دراسة: الزواج ليس دائما مفيد للصحة!
هل دائماً العلاقات الزوجية هي مفيدة لصحتنا؟ قد لا يكون هذا صحيح دائماً! فهذا ما أظهرته نتائج دراسة جديدة!
تقول الديلي تيليغراف: “يعدٌّ الزواج أكثر نفعاً للرِجَال عن النِسَاء”، في حين أبلغت الغارديان: “لا يعدٌّ الطلاقُ أمراً مضراً بالصِحَة على المدى البعيد”. وكلا هذان العنوانان كانا نتيجة لدِراسَة جديدةٍ بحَثت فِي التأثيراتِ الصحيّة بعيدةَ المدى للعلاقاتِ.
استَخدَمت الدِراسَة مجموعةً مِن الأشخاص ِفي المملكة المتحدة وُلدوا في سنةَ 1958، وقيّمت حالاتهم الزَوجيّة في أعمار مختلفة في شبابهم. ثم خَضَعوا لبَعضِ الفحوصاتِ في عمر 44-46، حيث قِيسَت عديدُ من العلامات الحَيويّة، وتضمّنت عوامِل الالتهابِ والتَخَثُر في الدم، وعَمل وظيفة الرئتينِ والمتلازمةِ الاستقلابية (مجموعة من عوامل الخطورة التي تزيد من خطر الإصابة بالأمراضِ القلبيّةِ الوعائيِّة).
بشكلٍ عام، بدا لدى الرِجَال الذين لم يتزوجوا أو يتعايشوا أسوأ نتيجةٍ في العلاماتِ الصحية المقاسَة في منتصف العمر، مقارنةً مع الرِجَال الذينَ تزوّجوا وبقوا متزوّجين. أما بالنسبة للنِسَاء فكانت أفضل نتيجة للفحوصات في منتصف العمر هي للواتي تزوجنَ في أواخِر العشرينيّاتِ وبدايات الثلاثيناتِ من عمرهنّ. وبشكلٍ غريب، بدا اقتراحُ الطلاقِ جَيداً لكِلا الرِجَال والنِسَاء لارتباطِه بإنقاصِ خطرِ المتلازمةِ الاستِقلابيّة، فيما إذا قورن ذلك مع استمرارِ الزواج.
أمّا في حال استمتاعِ الشخصِ بالعزوبيّةِ (أو ظنّه أنّه مستمتع)، فيجب عليه غض النظر عن هذه النَتائِج. ومن المُرجح وجود تفاعلٍ معقدٍ بينَ العلاقاتِ الشخصية وعوامل صحية ونمط الحياة، وباقي الأحداث والأمور المؤثرة في حياتنا.
كما يجب أيضاً ملاحظةُ بأن المل أنَّ الباحثين لم يهتموا بالأمراض الحقيقيةَ إنّما بمؤشراتٍ صحيّة مختلفة. فلذلك لم ينتج عن الدِراسَة أجوبةٌ قاطعةٌ حولَ تأثيرِ الحالةِ الزوجية أو الآلية الكامنةِ خلفها.
من أينَ جاءتِ الفكرةُ؟
أُجرِيت الدِراسَة من قِبل مجموعةٍ من الباحثينَ من جامعة لندن ومدرسةِ لندن للمحافظةِ على النظافة والطبِّ المداريّ ومدرسة لندن للعلومِ السياسيةِ والاقتصاديةِ. وحصلت الدِراسَة على تمويلها من اجتماع مِجلس البحوثِ الاقتصادية والاجتِماعيّة والمركزِ الوطنيّ لطرق البحث بعنوان “طرق الحياة، التأثيراتُ الحَيويّة الاجتِماعيّة على الصِحَة”.
نشرت الدِراسَة في المجلة الطبية المُحكمة: المجلة الأمريكية للصِحَة العامة.
كما لقيت اهتماماً واسعاً من قبل وسائلِ إعلام المملكةِ المتحدةِ وركزت بعض المصادر على الاختلافِ الواضحِ في النَتائِج الصحيّة بينَ الرِجَال المُتَزوِجين والنِسَاء المُتَزوِجات، في حين ناقش الآخرونَ الموجوداتِ المتعلقةِ بالطلاقِ والانفصالِ.
على الرغم من أنَّ التقريرَ المذاع كان دقيقاً جداً إلّا أنَّه لم تناقش محدّدات تلك الدِراسَة.
ما هو نوع هذا البحث؟
استَخدَمت هذه الدِراسَة بياناتٍ جمِعت من مجموعةٍ استباقية جارية كبيرةٍ من الأشخاص للبحث عن طرز العلاقة على مدى العمر، وكيف ترافقت مع الصحة في منتصف العمر.
كما يقول الباحثون، اقترحت عديدٌ من الدراساتِ في مختلف الأقطارِ بأنَّ صِحة الناس المُتَزوِجين أفضل من غير المُتَزوِجين عموماً. كما اقترحت أنَّ تغيير أي تفاوتٍ صحيٍ متعلقٍ بالحالة الزوجيةِ يمكن أن يحسنَ صِحَة السكانِ بطريقةٍ ما. على أيِّة حالٍ، وللقيام بذلك، فإنَّ الآليات التي تربط بين الحالةِ الزوجيةِ تحتاجُ لفهمٍ أفضل. وذلك ما هدفت لَه هذهِ الدِراسَة من خلالِ اختبار التغيرات في حالة الشراكة على مدى 21 سنة وارتباطها بمؤشراتِ الصِحَية في منتصف العمر.
المشكلة الأساسية في هذه الدِراسَة هو أنّها لا تستطيع أن تثبتَ سبباً وتأثيراً مباشراً، أو تفسير أثر أي تغيّرات في العلاقة قد تجري. وهناك أرجَحيةٌ بوجودِ تداخلٍ معقدٍ بين العلاقات الشخصية وتأثيرات أخرى على الصحة ونمط الحياة وأحداث وتأثيرات الحياة.
على ماذا شَمَل البحثُ؟
استَخدَمت هذه الدِراسَة بيانات جُمعت من دراسة تطور الطفل البريطانية الوطنية. وهي دِراسَةٌ أترابية جارية، والتي شملت كلّ المولودين في أسبوعٍ واحدٍ عامِ 1958، وتتبعتهم دوريّاً حتى البلوغ. استَخدَمت هذه الدِراسَة بيانات جمعت من 4 تقييماتٍ كانت في أعوام 1981 (بعمر 23 سنة) و1991 (بعمر 33 سنة) و2000 (بعمر 42 سنة) و2002 الشهر الرابع (بعمر 44 – 46 سنة).
سُجِّلت الحالة العاطفيّة في كلِّ تقييمٍ، وقيست النَتائِج الصحيّة في التقييم النهائي في الشهرِ الرابع من عام 2002، أثناء القيام بالفحصِ السريريّ. تضمنت علامات المحصلات الصحية البحث في العلامات الالتهابية في الدم وقياس وظيفة عملِ الرئةِ والبحث عن المتلازمةِ الاستِقلابيّة (مجموعة من عوامل الخطورة التي تزيد من خطرَ الإصابةِ بالأمراضِ القلبيّةِ الوعائيِّة).
في النماذج الإحصائيّةِ الباحثة في كيفيّة ارتباط تغير الحالة الزَوجيّة بهذه العلامات المرضية، أخذ في الحسبان عديدٌ من السمات في بدايةِ حياة المتطوعين وسماتِ فترة البلوغ ِ لديهم. فشملت تلك الأمور الحالةِ الاقتصاديّة الاجتِماعيّة ووظيفة الوالدين وكذلك التعليم والصِحَة والعَجز والحالَة الفكريّة في سنين الطفولة.
التحليل الكامل المتضمن لتلك البيانات الكاملة كان مبنياًّ على 10,226 شخصٍ (5,256 امرأة و4,970 رجل).
ما هي النَتائِج الأساسية؟
قسّمَ الباحثون النِسَاء والرِجَال لـ 6 مجموعاتٍ، اعتماداً على وضعِ الشريك. المجموعة الأكبر عندَ الرِجَال (62%) تمثّلت بالرِجَال المُتَزوِجين في العشرينيات من عمرهم أو في بداية الثلاثينيات واستمروا في زواجِهم. وبالنسبة للنِسَاء فإن 42% منهن تزوجنَ في بدايات العشرينياتِ واستمرّوا في زواجهم؛ أما المجموعةُ التاليةُ في العدد (23% من عينة الدراسة) هنّ النِسَاء اللواتي تزوجَن في عمرٍ أكبر من السابقةِ، أيّ في نهاية العشرينيّات أو بداية الثلاثينيّات من عمرهن، واستمرّ زواجهنّ.
النَتائِج عند الرِجَال
كان لدى الرِجَال الذين لم يتزوجوا أو لم يكونوا على علاقةٍ (ونسبتهم 11% من عينة الدِراسَة) علامات صحية أسوأَ عموماً مقارنةً مع المجموعةِ الأشيع من الرِجَال الذين تزوجوا واستمر زواجهم. وتضمنت هذه النتائج وظيفةً رئوية أسوأ ومستويات أعلى للعلامات الالتهابية وعوامل تَخَثُر الدم. أما الرِجَال الذين كانوا على علاقة ولم يتزوجوا (8% من عينة الدِراسَة) كان لديهم أيضاً وظيفة رئوية أسوأ مقارنة مع الذين استمر زواجهم. في حين أنَّ النسبة 8% من الرِجَال الذين تزوجوا ثم طلقوا نسائهنَّ ولم يتزوجوا مرة أخرى كانوا أقلّ احتمالاً للإصابة بالمتلازمة الاستِقلابيّة مقارنة مع الرِجَال الذين استمر زواجهم.
النَتائِج عند النِسَاء
بالنسبَة للنِسَاء، كانت المجموعة التالية في النسبة، النِسَاء اللواتي تزوجنَ في نهايات العشرينيات أو بداية الثلاثينات، هي الأكثر صِحَةً. حيث كانت مستويات عوامل تَخَثُر الدم لديهنَّ أخفض ولديهن وظيفة رئوية أفضل من أولئك المُتَزوِجاتِ باكراً. في حين أنّ النِسَاء اللواتي تزوجنَّ ثم طُلقن (9% من عينة الدِراسَة) كنَّ أقلَ احتمالاً للإصابة بالمتلازمة الاستِقلابيّة من المجموعة الأكبر، وهن اللواتي تزوجن باكراً واستمر زواجهنّ.
كيف فسّر الباحثون النَتائِج؟
استنتج الباحثون التالي: “تبدي حالة الشراكة الزَوجيّة خلال فترة الحياة تأثيراً تراكميّاً على مدى واسع من المؤشراتِ الصحيّة المقاسة موضوعيّاً في منتصف العمر”.
الخلاصة
يجب ألّا تؤخذ هذه النَتائِج بجديّة كبيرة وألّا تسبب القلقَ، بغض النظرِ عن الحالة الزوجية. فمن الصعوبةِ بمكانٍ تحديد تفسيرٍ ذا مغزى من هذهِ النَتائِج، بسبب التحاليل التي تبدي نَتائِجاً متداخلة.
عموماً، وجد عندَ الرِجَال الذين لم يتزوجوا أو لم يكونوا على علاقة العلامات الصحية الأسوأ عند قياسِها في منتصف العمر، مقارنة مع الذين تزوجوا واستمر زواجهم. في حين أنَّ النِسَاء اللواتي تزوجنَ في نهايات العشرينات وبدايات الثلاثينات كان لديهن ميلاً لامتلاك علامات صحية أفضل في منتصف عمرهنّ.
وبشكل غريبٍ، بدا الاقتراح غير الاعتياديٍّ أنَّ الطلاق كان “جَيداً” لكِلا الرِجَال والنِسَاء لارتباطِه بانخفاض خطرِ المتلازمةِ الاستِقلابيّة، فيما إذا قورن ذلك مع استمرارِ الزواج.
وعلى أيَّة حال، لا تثبت هذه الدِراسَة وجود علاقة سبباً وتأثيراً. يوجدُ عديدٌ من التداخلاتِ المعقدة بينَ العلاقاتِ الشخصية، والعوامل الصحيّة ونمط الحياة، والأحداث والمؤثرات الأخرى. لم تكن هذه الدِراسَة قادرةٍ على شرح الأسباب المستبطنة المحتملةِ لأي رابطٍ بين حالة العلاقة والعلاماتِ الصحيّة المقاسة.
وبشكل مهم، كانت النَتائِجَ المدروسة عبارةً مجموعةٍ متنوعةٍ من العوامل الالتهابية والتخثرية في الدم ووظيفة الرئةِ والمتلازمة الاستِقلابيّة. يمكن أن تزيد تلك خطرَ أمراضٍ الحقيقية، أو أن تكون مترافقة معها، غير أنَّ هذه المؤشرات لا تعد أمراضاً بحد ذاتها. على سبيل المثالِ، حقيقةُ أنَّ النِسَاء اللواتي تزوجنَ في سن متأخرة لديهنّ مستويات أقل من عامل لتَخَثُر الدم ووظيفة رئوية أفضل من اللواتي تزوجن باكراً في تقييم بيوم واحد، وهذا لا يعني بالضرورة أنّ جميعهن أكثرُ صِحَةٍ من غيرهن. فالعلامات الحَيويّة هذه في فترة منتصف العمر يمكن ألّا تكونَ مؤشراتٍ جيدةً للدلالة على الصِحَة المستقبلية وتوقع حدوث الأمراض.
أيضاً، عينة الدراسة عبارة عن مجموعةٍ خاصة من الناس الذين ولدوا عام 1958. وحالتهم الزوجية ونموذج علاقاتِهم يمكنُ ألّا يوازي جيّداً حالة الأفراد من أجيال أخرى أو من ثقافات أو أقطار الأخرى. على سبيل المثال يميل الناسُ في الأجيال اللاحقة للزواج بعمر أكبر، أو أنَّهم أقل احتمالاً للزواج من الأجيال الأكبر.
الموجودات ستكون موضع الاهتمام في مجالات علم الاجتماعِ البشريّ وفي علم النفس، وستمثّل إضافة إلى مجموعة البحوثِ الموجودة الناظرة في كيفيةِ تأثير الحالةِ الزوجية على الصِحَة. في حين أنَّ هذه الدِراسَة وحدها لا تزود بأجوبة حاسمة حول طبيعةِ أية علاقةٍ أو الآلية الكامنة خلفها.
يمكن أن يُحسّن التواصل مع باقي الناس من الصِحَة العقليةَ، والتي يمكن أيضاً أن تحسن الصِحَة الجسدية، لكن لا ننصح بالتسرعِ بالزواجِ اعتماداً على نَتائِج هذه الدِراسَة.
المرجع : webteb.com