أإبراهيم دعوة مستعيد – الشاعر البحتري
أإبْرَاهِيمُ! دِعْوَةَ مُسْتَعِيدِ
لرَأيٍ مِنكَ مَحْمُودٍ، فَقِيدِ
تَجَلّى بِشْرُكَ الأمسِيُّ عَنّي،
تَجَلّي جانِبِ الظّلّ المَديدِ
وأظْلَمَ بَيْنَنَا ما كَانَ أضْوَا
عَلى اللّحَظاتِ مِنْ فَلَقِ العَمُودِ
وَفي عَيْنَيكَ تَرْجَمَةٌ أرَاهَا
تَدُلُّ عَلى الضّغَائِنِ، والحُقودِ
وأخْلاقٌ، عَهِدتُ اللّينَ مِنْهَا،
غَدَتْ وَكأنّها زُبَرُ الحَديدِ
أميلُ إلَيكَ عَنْ وِدٍّ قَرِيبٍ،
فتُبْعِدُني عَلى النّسّبِ البَعيدِ
وَمَا ذَنْبي بأنْ كانَ ابنُ عَمّي
سواكَ، وكانَ عُودُكَ غيرَ عُودي
لئن بعدت عراقك عن شآمي
كما بعدت جدودك عن جدودي
فلَمْ تَكُ نيّتي عَنْكَ اخْتِياراً،
وَكَانَ الله أوْلَى بالعَبِيدِ
وَيَصْنَعُ في مُعَانَدَتي لِقَوْمٍ،
وَبَعضُ الصّنعِ مِنْ سَبَبٍ بَعِيدِ
أمَا استَحْيَيْتَ مِنْ مِدَحٍ سَوَارٍ
بوَصْفِكَ، في التّهَائمِ والنُّجُودِ
تَوَدُّ بأنّهَا لَكَ فيّ عُجْباً،
بجَوْهَرِها المُفَضَّلِ في النّشيدِ
بَنَتْ لَكَ مَعقِلاً في الشّعرِ ثَبتاً،
وأبْقَتْ مِنكَ ذِكْراً في القَصِيدِ
وَتَبْدَهُني إذا ما الكأسُ دارَتْ
بنَزْقاتٍ تَجيءُ عَلى البَرِيدِ
عَرَابِدُ يُطْرِقُ الجُلَسَاءُ مِنْهَا
عَليّ كأنّها حَطَبُ الوَقُودِ
وَمُعْتَرِضِينَ إنْ عَظُّمْتُ أمْراً
بِهِمْ، شَهِدُوا عَليّ وَهُمْ شُهُودي
وَمَا لي قُوّةٌ تَنْهَاكَ عَنّي،
وَلاَ آوِي إلى رُكْنٍ شَديدِ
سِوَى شُعَلٍ يَخَافُ الحُرُّ مِنْهَا
لَهِيباً، غَيرَ مَرْجُوّ الخُمُودِ
وَلَوْ أنّي أشَاءُ، وأنْتَ تُرْبي،
عَليّ، لَثُرْتُ ثَوْرَةَ مُسْتَقِيدِ
ظَلَمْتَ أخاً لَوِ التَمَسَ انتِصاراً
غَزَاكَ مِنَ القَوَافي في جُنُودِ
نُجُومُ خَلاَئِقٍ طَلَعَتْ جَميعاً،
فَجَاءَتْ بالنّحُوسِ وبالسّعُودِ
وَقَدْ عَاقَدْتَني بخِلافِ هذا،
وَقَالَ الله: أوْفُو بِالعُقُودِ
أتُوبُ إلَيْكَ مِنْ ثِقَةٍ بخِلٍّ،
طَرِيفٍ في الأُخُوّةِ، أوْ تَلِيدِ
وأشْكُرُ نِعْمَةً لَكَ باطّلاعِي
عَلى أنّ الوَفَاءَ اليَوْمَ مُودِ
سأرْحَلُ عاتِباً، وَيَكُونُ عَتبي
عَلى غَيرِ التّهَدّدِ، والوَعيدِ
وأحفَظُ منكَ ما ضَيّعتَ منّي،
على رُغْمِ المُكاشِحِ والحَسُودِ
رأيتُ الحَزْمَ في صَدَرٍ سَرِيعٍ،
إذا استَوْبأتُ عاقِبَةَ الورودِ
وكنتُ إذا الصّديقُ رَأى وِصَالي
متاجَرَةً، رَجَعت إلى الصدود
سَلامٌ كُلّما قيلَتْ سَلامٌ
عَلى سَعدِ العُفَاةِ أبي سَعيدِ
فتىً جَعَلَ التّعَصّبَ للمَعَالي
وَوَجّهَ وِدَّةُ نَحْوَ الوَدُودِ
وخَلّدَ مَجْدَهُ بَينَ القَوَافي
وبَعْضُ الشّعْرِ أملَى بالخُلُودِ
كَذَلِكَ لاحَ في أقْصَى ظُنُوني،
فَلَمْ ألْحَظْهُ لِحْظَةَ مُسْتَزِيدِ
وَكَيْفَ يَكُونُ ذاكَ، وَكلَّ يَوْمٍ
يُقَابِلُني بِمَعْرُوفٍ جَدِيدِ