قلت للائم في الجب أفق – الشاعر البحتري

قُلْتُ للاّئِمِ في الجُبّ أفِقْ،
لا تُهَوّنْ طَعمَ شيءٍ لم تَذُقْ
تَبهَشُ النّفسُ إلى زَوْرِ الكَرَى،
وَمَتَاعُ النّفسِ في زَوْرِ الأرَقْ
صَفْوَةُ الدّهْرِ، إذا الدّهْرُ صَفَا،
تَجمَعُ الشّملَ، إذا الشّملُ افتَرَقْ
أغَرِيمُ الصّبِّ أدّى دَيْنَهُ،
لَيلَةَ الوَعْدِ، أمِ الطّيفُ طَرَقْ
لا يَلَذُّ المُلْتَقَى، إنْ لم يَكُنْ
باعِثَ الشّوْقِ لَذيذُ المُعْتَنَقْ
لَوْ أنَالَتْ كانَ، في تَنْوِيلِهَا،
بُلغَةُ الثّاوي، وَزَادُ المُنْطَلِقْ
نَظَرَتْ قادِرَةً أنْ يَنْكَفي
كلُّ قَلْبٍ، في هَوَاهَا، بِعَلَقْ
قالَ بُطْلاً، وَأفَالَ الرّأيَ مَنْ
لمْ يَقُلْ إنّ المَنَايَا في الحَدَقْ
إنْ تَكُنْ مُحتَسِباً مَنْ قَد ثَوَى
لِحِمَامٍ فاحتَسِبْ من قد عَشِقْ
يَمْلأُ الوَاشِي جَنَاني ذُعُراً،
وَيُعَنّيني الحَديثُ المُختَلَقْ
حُبُّهَا، أوْ فَرَقاً مِنْ هَجْرِهَا،
وَصَرِيحُ الذّلّ حُبٌّ، أوْ فَرَقْ
أدَعُ الصّاحبَ لا أعْذُلُهُ،
لا يُسَمّى بعُقُوقٍ، فَيَعُقّ
وأرَى الإمْلاَقَ أحجَى بالفتَى
مِنْ ثَرَاءٍ، يَطّبيهِ بالمَلَقْ
لَيسَ فيهِ غَيرُ ما يُغْرِي بهِ،
فإذا قُلْتَُ: انشَوَى، قال: احترَقْ
أكْثَرُ الإشْفَاقِ يُرْجَى نَفْعُهُ،
بَعْدَ أنْ تَطّرِحَ الخِلَّ الشّفِقْ
هُبِلَ الجَحشُ، فما أوْتَحَ مَا
يَقْتَنِيهِ مِنْ قَبُولٍ، أوْ لَبَقْ
وإخَاءٍ مِنْهُ لَوْ يُعْرَضُ لِلْـ
ـبَيْعِ في سُوقِ الثُّلاثَا ما نَفَقْ
وَكَأنّ الفَسْلَ يأتي ما أتَى
مِنْ قَبيحٍ في رِهَانٍ، أوْ سَبَقْ
يَدَّعِي أَنَّ لْوَاطاً رَاهِناً،
والفَتَى أَحْلقُ مِنْ ذَاتِ الحَلَقْ
مِن زِيَادَاتِ النّقيصَاتِ لَهُ
طَبَقٌ، يَرْكَبُهُ بَعْدَ طَبَقْ
كانَ قُبْحُ الوَجْهِ يَجزِينَا، فَقَدْ
زَادَنَا مَلْعُونُنَا قُبْحَ الخُلُقْ
عَلَمٌ في الإفْكِ، لَوْ قَالَ لَنَا
كِلْمَةَ الإخْلاَصِ ما خِلنا صَدقْ
غِلَظٌ في جِرْمِهِ يَشْفَعُهُ
حَسَبٌ، أهزَلَ باللُّْؤمِ، فَدَقّ
فَرْخُ مَجهولاتِ طَيرٍ، كُلُّهَا
قد رَعَى في مَسرَحِ الذّمّ وَزَقّ
نَسَبٌ في القُفْصِ، أوْ حَانَاتِهَا،
مُستَعيرٌ رُقْعَةً مِنْ كُلّ زِقّ
وإذا خَالَفَ أصْلاً فَرْعُهُ،
كانَ شَنَّا لمْ يُوَافِقْهُ الطَّبَقْ
سائِخٌ في الأرْضِ، لا تَرْفَعُهُ
خَصْلَةٌ يَخْثُرُ فيها، أوْ يَرِقّ
مُدْبِرُ الخَيْرَاتِ وَلّى نَفْعُهُ،
فَتَقَضّى مِثْلَ ما وَلّى الشَّفَقْ
هُنْدِمَتْ كَفّاهُ، من دونِ الذي
يُبتَغَى، هَنْدَمَةَ البَابِ انصَفَقْ
لَو طَلَبْنَا بَلّةً مِنْ ريِقِهِ،
وُجدَتْ أعمَقَ مِن بِئرِ العُمُقْ
لَمْ نُصَادِفْ خَلّةً نَحْمَدُها
عِندَهُ، غَيرَ هدايَاتِ الطُّرُقْ
لا تَعَجّبْ أنْ تَرَى خاتَمَهُ،
وَعَلَيْهِ الجَحْشُ بالله يَثِقْ
لَوْ صَفَرْنَا عَبَّ في المَاءِ، وَلَوْ
مَرّ مُجتازاً على الأُتْنِ نَهَقْ
إنْ مَشَى هَمْلَجَ، أوْ صَاحَ إلى
صَاحبٍ عَشّرَ، أوْ مَاتَ نَفَقْ
مُوثَقُ الأسْرِ، ضَليعٌ، أشرَفَتْ
جَبْحَةٌ مِنْهُ، وَرَأسٌ وَعُنُقْ
لا وَظيفُ العَيرِ مَرْقُومٌ وَلاَ الـ
ـعَجْبُ مَهضُومٌ، وَلاَ الوَجهُ خَلَقْ
وَصَحيحٌ لَمْ يَقُمْ نَخَاسُهُ
يَتَبَرّا مِنْ عَشاً، أوْ مِنْ سَرَقْ
أزْرَقُ العَينِ، وَمِنْ إبْداعِهِ
أنْ يُرَى في أعْيُنِ الحُمرِ زَرَقْ
تُسْرجُ الحَائطَ أَو تَوكِفُهُ
وَنْيَةٌ مِنْ بَلْدَةٍ مَا لَمْ يُسَقَ
وإذا أسْرَى إلى فاحِشَةٍ،
أخَذَ المَرْفُوعَ، أوْ سَارَ العَنَقْ
لا تَتَبَّعْ فائِتاً مِنْ خَيْرِهِ
آيسَ الرَّهْنُ فَدَعْهُ إِذْ غَلِقْ
عُدَّهُ كانَ أجِيراً، فانْقَضَى
شَهْرُهُ، أوْ كَانَ عَبداً فأبِقْ
لَوْ حَسِبْنَا مَا عَلَيْهِ وَلَهُ،
لَكَفَرنَا أنْ حُرِمْنَا وَرُزِقْ
تُخْطِىءُ الدُّنْيَا المَقَادِيرَ، فَفي الـ
ـجَوّ مَنْ لَمْ يَكُ في قَعرِ النَّفَقْ
كانَ يُحْيي مَيّتاً، مِنْ ظَمَإٍ،
فَضْلُ ما أوْبَقَ مَيْتاً مِنْ غَرَقْ
فَلَجِي لَوْ أَنَّ فَقْراً أَو غِنىً
يُستدَامانِ بِكَيْسٍ أَو حُمُقْ
بَرَزَتْ بالمَخْلَدِيّين لُهىً،
كَجِمَامِ البَحرِ باتَتْ تَصْطَفِقْ
لَوْ تُوَفّي مَا لَنَا في صاعِدٍ،
لَصَعِدنا، مِنْ عُلُوٍّ، في الأُفُقْ
قَدْرُهُ مُرْتَفِعٌ عَنْ حَظّهِ،
لا يَرُعْكَ الحَظُّ لَمْ يُؤخَذْ بحَقّ
يُعْجِلُ المَوعِدَ، أوْ يَسبُقُهُ،
نائِلٌ لَو سَابَقَ السّيفَ سَبَقْ
هَزّ عِطْفَيْهِ النّدَى، مُكْتَسِياً
وَرَقَ الحَمْدِ، أثِيثاً يأتَلِقْ
لَسْتُ أرْضَى هَزّةً يأتي بهَا
غُصُنٌ إنْ لم يَكُنْ غَضَّ الوَرَقْ
حَازِمٌ، يَجْمَعُ في تَدْبيرِهِ
بِدَدَ المُلْكِ، إذا طَارَ شِقَقْ
لَمُلُوكٌ في الذُّرَى مِنْ مَذحِجٍ،
وَقَعَتْ مُبْعِدَةً عَنْهَا السُّوَقْ
أَغزَرَ العِزُّ قِرَى أَضْيافِهِمْ،
وفِيَاقُ النَّيْلْ يُغْزِرْنَ الفِيَقْ
يُحْسَبُ الوَاحِدُ مِنْهُمْ فِئَةً
جَمّةً، والعَينُ أثْمانُ الوَرِقْ
يَتْبَعُ النّهْجَ الأشَطَّ المُنْتَوَى،
في مَعَالي الأمْرِ، والفِعلِ الأشَقْ
يَتَوَلّى، دونَ خَفّاقِ الحَشَا،
صَدْمَةَ الرّاياتِ زُوراً تَخْتَفِقْ
لا يُحِبُّ الخُرْقَ، إلاّ في الوَغَى،
إنّ بَذْلَ النّفْسِ للمَوْتِ خُرُقْ
يُعْمِلُ الهِنْدِيَّ، مُحْمَرَّ الظُّبا
فيهِ، والخَطّيَّ مُصْفَرَّ الخِرَقْ
حَصَرَ الأَعْدَاءَ، في قُدْرَتِهِ،
ظَفَرٌ، لَوْ زَاوَلَ النّجْمَ لَحِقْ
أَعْبُدٌ تُعْتْقُ في إِنعَامِهِ
مِنْهُمُ الدَّهْرَ وحُرُّ يُسْتَرَقّ
يُرْتَجَى للصّفْحِ مَوْتُوراً، وَلا
يَهَبُ السّؤدَدَ فيهِ للحَنِقْ
مُتْبِعٌ كلَّ مَضِيقٍ فُرْجَةً،
مُمْسِكٌ مِنْ كلّ نَفْسٍ بِرَمَقْ