حديث للرسول عن أهمية الدعاء
إنَّ النفس البشرية والروح التي تحركها والإيمان الذي يدفعها والفطرة السليمة التي توجهها لتدفعها إلى التوجُّه إلى ربِّ الأسباب عندما تنقطع الأسباب، لتنالً خيراً أو تدفع شراً أو أن تَطْلُبَ له البقاءَ والحفظَ، وهذا التوجُّه يكون خارجاً من القلب، وخفياً في الجوارح، تظهر به الإشارات إمَّا بتلفظ اللسان، أو المناجاة القلبية المنكسرة المنطرحة بين يدي ربِّها.
عبادةُ الله عزّ وجلّ أمْرٌ شاملٌ لكل ما يُتَوَجَّهُ إليه به من شعائر تُقام كما أمر مخصصةً ومقيدة بكيفيةٍ، أو غير مخصصةٍ ومقيدةٍ بتحديد لها، وهي كُلُّهَا أشكالٌ للدعاء، فالصلاة دعاءٌ، والتوجُّه إلى الله بالطلب دعاء، والصدقة إن نُوِيَ بها حاجةٌ فهي دعاء، وعليه فأشكال الدعاء كثيرةُ، وما سنتطرق له عزيزي القاري هو الدعاء اللفظي الغير مُخصَّص بالشعائر والأحكام التفصيلية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلّا أعطاه بها إحدى ثلاث: إمّا أن يعجل له دعوته، وإمّا أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر)، يتجلَّى من هذا الحديث بيان كرمِ الله عزّ وجلّ مع عباده، وأهمِّيةُ ومنزلة الدعاء، فأنَّه ما يلبثُ أن يكون سوى إحدى الحالات الثلاثة من الخير، فكم من ضائقةٍ فُرجت بالدعاء، وكم من عُقْدَةٍ حَلَّها الدعاء، وكم من صعبةٍ سَهَّل أمرها الدعاء.
إنَّ المناجاة الروحية التي يصنعها الدعاء لتشدُّ رابطةَ العلاقة والتواصل ما بين العبد وربه، فهو لا يحتاج لوسيلة ما بينهما، قال تعالى: (فإذا سألك عبادي عني فإني قريب)، فقد كان الجواب من الله لعباده المخاطبين بالآية فإنِي قريب، ولم يقل سبحانه لنبيه يا محمد (عليه الصلاة والسلام) قل لهم إنِّي قريب، وهذا يبيِّنُ ما للدعاء من منزلةٍ عند الله عزّ وجلّ.
كم يُلجأُ للدعاء في كثير من المواطن، فالمريضُ الذي يأسَ من العلاج يتوجَّه بالدعاء وينال الشفاء، والعاقر الذي فقد الأمل من كل أدوات الطبِّ الحديث حين عجزَ الطبُّ عن علاجهِ توجَّه بالدعاء ورزقه الله، والجنود الذين في المعركة حين يتيقنونَ من الهزيمة يتوجَّهون بالدعاء، فتنقلب موازين المعركة ويظفُرون بالنصر، وكم من مظلومٍ أخذَ حقُّه وتعدِّيَ عليه فاستنصر بالدعاء، فَنُصِرَ وَرُدَّ إليه حَقُّه وأنتقم ممَّن ظلمه، والأمثلة كثيرة، فيتبيَّن ممَّا سبق يتبّن لنا بأنَّ الدعاء: عبادة، وذكر، وصلاة، واستغاثة، واستعانة، واستغفار، وصنعٌ للمعجزات…، وقد أُمرَ به، فلا يستكبر عن عبادة الله عزّ وجلّ بتركه.