ها هو الشيب لائما فأفيقي – الشاعر البحتري
ها هوَ الشّيبُ لائِماً، فأفيقي،
وَاتْرُكيهِ، إنْْ كانَ غَيرَ مُفيقِ
فلَقَدْ كَفّ مِنْ عَنَاءِ المُعَنّى،
وَتَلافَى مِنِ اشتِيَاقِ المَشُوقِ
عَذَلَتنا، في عِشقِها، أُمُّ عَمْروٍ،
هَل سَمعتُم بالعاذِلِ المَعشُوقِ
وَرَأتْ لِمّةً ألَمّ بِهَا الشّيْـ
ـبُ، فرِيعَتْ من ظُلمةٍ في شُروقِ
وَلَعَمرِي، لَوْلا الأقاحي لأبْصَرْ
تُ أنيقَ الرّياضِ غَيرَ أنِيقِ
وَسَوَادُ العُيُونِ، لَوْ لمْ يُحَسِّنْْ
ببَياضٍ، مَا كانَ بالمَوْمُوقِ
وَمِزَاجُ الصّهْبَاءِ بالمَاءِ أمْلَى
بصَبُوحٍ مُسْتَحسَنٍ، وَغَبُوقِ
أيُّ لَيْلٍ يَبْهَى بِغَيرِ نُجُومٍ،
أمْ سَحابٍ يَنْدَى بغَيرِ بُرُوقِ
وَقْفَةً في العَقيقِ أطْرَحُ ثِقْلاً
مِنْ دُمُوعي، بوَقفَةٍ في العَقيقِ
مَاثِلٌ بَينَ أرْبُعٍ مَاثِلاتٍ،
يَنْزِعُ الشّوْقَ مِنْ فُؤادٍ عَلوقِ
أزْجُرُ العَينَ عَنْ بُكاهُنّ وَالعِيـ
ـسَ إلى المُبْتَغَى بِكُلّ طَرِيقِ
وَاستَشَفّتْ مُحَمّدَ بنَ حُمَيْدٍ،
ما سَحيقٌ من الغِنى بسَحيقِ
سابقُ النّقعِ يَستَقي جُهدَ نَفسٍ،
تُسْتَزَادُ اسْتِزَادَةَ المَسْبُوقِ
قَلّبَتْهُ الأيْدِي قَديماً وَللحَلْـ
ـبَةِ تُنْضَى الجِيَادُ بالتّعْرِيقِ
كُلّمَا أجْرَتِ الخَلائِقُ أوْفَى
رَادِعاً في خَلائِقٍ، كالخَلُوقِ
لَيسَ يَخلُو من فِكْرَةٍ في جَليلٍ
مِنْ أفَانِينِ مَجْدِهِ، أوْ دَقيقِ
يَنظِمُ المَجدَ مثلَ ما تَنظِمُ العِقْـ
ـدَ يَدُ الصّائغِ الصَّنَاعِ الرّقيقِ
يَزْدَهيهِ الهَوَى عَنِ الهُونِ وَالإشـ
ـفَاقُ يَرْبَا بِهِ عَنِ التّشْفيقِ
لَهُ مِنْهُ في كُلّ يَوْمٍ نَوَالٌ،
لَمْ تَنَلْهُ كُدُورَةُ التّرْنِيقِ
عِنْدَهُ أوّلٌ، وَعِندِيَ ثَانٍ
مِنْ جَداهُ، وَثالثٌ في الطّرِيقِ
يَهَبُ الأغْيَدَ المُهَفْهَفَ كالطّا
وُوسِ حُسناً، وَالطِّرْفَ كالسّوذنيقِ
يا أبَا نَهْشَلٍ، إذا ما دَعَا الظّمْـ
ـآنُ مِنْ كَرْبِهِ دُعَاءَ الغَرِيقِ
أمَلي في الغُلامِ كانَ غُلاماً،
فَهْوَ كَهْلٌ للمَطْلِ وَالتّعْوِيقِ
وَالجَوَادُ العَتيقُ حاجَزْتني فِيـ
ـهِ لِلاَ عِلّةٍ بِوَعْدٍ عَتيقِ
وَعَطَاياكَ في الفُضُولِ عِدادُ الـ
ـرّمْلِ من عالجٍ، فقُل في الحُقوقِ
صَافِياتٌ على قُلُوبِ المُصافِين
، رِقَاقٌ في وهْمِهِنَّ الرَّقِيقِ
لَوْ تَصَفَّحْتَها لأَخْرَجْتَ مِنهَا
أَلف مَعْنىً مِن حاتِمِ مَسْرُوقِ
أُخِذَتْ بالسّماحِ غَصْباً، وَقد يُؤ
خَذُ نَيْلُ البَخيلِ بالتّوْفيقِ
لا أعُدُّ المَرْزُوقَ مِنْهَا إذا فَكّرْ
تُ فيها، وَفيهِ بالمَرْزُوقِ
ظَلّ فيها البَعيدُ مِثْلَ القَرِيبِ الـ
ـمُخْتَتي، وَالعَدُوُّ مثلَ الصّديقِ
كَحَبِيّ الغَمَامِ جادَ، فرَوّى
كُلَّ وَادٍ مِنَ البِلادِ، وَنِيقِ
أصْدِقَائي علَى الغِنَى، فإذا عُدْ
تُ إلى حَاجَةٍ، فأنْتَ صَديقي
لابِسٌ منكَ نِعْمَةً لا أرَى الإخْـ
ـلاقَ في حَالَةٍ لَهَا بِخَلِيقِ
إنْ يَقُلْ زِينَةٌ، فَحِلْيَةُ عِقْيا
نٍ، وَإنْ خِفّةٌ فَفَصُّ عَقيقٍ
هيَ أعلَتْ قَدرِي، وَأمضَتْ لساني،
وَأشاعَتْ ذِكْري، وَبَلّتْ رِيقي
إنّ نَبْهَانَ لَمْ تَزَلْ وَعَتُودا
كالشّقيقِ استَمَالَ وِدَّ الشّقيقِ
جَمَعَتْنَا حَرْبُ الفَسَادِ اتّفَاقاً،
وَهْيَ بَدْءُ الفَسَادِ وَالتّفْرِيقِ
نَحْنُ إخْوَانُكُمْ وَإخوَتُكم حيـ
ـنَ يَكُونُ الفَرِيقُ إلْفَ فَرِيقِ
كالرّفيقَينِ في رَفيقَينِ مِنْ أجَـ
ـإٍ وَسُلْمَى لمْ يُوجَفَا في عُقُوقِ
وَصِلانَا، فَأنْتُمُ كالثّرَيّا
حاضَرَتْنا، وَنَحْنُ كالعَيّوقِ
في رِعانٍ تَرْغُو وَتَصْهَلُ لم تَسْـ
ـمَعْ ثُغَاءً، وَلمْ تُصِخْ لِنَهيقِ
وَطَنٌ تَنْبُتُ المَكارِمُ فيهِ،
بَينَ مَاءٍ جَارٍ، وَعُودٍ وَرِيقِ
أَجَإِيٌّ فالْبئْرُ غَيْرُ جَرورٍ
في رُباه، والنَّخْلُ غَيْرُ سَحُوقِ
حَيْثُ تَلقَى الشّفاهَ لَيستْ بهُدْلٍ
من ظَماً، وَالأسنانَ لَيسَتْ بِرُوقِ
رَتَقَتْهُ سُيُوفُنَا، وَهْوَ ثَغْرٌ
بَينَ أعْدائِهِ، كَثيرُ الفُتُوقِ