الشؤم في ثلاث
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث مخرج في الصحيحين عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس، والمرأة، والدار.
وقال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان معناه: اختلف العلماء في معنى هذا الحديث، فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سبباً للضرر، أو الهلاك، وكذا اتخاذ المرأة المعينة.
وقال الخطابي وكثيرون: هو بمعنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة.
وقال آخرون: شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب. اهـ.
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: قال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر: سمعت من يفسر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه، وشؤم الدار جار السوء.
وروى أبو داود في الطب عن ابن قاسم عن مالك أنه سئل عنه فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا ـ قال ابن العربي: لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار، وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها، فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل ـ قلت ـ والقائل هو ابن حجر ـ وما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك أولى وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة، لئلا يوافق شيء من ذلك القدر، فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى، أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهي عن اعتقاده فأشير إلى اجتناب مثل ذلك، والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلا أن يبادر إلى التحول منها، لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم.
فإنّ أعداء الإسلام ما فتئوا يثيرون الشبهات المغرضة حول الإسلام ونبي الإسلام وأحكام الإسلام، ولهم في ذلك أساليب وحِـيَـلٌ عجيبة، فـإنهم تارة يبترون النصوص الشرعية [ فمثلا يبترون الحديث الشريف الذي ورد في ثناياه أنّ النساء ناقصات عقل ودين- على تفصيل ذكره النبي الكريم-، ويتغافلون عن سرد النص الكامل للحديث ]، وتارة يلوون المعاني ويلبسون على العوام دينهم [ فمثلا يزعمون أن القرآن فيه آية (وترى الملائكة ((حافيين)) حول العرش) والصواب أن نص الآية هو { وترى الملائكة حافّين حول العرش} فشتان ما بين (حافّين بالعرش) أي محيطين به وما بين (حافيين) أي غير منتعلين!]..
وما درى هؤلاء المغرضون الحاقدون –نسأل الـله لهم الهداية- أنّ ديننا دين سماوي كامل، وأن القرآن {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}، وأنّ محمدا صلى الـله عليه وسلم قد حاز إعجاب الكافر قبل المسلم.
بل إنّ المرء ليرى أنّ مِن المستشرقين مَن يقبل على دراسة الإسلام وتعاليمه وشمائل نبيه ليثير الشبهات وينشر الأباطيل، فـنجِـد مِن هؤلاء من يعود إليه رشده وصوابه فيتخذ جانب الإنصاف والحياد، هذا إن لم يشهر إسلامه –وقد حصل-، وما ذاك إلا لما رأوا من عظمة هذا الدين العظيم –نسأل الـله أن يحيينا مسلمين وأن يميتنا مسلمين-.