طيف ألم فحيا عند مشهده – الشاعر البحتري

طَيفٌ ألَمّ، فحَيّا عندَ مَشهَدِهِ،
قد كانَ يَشفي المُعَنْى مِنْ تَلَدّدِهِ
تَجَاوَزَ الرّمْلَ يَسرِي مِنْ أعِقّتِهِ،
مَا بَينَ أغوَارِهِ السّفلى، وَأنْجُدِهِ
بَاتَ يَجُوبُ الفَلا مِنْ جانِبَيْ إضَمٍ،
حتّى اهتَدى لرَميّ القلْبِ مُقصَدِهِ
عَصَى عَلى نَهْيِ ناهيهِ، وَلَجَ بهِ
دَمْعٌ أبَرَّ عَلى إسْعَادِ مُسْعِدِهِ
صَبٌّ بمُبرِيهِ مِن سُقمٍ، ومُدنفهِ
به ومَدُنيهِ مِنْ وَصْلٍ، وَمُبْعِدِهِ
وعقد نِهَيتُ فؤادي، لوْ يُطاوِعُني،
عَن ذي دَلالٍ، غرِيبِ الحسنِ مفرَدِهِ
عن حُبّ أحوَى أسيلِ الخَدّ أبيَضِهِ،
ساجي الجفونِ كحيلِ الطْرْفِ أسوَدِهِ
مِثلُ الكَثيبِ تعَالى في تَرَاكُمِهِ،
مِثْلُ القَضِيبِ تَثَنّى في تأوّدِهِ
لتَسْرِيَنّ قَوَافي الشّعْرِ مُعْجَلَةً،
مَا بَينَ سُيَّرِهِ المُثْلَى، وَشُرَّدِهِ
جَوَازِياً حَسَناً عَنْ حُسْنِ أنْعُمِهِ،
وَعن بَوَاديهِ في الجَدوَى وَعُوَّدِهِ
المفتدي ملوك العجم خاضعة
لفرعه المعتلي فيهم ومحتده
وَالمُرْتَقي شَرَفَ العَلْيَاءِ، مُمْتَثِلاً
مَكانَ جَرّاحِهِ مِنْهَا وَمَخلَدِهِ
غاياتُ آمالِنَا القُصْوى، وَعُدّتُنا الـ
ـعظمى لأقرَبِ ما نَرْجو، وَأبْعَدِهِ
نَستأنِفُ النّعمَةَ الطُّولى العَريضَةَ من
إنْعَامِهِ، وَاليَدَ البَيضَاءَ مِنْ يَدِهِ
إنْ يلْؤمِ النّاسُ عِشْنَا في تَكَرّمِهِ،
أوْ أخلَقَ الناس عدنا في تَجدّدِهِ
إذا الرّجالُ استَذَمّوا عِندَ نَائِبَةٍ،
فاضَتْ يَداهُ، فأرْبَى في تَحَمّدِهِ
لا يَوْمَ نَشكُرُ، إلاّ يوْمَ نَائِلِهِ
فينا، ولا غَدَ نَرْجُوهُ سِوَى غَدِهِ
يُضِيءُ في أثَرِ المَعْرُوفِ، مُبتَهِجاً،
كالبَدْرِ وَافَى تَماماً وَقتَ أسْعُدِهِ
إذا وَصَلْتُ بهِ في مَطْلَبٍ أمَلاً،
رأيتُ مَصْدَرَ أمْري قبلَ مَوْرِدِهِ
يا أيّها السّيّد المُجْرِي خَلائِقَهُ
عَلى سَوابِقِ عَلْياهُ، وَسُؤدَدِهِ
أنتَ الكَريمُ، وَقد قدّمتَ مُبْتَدِئاً
وَعْداً، وَكلُّ كَرِيمٍ عِنْدَ مَوْعِدِهِ
وَلابنِ داوُدَ مَطْلٌ أنْتَ تَعرِفُهُ،
إنْ لم تَرُضْهُ وَتحلُلْ من تَعَقْدِهِ