كيف يصنع غاز الهيليوم
الهيليوم
الهيليوم أحد الغازات النبيلة “الخاملة”، هو غاز بلا لون ولا طعم ولا رائحة، كثافته منخفضة جداً وهو قليل التفاعل مع العناصر القريبة حتى عند تعريضه للحرارة، كما أنّ درجة غليانه منخفضة جداً تصل إلى -269 درجة سليسيوس، وموصليته عالية لكلٍّ من الكهرباء والحرارة. تمّ اكتشافه أول مرة في الغلاف المحيط للشمس في عام 1868م من قبل العالمين الفلكيين بيري جولس وجوزيف نورمان، وتمّ ذلك خلال دراستهم لكسوف الشمس في ذلك العام ومراقبتهم للأشعة الصادرة عن الشمس بطريقة التحليل الطيفي؛ حيث يوضع موشور في مواجهة الإشعاع الشمسي فيتحلل الإشعاع الواصل إلى ألوان متعددة.
لاحظ العالمان في ذلك اليوم خطّاً ذا لون أصفر فاتح غير مألوف ولا يمكن أن ينتج من أي عنصر من العناصر المعروفة في ذلك الوقت، ومن هذه الملاحظة تبيّن أن هناك عنصر جديد اتفق على تسميته الهيليوم وهذا العنصر يُشكل غيمة حول الشمس، وبعدها استمرّ البحث عن ماهيته ورصده ليتبيّن أنه ثاني أكثر العناصر انتشاراً في الفضاء الخارجي بعد غاز الهيدروجين، ويسبق بانتشاره الأكسجين، أمّا ضمن نطاق الغلاف الجوي الأرضي فهو من العناصر النادرة جداً والسبب يعود إلى كثافته القليلة التي تجعل منه يتصاعد لأعلى ويَخترق الغلاف الجوي إلى الفضاء الخارجي.
تشكل الهيليوم في باطن الأرض
يتكوّن الهيليوم تحت الأرض من الانشطار الإشعاعي للعناصر الثقيلة مثل اليورانيوم والثوريوم، عند انشطار تلك العناصر ينتج عنصر ألفا الذي يعتبر نواة ذرة الهيليوم، بعض هذه الذرات تنجح في شقّ طريقها باتجاه الغلاف الجوي وتندمج مع الهواء لكنّها بنسبٍ قليلة، أما الكمية الأكبر تحجز في باطن الأرض داخل مصائد في الصخور الكتيمة وتختلط مع الغاز الطبيعي المتشكل هناك، وكميّة الهيليوم التي قد توجد في حقول الغاز الطبيعي تتراوح من 0-4% وحقول قليلة فقط سجلت نسبة أعلى من 4%.
يُقدّر الاحتياطي العالمي من مادة الهيليوم بحوالي 41 مليار متر مكعب، وأكبر مخزون منها يوجد في دول قطر والجزائر وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بينما معدل الإنتاج العالمي السنوي يُقدّر بحوالي 175 مليون متر مكعب، مع العلم بأنّ أكبر منتج للهيليوم هو الولايات المتحدة.
التطبيقات الصناعية للهيليوم
التطبيقات على غاز الهيليوم متعدّدة تمتدّ لتصل علم الفلك والإلكترونيات والصناعة النووية والطيران والرعاية الصحية، منها:
- تطيير البالونات (المناطيد) ورفعها عالياً في الهواء.
- يُستخدم في علاج الأزمة التنفسية ومساعدة المريض على استنشاق كمية أكبر من الأكسجين بسبب خفة وزنه وكثافته المنخفضة فوجوده في الهواء الذي يستنشقه المريض يُسرّع ويساعد في عملية التنفس.
- يخلط في مواد التنفس المستخدمة للغوص والمركبات الفضائية؛ فيزيد من سرعة تدفّق الأكسجين من الإسطوانات.
- يُستخدم كعامل مساعد في عمليات اللحام التي يجب أن تتمّ في جوٍّ معزول عن الهواء.
- يستخدم في الصناعات النووية بصفته وسطاً ناقلاً للحرارة بكفاءة عالية.
إنتاج الهيليوم للاستخدام في التطبيقات الصناعية
هناك طريقتان لإنتاج الهيليوم هما:
- جمع الهيليوم عن طريق تسييل الهواء وفصل عناصره، تماماً كما يتمّ لإنتاج الأكسجين والنيتروجين، لكن بسبب التركيز المنخفض لغاز الهيليوم في الهواء تعتبر هذه العملية غير مجدية اقتصادياً.
- استخراج الهيليوم من الغاز الطبيعي؛ وهي الطريقة الأكثر شيوعاً والأوسع تطبيقاً.
إنتاج غاز الهيليوم من الغاز الطبيعي
عملية إنتاج الهيليوم عمليّة مُعقّدة، وتحتاج إلى تكنولوجيا عالية ومعدات خاصة، وبشكل عام هناك مرحلتان لعملية عزل الهيليوم من الغاز الطبيعي:
- المرحلة الأولى عملية التكثيف للغاز المستخرج من باطن الأرض بدرجات حرارة منخفضة، فينتج مخرجان أولهما مركبات الغاز الطبيعي الهيدروكربونية، وثانيهما مركز غاز الهيليوم، وتُقدّر نسبة الهيليوم بهذا المركز بنحو 80%.
- المرحلة الثانية عمليّة تنقية مركز الهيليوم من الشوائب المتمثّلة بغاز الميثان والنيتروجين والهيدروجين والنيون والأرغون وغيرها.
تفصيل عملية استخراج الهيليوم من مركزه
المعالجة الأولية
في هذه العملية يتمّ فصل غاز أوّل أكسيد الكربون وبخار الماء.
- يوضع الغاز (نعني بالغاز هنا إلى نهاية المقال مركز الهيليوم) تحت ضغط يُقدّر بـ 5.5 ميغا باسكال، يتم تمرير الغاز بعملية غسل على عن طريق تعريضه إلى رذاذ أحادي إيثانول آمين monoethanolamine الذي يعمل على امتصاص أول أكسيد الكربون وإبعاده.
- يُمرّر الغاز الناتج عبر جهاز يشبه الغربال دقيق يعزل قطرات الماء عن المواد الأخرى ويذهب الماء في دورة لوحده.
عملية التقطير
عملية التقطير هي التي تجعل الغاز ينفصل إلى مكوناته الرئيسية، في هذه العملية يتم فصل النيتروجين والميثان في مرحلتين منفصلتين ليصبح الخليط المتبقي ذا تركيز عال من الهيليوم، تُسمّى عملية فصل النيتروجين بطرد النيتروجين.
- تشمل عملية التقطير جعل الغاز يمرّ على مبادل حراري يعمل على تبريده، بعدها يُمرّر الغاز عبر صمام التمدد الذي يسمح للغاز بالتمدد بسرعة مقابل انخفاض الضغط إلى 1-2.5 ميغا باسكال؛ هذا التمدد يعمل على خفض حرارة الغاز لدرجة يصبح عندها الميثان سائلاً.
- أصبح الغاز الآن جزأين بعضه سائل والبعض الآخر في الحالة الغازية، ويصل إلى قاعدة برج التقطير ذات الضغط العالي، ويمرّ عبر حواجز البرج صعوداً فيفقد مع حركته تلك حرارة إضافية يستمر خلالها الميثان بالتحوّل إلى سائل، فيصبح الخليط في القاعدة ميثاناً عالي التركيز بينما باقي محتويات الغاز تكون بخطٍّ تصاعديّ للأعلى في البرج.
- يتم سحب سائل الميثان من القاعدة في الضغط العالي وإخراجه ليتمّ تبريده في مبرد ثانوي، ويُمرّر عبر صمام التمدد الذي يعمل على خفض الضغط لحوالي 0.15 ميغا باسكال قبل أن يمرر الميثان لبرج الضغط المنخفض، فتصعد بقايا النيتروجين في الخليط السائل للأعلى ويتحوّل الباقي من الميثان للأسفل، يتم ضخ هذا السائل خارجاً وتسخينه وتبخيره ليصبح غاز ميثان نقي عالي الجودة، أما غاز النيتروجين يبقى صاعداً عبر المواسير، فأمّا أن يطلق في الهواء أو أن يجمع ليمر عبر عمليات تصنيعية أخرى فينتج عنها غاز النيتروجين النقي.
- باقي الغاز في برج الضغط العالي يتمّ تبريده في مكثف يتكثّف النيتروجين في هذه المرحلة ويتمّ سحبه إلى برج الضغط المنخفض والباقي يكون هيليوم خام؛ حيث يحتوي على نسبة بين 50-70% هيليوم، و3% ميثان غير سائل وكميات ضئيلة من الهيدروجين والنيون والباقي نيتروجين.
عملية التنقية
- يجب أن يمر الهيليوم بعمليات أخرى لتنقيته من الشوائب العالقة به، يخضع خلالها الغاز إلى مجموعة من عمليات الفصل تعتمد في مجملها على درجة نقاوة الهيليوم الخام المطلوب بالإضافة إلى التطبيق النهائي الذي سيذهب له الهيليوم المنتج.
- يبرد الهيليوم الخام لحوالي 193 درجة مئوية تحت الصفر، عند هذه الحرارة يتحوّل غالبية النيتروجين والميثان إلى سائل ويتم سحبهما ليصبح الخليط المتبقّي عبارة عن 90% هيليوم.
- تتمّ إضافة الهواء الخارجي إلى الخليط ليدخل الأكسجين، ويتم رفع درجة حرارته ثم يُمرّر على عامل مساعد يحفز الهيدروجين في الخليط للتفاعل مع الأكسجين ليُشكّل بخار الماء، يبرد الخليط فيتحوّل بخار الماء إلى سائل ويُسحب إلى الخارج.
خليط الغاز يدخل على برج امتزاز الضغط المتغير، والذي يتألّف من عدة أوعية امتزاز تعمل بالتوازي، في كلّ وعاء آلاف المسامات الجزيئية المحتوية على الكربون المنشّط عندما يمر الغاز تحت الضغط في الأوعية، ويصل إلى تلك المسامات والكربون فيها يمسك بعض جزيئات الغاز بالكربون ممّا يُسبّب انخفاض الضغط، وتُعاد العملية بعد عدّة ثوانٍ أو دقائق، ويعتمد ذلك على حجم الوعاء وتركيز الغاز؛ هذه الطريقة تعمل على إزالة بقايا بخار الماء والنيتروجين والميثان من الغاز، ويكون الهيليوم هنا بتركيز 99.99% صافي. بعدها يُمرّر الهيليوم على عدة مراحل تتضمّن خفض الضغط وتبادل حراري، فيحصل في كلّ مرة أن تنخفض درجة حرارة الهيليوم ويقل الضغط عنده إلى أن يصل إلى حرارة -296 درجة مئوية وعندها فقط يتحوّل إلى سائل.
نقل وتوزيع غاز الهيليوم
يتم توزيع الهيليوم إمّا على شكل غاز بدرجة الحرارة العادية أو سائل بحرارة منخفضة، السائل يُوزّع بأسطوانات من الألمنيوم أو الحديد وبضغط بين 6-41 ميغا باسكال، والصهاريج منه تكون معزولةً بسعة 14.8 طناً. تجدر الإشارة إلى أنّ غاز الهيليوم لا يمكن تسييله إلّا إذا كان نقياً بنسبة لا تقل عن 99.99%.