أطاع عاذله في الحب إذ نصحا – الشاعر البحتري

أطَاعَ عَاذِلَهُ، في الحُبّ، إذْ نَصَحَا،
وَكَانَ نَشْوَانَ من سُكرِ الهَوَى فَصَحَا
فَمَا يُهَيّجُهُ نَوْحُ الحَمَامِ، إذا
ناحَ الحَمامُ على الأغصَانِ أوْ صَدَحَا
وَلا يقِيضُ على الأظْعَانِ عَبرَتُهُ،
إذا نأيْنَ، وَلَوْ جَاوَزْنَ مُطّلَحَا
وَرُبّمَا اسْتَدْعَتِ الأطْلالُ عَبرَتَهُ،
وَشَاقَهُ البرْقُ من نَجدٍ، إذا لَمِحَا
ما كانَ شَوْقِي بِبِدْعٍ يوْمَ ذاكَ وَلاَ
دَمْعي بأوّلِ دَمْعٍ في الهَوَى سَفَحَا
وَلِمّةٍ كُنْتُ مَشْغُوفاً بِجِدّتِها،
فَمَا عَفَا الشّيبُ لي عَنها ولا صَفَحَا
إذا نَسيتُ هَوَى لَيْلَى أشَادَ بهِ
طَيفٌ سَرَى في سَوَادِ اللّيلِ إذْ جَنَحَا
دَنَا إليَّ عَلى بُعْدٍ، فأرَّقَنِي،
حَتَّى تَبَلَّجَ ضوء الصُّبْحِ فاتَّضَحَا
عَجبتُ منهُ تَخَطّى القاعَ مِن إضَمٍ،
وَجَاوَزَ الرّملَ منْ خَبْتٍ وَمَا بَرِحَا
ها إنّ سَعْيَ ذَوِي الآمالِ قد نَجَحَا،
وإنّ بَابَ النّدَى بالفَتْحِ قدْ فُتِحَا
أغَرُّ يَحْسُنُ مِنْهُ الفِعْلُ مُبْتَدِئاً
نُعْمَى، وَيَحْسُنُ فيه القوْلُ مُمْتَدَحا
رَدَّ المَكَارِمَ فِينَا، بَعدَ ما فُقِدَتْ،
وَقَرّبَ الجُودَ مِنّا، بَعدَ ما نَزَحَا
لا يَكْفَهِرُّ، إذا انحازَ الوَقارُ بهِ،
وَلا تَطِيشُ نَوَاحِيهِ إذا مَزَحَا
خَفّتْ إلى السّؤدَدِ المَجْفُوّ نَهْضَتُهُ،
وَلَوْ يُوَازِنُ رَضْوَى حِلْمُهُ رَجَحَا
وَلَجّ في كَرَمٍ، لا يَبْتَغِي بَدَلاً
مِنهُ، وإنْ لاَمَ فيهِ عَاذِلٌ وَلَحَى
يا أيّها المَلِكُ المُوفي بِغُرّتِهِ،
تَلألؤَ الشّمسِ لاحَتْ للعُيُونِ ضُحَى
هَنَاكَ أنّ أعَزّ النّاسِ كُلّهِمِ
عَليكَ غادي الغَداةِ الرّاحَ مُصْطَبِحَا
يَسُرُّهُ شُرْبُهَا طَوْراً، وَيُحْزِنُهُ
ألاّ تُنَازِعَهُ في شُرْبِهَا القَدَحَا
قَدِ اعتَلَلْتُ، أوَانَ اعتَلّ، من شَفَقٍ
علَيهِ، فاصْلُحْ لَنَا بُرْءاً، كَما صَلُحَا