لا يبعد اللهو في أيامنا المودي – الشاعر البحتري
لا يَبْعُدُ اللّهوُ، في أيّامِنَا، المُودي،
ولا غُلُوُّ الهَوَى في الغَادَةِ الرُّودِ
وَجِدّةُ الشّعَرَاتِ السُّودِ يُرْجِعُهَا
بِيضاً تَتَابُعُ مَرّ البِيضِ والسّودِ
لَوْ كَانَ في الحِلمِ من جَهلٍ مَضَى عِوَضٌ،
لم أذمُمِ الشَّيبَ في قَوْلي وَمَعْقُودي
تلكَ البَخيلَةُ، ما وَصْلي بِمُنْصَرِفٍ
عَنها، وَلاَ صَدُّهَا عَنّي بمَصْدُودِ
ألَمّ بي طَيْفُهَا وَهْناً، فأعوَزَهُ
عندي وُجُودُ كرًى بالدّمعِ مطرُودِ
إنْ يَثْلِمِ الحُبُّ في رأي، فرُبّتَمَا
عَزْمٌ ثَلَمْتُ بهِ صُمَّ الجَلامِيدِ
قَدْ عُلّمَ البَاحثُ الشّنْآنُ ما حسبي،
وَبَانَ للعَاجِمِ المُجْتَسِّ ما عُودي
لا أمْدَحُ المَرْءَ أقصَى ما يَجُودُ بهِ
نَيْلٌ، يُكَسِّرُ من حافاتِ جُلمودِ
حَسْبي بأحْمَدَ إحْسَانَاً يُبَلّغُني
مَدَى الغِنَى، وَبِفِعْلٍ مِنهُ مَحمودِ
رَطبُ الغَمامِ، إذا ما استُمطرَتْ يَدُهْ،
جَاءَتْ مَوَاهِبُهُ، قَبْلَ المَوَاعِيدِ
مُثرٍ من الحَسَبِ الزّاكي، إذا ذكرُوا
عُلاهُ ألْقَوْا إلَيْهِ بالمَقاليدِ
مُحَسَّدٌ، وَكَأنّ المَكْرُمَاتِ أبَتْ
أنْ تُوجَدَ، الدّهرَ، إلاّ عند محسودِ
وأصْيَدُ الخَدّ عَنْ إكْثَارِ عاذِلِهِ،
إنّ النّدى من عَتاد السّادةِ الصِّيدِ
إسْلَمْ لَنَا جَعْفَرٌ يَسلَمْ لَنَا كَرَمٌ،
وَبَيْتُ مَجْدٍ ألى عَلْيَاكَ مَرْدُودِ
إذا جَحَدْتُ سِجَالَ الغَيْثِ رَيّقَهُ،
فإنّ جودك عِنْدي غَيرُ مَجحودِ
وَلَوْ طَلَبْتُ سِوَى نُعْمَاكَ لي لجَأً،
لَظِلْتُ أطْلُبُ شَيْئاً غَيرَ مَوْجُودِ
مَوَدّةٌ، وَعَطَاءٌ مِنْكَ نِلْتُهُما،
وَرُبّ مُعْطَى نَوَالٍ غَيرِ مَوْرُودِ
أما تَوَجّهتَ نحو الشّرْقِ، مُعتَسِفاً
باليَعْمَلاتِ، حُزُونَ اللّيْلِ والبِيدِ
فَقَدْ تَرَكْتُ بِقِنَّسْرِينَ أفْئِدَةً
مَجرُوحَةً، وَعُيُوناً ذاتَ تَسهيدِ
أوْلَيْتَهُمْ حُسْنَ آلاءٍ، فكلُّهُمُ
في حالِ مُسْتَعْبَدٍ بالطولِ، مكدودِ
وإنْ صَرَفتَ، وَلَمْ تَصرِفْ لبائِقَةٍ،
عنِ الخَرَاجِ، فلم تَصرِفْ عن الجُودِ