أحاديث عن آداب الطعام

تناول الطعام يحتاج إلى آداب و احترام وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه و سلم عدد من الأحاديث عن هذا الموضوع نذكر منها :

  • قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله )رواه مسلم.
  • وقال صلى الله عليه وسلم: ( سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك ) متفق عليه.

المراد بالتسمية على الطعام قول بسم الله في ابتداء الأكل ، وأصرح ما ورد في صفة التسمية ما أخرجه أبو داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة مرفوعا ” إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله ، فإن نسي في أوله فليقل : بسم الله في أوله وآخره ” وله شاهد من حديث أمية بن مخشي عند أبي داود والنسائي ، وأما قول النووي في أدب الأكل من ” الأذكار ” : صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته ، والأفضل أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم ، فإن قال بسم الله كفاه وحصلت السنة . فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلا خاصا ، وأما ما ذكره الغزالي في آداب الأكل من ” الإحياء ” أنه لو قال في كل لقمة بسم الله كان حسنا ، وأنه يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله ومع الثانية بسم الله الرحمن ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم ، فلم أر لاستحباب ذلك دليلا ، والتكرار قد بين هو وجهه بقوله حتى لا يشغله الأكل عن ذكر الله . وأما قوله ” والأكل باليمين ” فيأتي البحث فيه ، وهو يتناول من يتعاطى ذلك بنفسه ، وكذا بغيره بأن يحتاج إلى أن يلقمه غيره ولكنه بيمينه لا بشماله .

قوله ( أخبرنا سفيان ، قال الوليد بن كثير أخبرني ) كذا وقع هنا وهو من تأخير الصيغة عن الراوي ، وهو جائز . وقد أخرجه الحميدي في مسنده وأبو نعيم في ” المستخرج ” من طريقه عن سفيان قال ” حدثنا الوليد بن كثير ” وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن سفيان عن الوليد بالعنعنة ثم قال آخره ” فسألوه عن إسناده فقال : حدثني الوليد بن كثير ” ولعل هذا هـو السر في سياق علي بن عبد الله له على هذه الكيفية ، ولسفيان بن عيينة في هذا الحديث سند آخر أخرجه النسائي عن محمد بن منصور وابن ماجه عن محمد بن الصباح كلاهما عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة ، وقد اختلف على هشام في سنده فكأن البخاري عرج عن هذه الطريق لذلك .

قوله ( عمر بن أبي سلمة ) أي ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، واسم أبي سلمة [ ص: 432 ] عبد الله ، وأم عمر المذكور هي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك جاء في آخر الباب الذي يليه وصفه بأنه ” ربيب النبي صلى الله عليه وسلم ”

قوله ( كنت غلاما ) أي دون البلوغ ، يقال للصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم غلام ، وقد ذكر ابن عبد البر أنه ولد في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة بأرض الحبشة ، وتبعه غير واحد ، وفيه نظر بل الصواب أنه ولد قبل ذلك ، فقد صح في حديث عبد الله بن الزبير أنه قال ” كنت أنا وعمر بن أبي سلمة مع النسوة يوم الخندق ، وكان أكبر مني بسنتين ” انتهى . ومولد ابن الزبير في السنة الأولى على الصحيح فيكون مولد عمر قبل الهجرة بسنتين .

  • وقال صلى الله عليه وسلم:( فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه )رواه أبو داود.

هذان بابان ذكرهما النووي رحمه الله في ( كتاب أدب الطعام ) أما أولهما: فهو في النهي عن القرآن بين التمرتين ونحوهما مما يؤكل أفرادا إذا كان مع جماعة إلا بإذن أصحابه فمثلا الشيء الذي جرت العادة أن يؤكل واحدة واحدة كالتمر إذا كان معك جماعة فلا تأكل تمرتين جميعا لأن هذا يضر بإخوانك الذين معك فلا تأكل أكثر منهم إلا إذا استأذنت وقلت تأذنون لي أن آكل تمرتين في آن واحد فإن أدنوا لك فلا بأس وكذلك ما جاء في العادة بأنه يؤكل أفرادا كبعض الفواكه الصغيرة التي يلتقطها الناس حبة حبة ويأكلونها فإن الإنسان لا يجمع بين اثنتين إلا بإذن صاحبه الذي صاحبه الذي معه مخافة أن يأكل أكثر مما يأكل صاحبه أما إذا كان الإنسان وحده فلا بأس أن يأكل التمرتين جميعا أو الحبتين مما يؤكل أفرادا جميعا لأنه لا يضر بذلك أحدا إلا أن يخشى على نفسه من الشرق أو الغصص فإن العامة يقولون من كب اللقمة غص فإذا كان يخشى أنه لو أكل تمرتين جميعا أو حبتين جميعا مما يؤكل أفرادا أن يغص فلا يفعل لأن ذلك يضر بنفسه والنفس أمانة عندك لا يحل لك أن تفعل ما يؤذيها أو يضرها ثم ذكر المؤلف ما رواه ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهي عن القران يعني أن يقرن الإنسان بين تمرتين إلا أن يستأذن من كان معه فلا بأس أما الباب الثاني: فهو في الذي يأكل ولا يشبع ولذلك أسباب منها: أنه يسمى الله على الطعام فإن الإنسان إذا لم يسم الله علي الطعام أكل الشيطان معه ونزعت البركة من طعامه ومنها: أن يأكل من أعلى الصحفة فإن ذلك أيضا مما ينزع البركة من الصحفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يأكل الإنسان من أعلى الصحفة فإن فيه البركة فيأكل من الجوانب ومنها: التفرق على الطعام فإن ذلك من أسباب نزع البركة لأن التفرق يستلزم أن كل واحد يجعل له إناء خاص فيتفرق الطعام وتنزع بركته وذلك لأنك لو جعلت لكل إنسان طعاما في صحن واحد أو في إناء واحد لتفرق الطعام لكن إذا جعلته كله في إناء واحد اجتمعوا عليه وصار في القليل بركة وهذا يدل على أنه ينبغي للجماعة أن يكون طعامهم في إناء واحد ولو كانوا عشرة أو خمسة يكون طعامهم في صحن واحد بحسبهم فإن ذلك من أسباب نزول البركة والتفرق من أسباب نزع البركة

  • وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا آكل متكئاً ) رواه البخاري.

حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر عن علي بن الأقمر سمعت أبا جحيفة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آكل متكئا

الحاشية رقم: 1
قوله ( باب الأكل متكئا ) أي ما حكمه ؟ وإنما لم يجزم به لأنه لم يأت فيه نهي صريح .

قوله ( حدثنا مسعر ) كذا أخرجه البخاري عن أبي نعيم ، وأخرجه أحمد عن أبي نعيم فقال ” حدثنا سفيان هو الثوري ” فكان لأبي نعيم فيه شيخين .

قوله ( عن علي بن الأقمر ) أي ابن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني بسكون الميم الوادعي الكوفي ، ثقة عند الجميع ، وما له في البخاري سوى هذا الحديث .

قوله ( سمعت أبا جحيفة ) في رواية سفيان عن علي بن الأقمر ” عن عون بن أبي جحيفة ” وهذا يوضح أن رواية رقية لهذا الحديث عن علي بن الأقمر عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه من المزيد في متصل الأسانيد لتصريح علي بن الأقمر في رواية مسعر بسماعه له من أبي جحيفة بدون واسطة . ويحتمل أن يكون سمعه من عون أولا عن أبيه ثم لقي أباه ، أو سمعه من أبي جحيفة وثبته فيه عون .

قوله ( إني لا آكل متكئا ) ذكر في الطريق التي بعدها له سببا مختصرا ولفظه ” فقال لرجل عنده لا آكل وأنا [ ص: 452 ] متكئ ” قال الكرماني : اللفظ الثاني أبلغ من الأول في الإثبات ، وأما في النفي فالأول أبلغ اهـ . وكان سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن بسر عند ابن ماجه والطبراني بإسناد حسن قال أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثا على ركبتيه يأكل ، فقال له أعرابي : ما هـذه الجلسة ؟ فقال إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا قال ابن بطال : إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا لله . ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال ” أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال : إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا ، قال فنظر إلى جبريل كالمستشير له ، فأومأ إليه أن تواضع ، فقال : بل عبدا نبيا . قال فما أكل متكئا ” اهـ وهذا مرسل أو معضل ، وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال : كان ابن عباس يحدث ، فذكر نحوه . وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال ” ما رئي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط ” وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال ” ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئا إلا مرة ثم نزع فقال : اللهم إني عبدك ورسولك ” وهذا مرسل ، ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو ، فقد أخرج ابن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار ” أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه ” ومن حديث أنس ” أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك ” واختلف في صفة الاتكاء فقيل : أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان ، وقيل أن يميل على أحد شقيه ، وقيل : أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض ، قال الخطابي تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه ، وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته ، قال ومعنى الحديث إنى لا أقعد متكئا على الوطاء عند الأكل فعل من يستكثر من الطعام ، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا .

وفي حديث أنس ” أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرا وهو مقع ” وفي رواية ” وهو محتفز ” والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن ، وأخرج ابن عدي بسند ضعيف : زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل ، قال مالك هو نوع من الاتكاء . قلت : وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يعد الآكل فيه متكئا ، ولا يختص بصفة بعينها . وجزم ابن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه بالميل على أحد الشقين ، ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك . وحكى ابن الأثير في ” النهاية ” إن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا وربما تأذى به ، واختلف السلف في حكم الأكل متكئا فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية ، وتعقبه البيهقي فقال : قد يكره لغيره أيضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم ، قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه من الأكل إلا متكئا لم يكن في ذلك كراهة ، ثم ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك ، وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة ، وفي الحمل نظر . وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا ، وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه ، أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى ، واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل ، واختلف في علة الكراهة ، وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال ” كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءة مخافة أن تعظم بطونهم ” وإلى ذلك بقية ما ورد فيه من الأخبار فهو المعتمد ، ووجه الكراهة فيه ظاهر ، وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من جهة الطب والله أعلم .

  • وقال صلى الله عليه وسلم: ( طعام الواحد يكفي الإثنين , وطعام الإثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية ) رواه مسلم.

ذكر المؤلف -رحمه الله- في الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم بين إن طعام الواحد يكفي الإثنين، وأن طعام الإثنين يكفي الأربعة، وأن طعام الأربعة يكفي الثمانية، وهذا حث منه عليه الصلاة والسلام على الإيثار، يعني أنك لو أتيت بطعامك الذي قدرت أنه يكفيك، وجاء رجلٌ آخر فلا تبخل، لا تبخل عليه وتقول هذا طعامي وحدي ، بل أعطه حتى يكون كافياً للاثنين.
وكذلك لو جاء اثنان بطعامهما، ثم جاءهما اثنان، فلا يبخلان عليه ويقولان هذا طعامنا، بل يطمعانهما؛ فإن طعامهما يكفيهما ويكفي الإثنين، وهكذا الأربعة مع الثمانية.
وإنما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام هذا من أجل أن يؤثر الإنسان بفضل طعامه على أخيه.