كيف تنشأ الصدمة وما هي الصدمة الوطنية
الصدمة لا تنشأ بسبب لعبة كرة القدم أو لقاء تعارف فاشل, وانما عندما يحدث حدث الذي تنهار معه استمرارية الحياة المفهومة ضمنا والافتراض بأن العالم هو مكان آمن ومنطقي.
في الحياة اليومية وفي وسائل الإعلام، نحن غالبا ما نستخدم مصطلح الصدمة أيضا في الحالات التي لا تتناسب مع معناها. في عناوين مجلات ومواقع الرياضة يمكن ملاحظة عناوين مثل “الآلاف من المشجعين مصابين بالصدمة بعد الهزيمة”. الصدمة؟ من هزيمة قاسية؟ قد يبدو حقيقياً في الوهلة الاولى، ولكن قطعا ليس صحيحا من الناحية المهنية. الصدمة من لقاء التعارف الغير ناجح؟ كلا على الإطلاق.
لتوضيح ما هي الصدمة، تخيلوا أنه في هذه اللحظة، وأنتم تقرؤون هذا المقال، يدخل إرهابي الى منزلكم، ويبدأ برش المنزل بوابل من الرصاص من مسافة قريبة. حاولوا إغلاق أعينيكم وتخيلوا هذه الصورة. ماذا تشعرون بجسمكم؟ ما هي الفكرة الأولى التي تتبادر إلى ذهنكم؟ ما هو الشعور الذي ينتابكم؟
إذا اندمجتم مع هذا التمرين الوهمي، فعلى الأرجح أنكم بدأتم تشعرون بتسارع دقات القلب، سرعة التنفس، توتر العضلات، الرعشة والعرق البارد. من ناحية عاطفية، فإنكم قد تردون بصدمة حسية، قلق، خوف، حزن شديد، غضب أو الشعور بالعجز. قد تشعرون بالارتباك، الصعوبة في التفكير، أو أن يبدو لكم تفكيركم غريب.
إذا، لا سمح الله، وقع بالفعل هذا الحدث، فمن المرجح أنه كانت ستحدث لديكم أيضا تغيرات في أنماط السلوك الثابتة لديكم، التراجع الاجتماعي، الصعوبة في اتخاذ القرارات وغير ذلك. كل هذه العلامات تميز ردود فعل الصدمة الأولية، التي هي ردود فعل طبيعية تماما والتي تميز معظم الناس الذين يتعرضون للصدمات.
وبعد بضعة أيام من الحدث، فربما سترون فجأة صور من الحدث (الفلاش باك – Flash Back)، وأن تظهر في مخيلتكم الأفكار المزعجة. يمكن حتى أن تجدوا صعوبة في النوم وتحلموا بالكوابيس، تعانون من العصبية وغير مركزين. قد تشعرون بالغضب وينتابكم الذعر أو البكاء. ربما تجدون أنفسكم تحدقون في الفضاء.
كل هذه الامور طبيعية تماماً. كل هذه الظواهر هي مثال على ردود الفعل للضغط الشديد التي غالبا ما تظهر بعد ذلك الحدث الصادم. ردود الفعل هذه ليست ثابتة ويمكن أن تنعكس خلال لحظة واحدة. وهي يمكن أن تستمر من بضعة أيام، حتى نحو شهر، ثم تختفي تماما. لكن في بعض الأحيان فإنها تبقى لفترة أطول وتبدء بالتبلور كمتلازمة ما بعد الصدمة.
الانفصال عن الواقع
طريقة أخرى لشرح حادثة الهجوم الإرهابي الذي تخيلتموه في بداية المقال، هي رسمِهِ كحدث مُدمج ضمن تسلسل أحداث الحياة المفهوم ضمنا. الآن، بينما أنتم تواصلون قراءة هذه المقالة، أنتم تفترضون بشكل واعي أو بشكل غير واعي، أنه في نهاية القراءة سوف تستمرون في حياتكم الروتينية وسوف تحسون بأنكم مطمئنين نسبيا على وجودكم.
الشخص الذي يتعرض لحادثة كتلك التي ذكرناها سابقا، لا يمكنه مواصلة روتين حياته اليومية.
الافتراضات المقبولة التي تعزز الاحساس بالامان وبانه لا يمكن ان يصيبكم مكروه، لأن البشر حسب معتقداتكم طيبيين في طبيعتهم، ولأن العالم مكان آمن ومنطقي نسبيا، وتتوقع مستقبلا أفضل دائما، كلها تتحطم نتيجة للحدث الصادم.
“أنا لست نفس الشخص الذي كنت قبل الحدث الصادم”، يقول البعض منكم، “كل شيء يبدو مهدد ومخيف”، يشكو البعض الآخر، “من الصعب التخطيط للغد”، يدعي البعض الآخر.
بشمل او باخر، يمكن القول بأن قطع تسلسل سير الحياة المقبول، يؤدي بالشخص الذي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة للبقاء في المكان الذي وقع فيه الحادث من دون القدرة على التحرك إلى الأمام. عدم القدرة على هضم ومعالجة الحدث الصادم، يترك الشخص المتضرر داخل فقاعة زمنية التي تعزله عن الواقع الحالي وبالتأكيد عن المستقبل. لا عجب، إذن، أن يجد مصابي ما بعد الصدمة صعوبة في الأداء الوظيفي من ناحية مهنية، اجتماعية وعائلية.
ليس فقط في مرحلة الطفولة
مصدر كلمة صدمة Trauma اساسها من المصطلح اليوناني تراوماس، يعني الجرح الذي يحدث بشكل مفاجئ. في السياق النفسي فيعتبر هذا الجرح نفسي.
فمن جهة، إذا كان الضغط Stress يعرف كحالة يتطلب بها الانسان بالتصرف لانجاز امر ما هام بواسطة قواه الذاتية، فمن جهة اخرى، يمكن تعريف الصدمة على انها حالة خاصة من الضغط الذي يتميز بحدته الشديدة وطابعه الخاص – خطر فوري على حياة الإنسان، على سلامة جسمه، أو لأولئك القربين منه.
ظاهرة رد الفعل النفسي الصادم هي واحدة من الركائز الأساسية لعلم النفس الحديث. بنى فرويد التحليل النفسي حول المفهوم صدمة الطفولة.
حقيقة أن ردود الفعل التي وصفت اعلاه شائعة بين مجتمع او مجموعة من الناس، على الأقل بشكل مؤقت، تنبع من تطور الجنس البشري ومن بنية الدماغ البشري. غريزة البقاء المستمدة من نمط السلوك المعروف باسم “رد فعل الهروب والهجوم”، تملي جميع الردود والتفاعلات الفسيولوجية والحسية وتشكل الردود الاجتماعية- الشخصية والقدرات المعرفية.
الاعتراف بمتلازمة ما بعد الصدمة وتصنيفها كاضطراب نفسي حدث فقط في سنوات الـ 70، تحت ضغط الجنود الامريكيين الذين قاتلوا في حرب فيتنام، والذين طالبوا بالتعويض والعلاج بسبب تضررهم النفسي.
هناك ما يدعى “الصدمة الوطنية”
التعريف الاساسي للجمعية الأمريكية للاضطرابات العقلية (APA) لمتلازمة الصدمة حدد أن “هذه هي ردة فعل التي تأتي نتيجة لحدث غير عادي والذي يسبب لرد فعل شديد يعبر عنه بالخوف، العجز والشعور بالرعب المرتبط بالخطر على الحياة أو السلامة الجسدية أو النفسية للإنسان أو القريبين منه.”
في الطبعات الجديدة لدليل تشخيص الأمراض النفسية تم تغيير التعريف، والجملة التي تتطرق للحدث الشاذ تمت إزالتها. يميل اخصائيو الصحة النفسية اليوم إلى عدم تأكيد كون الحدث الصادم غير عادي، سواء بسبب كون الصدمات حدث مألوف، أم بسبب حقيقة أنه لا يجب أن يكون هناك توافق في الآراء بشأن شذوذ هذا الحدث، يكفي أن يكون متطرف بالنسبة للشخص نفسه.
مثال جيد على ذلك هو فقدان حيوان أليف مثل الكلب. بالنسبة لشخص ما فهذا الحدث هو مجرد حدثغير سار، في حين انه بالنسبة لشخص آخر، على سبيل المثال بالنسبة لشخص وحيد الذي يشكل ذلك الحيوان كل عالمه، فهذه هي صدمة يصعب تحملها.
وبعبارة أخرى، بالرغم أن هناك أحداث التي يوجد توافق بشأنها لأنها أحداث صادمة بالنسبة لمعظم الجمهور (مثل مقتل طفل، هجوم إرهابي، زلازل او الحروبات)، تحديد الحدث وتعريفه على انه صادم هو شعور خاص للشخص الذي يتعرض له.
على الرغم من أن هناك العديد من أوجه التشابه بين ردود الأفعال للأحداث الصادمة المختلفة، فهناك البعض ممن يرون بالصدمة على خلفية وطنية بظاهرة فريدة من نوعها. أولا، الصدمة على خلفية وطنية تؤثر على دوائر متضررة أوسع، لأنها تصل إلى مسامع عدد أكبر من الجمهور، بما في ذلك وسائل الإعلام.
ثانيا، لأن التعرض للصدمة على خلفية وطنية ينجم عن كوننا مواطنين في الدولة، يغير أحيانا تعاملنا مع الإصابة والعلاقة المتبادلة بين الضحية والدولة.
المرجع : webteb.com