تُطل الشمس في الشتاء على خجل حيناً وتختبئ حيناً بين الغيوم، فهي تعلم أنّها في هذا الفصل ليست إلّا زائرة راحلة، وترسل أشعتها الذهبية على استحياء لتلامس كفوف البشر، وتبعث الأمل في شقائق النعمان التي بدأت بالنمو، وتمسح على خدود الأرض بدفئها وكأنّها تطمئنهم بعودتها عن قريب، فالشتاء وإن طال سيمر وينقضي رغم جماله كغيره من بقية الفصول، يسلّم أحدها الدفّة لأخيه وتستمر الحياة وفق تقلبات إلهية محسوبة علينا أن نستمتع بها جميعها، وأن نعايش طقوسها بفرح وسرور، فليس أجمل من ربيع تتزيّن به الأرض بأجمل أثوابها، ولا صيف يبعث في الناس الدفء والحياة، ولا خريف تستعد فيه النباتات لتبديل أثوابها، ولا شتاء نتمتع فيه بأجمل العطايا والخيرات، فعلامَ نبتئئس؟