لم تبلغ الحق ولم تنصف – الشاعر البحتري

لمْ تَبلُغِ الحَقَّ وَلَمْ تُنْصِفِ
عَينٌ رَأتْ بَيناً، فلَمْ تَذْرُفِ
مِنْ كَلَفٍ أنْ تَنقَضي سَاعَةٌ
يأتي بها الدّهْرُ، وَلَمْ أكلَفِ
لا تَدَعِ الأحْشَاءَ، إلاّ لهَا
تَحَرُّقٌ، ذاتُ الحَشَا المُرْهَفِ
يَضِيعُ لبُّ الصّبّ في لحظِهَا،
ضَيَاعَهُ في القَهوَةِ القَرْقَفِ
وَصَفْوَتي الرّاحُ وَسَاعٍ بهَا،
فَدونَكَ العَيشَ الذي تَصْطَفي
أحلِفُ بالله، وَلَوْلاَ الذي
يَعرِضُ مِن شَكّكَ لم أحلِفِ
أقْبَلُ مِنْ مُؤتَمَنٍ خَائِنٍ
عَهْداً، وَلاَ مِنْ وَاعدٍ مُخلِفِ
إذا الرّجَالُ اعتَمْتَ أجوَادَهمْ،
فاسمُ إلى الأشرَفِ، فالأشْرَفِ
إدْفَعْ بأمْثَالِ أبي غَالِبٍ
عَادِيَةَ الدَّهْرِِ، أو استَعْفِفِ
أرْضَاهُ للمُعْتَمَدِ المُشْتَرِي
حَظّاً، وَللمُخْتَبِطِ المُعْتَفي
مِنْ شأنِهِ القَصْدُ، وَلَكِنّهُ
إنْ يُعْطِ في عارِفَةٍ يُسرِفِ
لَوْ جُمِعَ النّاسُ لأُكْرُومَةٍ،
وَلَمْ يَكُنْ في الجَمْعِ لمْ نَكتَفِ
وَوَقْعَةٍ للدّهْرِ بي لمْ أهِنْ
لحَزّهَا فيّ، وَلمْ أضْعُفِ
ما كُنتُ بالمُنخَزِلِ المُختَتي
فيها، وَلا بالسّائِلِ المُلْحِفِ
ضَافَتْهُ أُخْرَى مِثْلُها، فاغتدى
مُسانِدي، أوْ وَاقِفاً مَوْقِفي
مُستَظْهِراً، يَحْمِلُ ما نَابَهُ
وَنَابَني في المَغْرَمِ المُجحِفِ
يَزْدادُ مِنْ كَلّي إلى كَلّهِ
تَوْكِيدَ ثِقْلِ الرّاكِبِ المُرْدَفِ
كَمْ رَفَعَتْ حَالي إلى حَالِهِ
يَدٌ، متَى تَخلُفْ غِنًى تُتْلِفِ
غنِيتُ مِثْلاً لكَ في تَالِدٍ
مِنْ مالكَ الرَّغْبِ، وَمُستَطرَفِ
وَهَهُنَا رُجْحَانُ حَالٍ عَلى
حالٍ ، فجُد بالعَفوِ، أوْ أسعِفِ
عِنْدَكَ فَضْلٌ، فأعِدْ قِسْمَةً
تَرْجعُ في العِقْدِ، وَفي النّيّفِ
تَجْعَلُهَا رِفْداً لمُسْتَرْفِدٍ،
أوْ سَلَفاً قَرْضاً لمُسْتَسْلِفِ
هَلُمّ نَجْمَعْ طَرَفَيْ حَالِنَا
إلى سَوَاءٍ، بَيْنَنَا، مُنصِفِ
وَمَا تَكَافَا الحَالُ إنْ لم يَقَعْ
رَدٌّ من الأقْوَى على الأضْعَفِ