حييتما من مربع ومصيف – الشاعر البحتري
حُيّيتماَ مِنْ مَرَبَّعٍ وَمَصِيفِ،
كانَا مَحَلّيْ زَيْنَبٍ، وَصَدوفِ
وكُسيتُما زَهْرَ الرّبيعِ وَعُشْبَهُ،
مُتَألّفَينِ بأحْسَنِ التّأليفِ
فلَقَدْ عهِدتُكُما، وَفي مغْناكُما
سُؤلُ المحبّ، وَحاجةُ المَشعوفِ
مِنْ كلّ مُرْهَفَةٍ يُجيلُ وِشاحَها
عِطفا قَضِيبٍ، في القَوَامِ، قَضِيفِ
تَهْتَزُّ في هَيَفٍ، وَما بَعَثَ الهوَى
مِنهُنّ مثلَ المُرْهَفاتِ الهِيفِ
بِيضٌ مَزَجنَ ليَ الوِصَالَ بهجرَةٍ،
وَوَصَلنَ لي الإغرَامَ بالتّكْليفِ
إذْ لا يُنَهنِهُني العَذولُ وَلا أُرَى
مُتَوَقّفاً لِلّوْمِ وَالتّعْنيفِ
حَتّامَ تُفْرِطُ في التَّصابِي لَوْعتي،
وَيَفيضُ واكفَ دَمعيَ المَذرُوفِ
فَلْتَعْزِفَنّ عَنِ الَبَطالَةِ همّتي،
وَلْيَقْصُرَنّ على الدّيارِ وُقُوفي
وَلأشكُرَنّ أبَا عَليٍّ، إنّ مِنْ
جَدْوَى يَدَيْهِ تَالِدي وَطَرِيفي
أعْلى مَكَاني طَوْلُهُ، فَأحَلّني
في باذِخٍ، عندَ الإمامِ، مُنيفِ
صَنَعَ الصّنائعَ في الرّجالِ، وَلم يكنْ
كمُلَعَّنٍ في البَحثِ وَالتّكشيفِ
وَكفى صرُوفَ الدّهرِ مضْطلِعاً بها،
وَالدّهْرُ تِرْبُ حوَادثٍ وَصرُوفِ
فمتى خَشيتُ منَ الزّمانِ مُلِمّةً،
لاقَيْتُها، فدَفَعتُها بوَصِيفِ
بالأبيَضِ الوَضّاحِ، حينَ تَنوبُهُ
حاجاتُنا، وَالأزْهَرِ الغِطرِيفِ
خِرْقٌ مِنَ الفِتيانِ، بَانَ مُبَرِّزاً
بكَمَالِهِ، وَفَعالِهِ المَوْصُوفِ
مَلِكٌ يُضِيءُ منَ الطّلاقةِ وَجهُه،
فَتَخالُهُ بَدْرَ السّماءِ المُوفي
ألله جارُكَ حَيثُ كُنتَ، مُمَتَّعاً
بِمَوَاهِبِ الإعزَازِ وَالتّشرِيفِ
إنّي لجَأتُ إلى ذَرَاكَ مُخَيِّماً
فيهِ وَعُذْتُ بظلِلّكَ المَألُوفِ
ما مَوْضِعي بمُذَمَّمٍ عِندي، وَلا
سَيْبي، وَقَد أكّدْتَهُ، بضَعيفٍ
لي حاجةٌ شَرُفَتْ، وَليسَ ببالغٍ
فيها الذي أمّلْتُ غَيرُ شَرِيفِ
وَقَدِ ابتَدَأتَ بمِثْلِها لا مَائِلاً
فيها إلى مَطْلٍ، وَلا تَسْوِيفِ
فَلَئِنْ ثَنَيْتَ بها، فلَيسَ بمنكَرٍ
أنْ تُتْبِعَ المَعرُوفَ بالمَعرُوفِ