أبالمنحنى أم بالعقيق أم الجرف – الشاعر البحتري
أبالمُنْحَنَى، أمْ بالعَقيقِ أمِ الجُرْفِ
أنيسٌ فيُسلينا عَنِ الأُنَّسِ الوُطْفِ
لَعَمْرُ الرّسومِ الدّارِساتِ لقد غدَتْ
بِرَيّا سُعَادٍ، وَهيَ طَيّبَةُ العَرْفِ
بَكَيْنَا، فمِنْ دَمعٍ يُمازِجُهُ دَمٌ
هناكَ وَمِن دَمْعٍ بهِ صِرْفِ
وَلمْ أنْسَ إذْ رَاحوا مُطيعينَ للنّوَى،
وَقد وَقَفَتْ ذاتُ الوِشاحينِ وَالوَقفِ
ثنَتْ طَرْفَها دونَ المَشيبِ، ومَن يشِبْ
فكُلُّ الغَوَاني عَنهُ مُثنيَةُ الطَّرْفِ
وَجُنَّ الهَوَى فيها، عَشِيّةَ أعرَضَتْ
بِناظِرَتَيْ ريْمٍ، وَسَالِفَتَيْ خِشْفِ
وَأفْلَجَ بَرّاقٍ، يَرُوحُ رُضَابُهُ
حَرَاماً على التّقبيلِ بَسلاً على الرَّشفِ
لآلِ حُمَيْدٍ مَذْهَبٌ فيّ لَمْ أكُنْ
لأذْهَبَهُ فيهِمْ، وَلَوْ جدَعوا أنفي
وَإنّ الذي أُبْدي لَهُمْ من مَوَدّتي،
على عُدَوَاءِ الدَّارِ، دونَ الذي أُخفي
وَكنتُ إذا وَلّيتُ بالوِدّ عَنْهُمُ،
دَعَوْني، فألْفَوْني لَهمْ لَيّنَ العطفِ
وَلمْ أرْمِ، إلاّ كانَ عِرْضُ عَدوّهمْ
من النّاسِ قُدّامي، وَأعرَاضُهم خلفي
جَعَلْتُ لِساني دونَهُمْ، وَلَوَ أنّهم
أهابُوا بسَيفي كانَ أسرَعَ من طَرْفي
دَعَاني، إلى قَوْلِ الخَنَا وَاستِماعِهِ،
أبو نَهشَلٍ، بَعْدَ المَوَدّةِ وَالحِلْفِ
وَأخْطَرَني للشّاتِمِينَ، وَلمْ أكُنْ
لأُشْتَمَ إلاّ بالتّكذيُّبِِ وَالقَرْفِ
فَما ثَلَمُوا حدِّي، وَلا فتَلوا يَدي،
وَلا ضَعضَعوا عزمّي، وَلا زَعزَعوا كهفي
وَهَلْ هَضَباتُ ابْنَيْ شَمَامٍ بَوَارِحٌ
إذا عصَفتْ هوجُ الجَنائبِ بالعَصْفِ
رَجعتُ إِلى حِلمي، وَلَوْ شِئْتُ شُرِّدت
نوافِذُ تمْضِي في الدِّلاصِيَةِ الزَّعفِ
أبَى لي العَبيدونَ الثّلاثَةُ أنْ أرَى
رَسيلَ لَئيمٍ، في المُباذاةِ، وَالقَذْفِ
وَأجبُنُ عَن تَعرِيضِ عِرْضِي لجاهلٍ،
وَإنْ كنتُ في الإقدامِ أطعَنُ في الصّفّ
وَلَمّا تَبَاذَيْنَا، فَرَرْتُ منَ الخَنَا
بأشياخِ صِدْقٍ لم يَفِرّوا من الزّحْفِ
جمَعتُ قُوَى حَزْمي، وَوَجّهتُ همّتي،
فسِرْتُ وَمثلي سارَ عن خُطّةِ الخَسفِ
وَإنّي مَليءٌ إنْ ثَنَيْتُ رَكَائِبي
بدَيمُومَةٍ تَسفي بها الرّيحُ ما تَسفي
تَرَكتُكَ للقَوْمِ الذينَ تَرَكْتَني
لهم وَسَلا الإلْفُ المَشوقُ إِلىِ الإلْفِ
وَقَالَ ليَ الأعداءُ: ما أنتَ قائِلٌ؟
وَلَيس يَرَاني الله أنحَتُ مِنْ حَرْفي
وَإنّي لَئيمٌ، إنْ تَرَكْتُ لأُسرَتيء
أوَابدَ تَبقى في القَرَاطيسِ، وَالصُّحْفِ
أبَا نَهْشَلٍ للحادِثِ النُّكْرِ إنْ عرَا،
وَللدّهرِ ذي الخَطبِ المُبرِّحِ وَالصّرْفِ
كَرُمْتَ، فَما كَدّرْتَ نَيلَكَ عندنا
بمَنٍّ، وَلا أخلَفتَ وَعدَكَ في الخُلفِ
وَما الهَجرُ منّي عن قِلًى، غيرَ أنّها
مُجازَاةُ أوْغادٍ نفََضْتُ بها كَفّي
وَلَمّا رَأيتُ القُرْبَ يَدوِي اتّصَالُهُ،
بَعُدْتُ، لعَلّ البُعدَ من ظالمٍ يَشفي
فلِمْ صرْتُ في جَدَواكَ أسوَةَ وَاحِدٍ،
وَقد نُبتُ في تَفوِيفِ مَدحكَ عن ألْفِ
وإِني لأسْتَبْقي وَدادَكَ للّتي
تُلِمُّ، وَأرْضَى منكَ دونَ الذي يكفي
وَأسْألُكَ النِّصْفَ احتِجازاً، وَرُبّما
أبَيْتُ، فلَم أسمحْ لغَيرِكَ بالنِّصْفِ
وَإنّي لمَحسُودٌ عَلَيْكَ، مُنافَسٌ،
وَإنْ كُنْتُ أستَبطي كَثيراً وَأستَجفي
وَكَمْ لكَ عندي مِنْ يَدٍ صَامِتيّةٍ،
يَقِلُّ لهَا شكرِي، وَيَعيَا بهَا وَصْفي
فَلا تَجعَلِ المَعرُوفَ رِقّاً، فإنّنا
خُلِقنا نجوماً لَيسَ يُملَكنَ بالعُرْفِ
لكَ الشّكْرُ منّي وَالثّناءُ مُخَلَّداً،
وَشِعرٌ كمَوْجِ البحرِ يَصْفو وَلا يُصْفي