صفات المنافقين في القرآن
تعريف النِّفاق
النّفاق في اللغة: من النّفق؛ وهو السِّرْب في الأرض، وسُمّي المُنافق بذلك؛ لأنّه يُنافق كالدخول من جُحْرٍ، والظهور من جُحْرٍ آخرٍ، وكذلك فالمنافق يُعلن إسلامه، ثمّ يخرج منه على وجهٍ ومثالٍ آخرٍ، والنِّفاق بكسر النون؛ يُراد به فَعْل المُنافق، وعلى ما سبق فالنِّفاق هو؛ الدخول في الإسلام على وجهٍ، والخروج منه على وجهٍ آخرٍ،[١] ويُقصد بالنِّفاق في الشَّرع: إظهار ما يتوافق مع الحقّ، وإخفاء ما يخالفه، فالمُنافق هو مَن أظهر ارّف.لحقّ أمام النّاس، ولكنّه في الحقيقة على باطلٍ من الفعل أو الاعتقاد، والنّفاق يُطلق على ما عليه من اعتقادٍ، أو فعلٍ،[٢] وقد ذكر الله -تعالى- عدداً من صفات ومناقب المنافقين في القرآن الكريم؛ بغاية الحذر منهم، وعدم الالتفات لِما يرد عنهم من الشُبَه والافتراءات، فلم يتطرّق القرآن لذكر أشخاص وأعيان المُنافقين؛ فالأمر لا علاقة له بالأفراد، بل إنّما بالمنهج، والاعتقادات، والافتراءات.[٣]
صفات المُنافقين في القرآن
ذكر الله -سُبحانه- في القرآن الكريم عدداً من صفات المُنافقين، فيما يأتي بيان البعض منها:
- التكاسل في أداء العبادات: إذ قال الله -تعالى- في ذلك: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا)،[٤] فمن صفات المُنافق أداء العبادات بإظهار التثاقل منها، والتكاسل، والتعاجز، ومن صور ذلك أيضاًً؛ التخلّف عن أداء صلاة الجماعة، استدلالاً بما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، عن ابن مسعود -رضي الله عنهما- أنّه قال: (وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ)،[٥] وذلك إن كان التخلّف عن الجماعة دون وجود وتحقّق عُذرٍ شرعيٍّ.[٦]
- الخِداع: إذ قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)،[٤] أيّ أنّ المُنافقين يُظهرون أعمالاً أمام النّاس، إلّا أنّ باطنهم يخالف تلك الأعمال، فهم غير صادقين بما يُظهرون ويُبطنون.[٧]
- الخوف والجُبْن والهَلَع: وهي من أهمّ الصفات التي جعلت المنافقين يُظهرون خلاف باطنهم، قال -تعالى-: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)،[٨] فمن شدّة خوفهم فإنّهم يعتقدون وقوع مصيبةٍ ما حين سماع أيّ صياحٍ، كما قال -عزّ وجلّ- أيضاً: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ*لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)،[٩] فالمُنافق يحتمي بأي شيءٍ عند القتال؛ من شدّة خَوْفه.[١٠]
- بُغْض وكراهة ما أنزل الله -تعالى- من الأوامر: قال -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)،[١١] وذلك السبب في حبوط أعمال المُنافقين، وعدم قبولها.[١٢]
- البُخْل: فالمؤمن الحقّ يتّصق بالبَذْل والعطاء، فالبُخْل من صفات المُنافقين، إذ قال -عزّ وجلّ-: (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).[١٣][١٤]
- الغَدْر: إذ لا عهد للمُنافقين؛ فهم يعاهدون الله -تعالى- على الالتزام بأوامره، وأدائها، إلّا أنّهم يُنقضون ذلك العهد، ولا يؤدّونه، قال -تعالى-: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ*فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ*فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ).[١٥][١٦]
- الفرح بمُصيبة المؤمن: فالمُنافق يفرح بما أصاب المؤمن من المصائب، ويُصيبه الحُزن بنَيل المؤمن للخير والنِّعم، قال -تعالى-: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).[١٧][١٦]
- مُخالفة حُكم الله -تعالى-: إذ إنّ حكم الله -تعالى- يُخالف أهواء المُنافقين، ولا يُمكّنهم من تحقيق مُرادهم، وتحقيق شهواتهم ونزواتهم؛ ولذلك فإنّهم يُخالفون أوامر الله -سبحانه-، فإيمانهم بما ورد عنه يكون ظاهراً لا باطناً، فلا يستجيبون لحُكم الله؛ بل يصدّون عنه، ويلتزمون ويخضعون لما يُوافق مصالحهم ومعتقداتهم، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا*وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا).[١٨][١٦]
- الشكّ: إذ قال -تعالى-: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ).[١٩][٢٠]
- إظهار الصلاح وإخفاء الفساد: قال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ).[٢١][٢٠]
- الاستهزاء والسُّخرية من المؤمنين: كما جاء في قَوْله -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ).[٢٢][٢٠]
- تَرْك الهدى والأخذ بالضلالة: قال -تعالى-: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).[٢٣][٢٠]
- الأمر بالمُنكر والنّهي عن المعروف: فقد قال -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ).[٢٤][٢٥]
- الكذب في الأيمان: قال -تعالى-: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،[٢٦] ويُقصد بذلك أنّ المُنافقين كانوا يحلفون الأيمان كذباً، كما كانوا يُنفّرون من الإسلام، وينشروا الشُبَه والافتراءات على الإسلام، وبذلك كانوا يصدّون عن سبيل الله -تعالى-.[٢٧]
- الخيانة: فمن صفات المنافقين خيانة الأمانة، كما ثبت فيما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ)،[٢٨] فخيانة العبد للأمانة التي بينه وبين الله -تعالى-، أو التي بينه وبين العباد؛ من علامات النِّفاق، وفَقْد الإيمان، أمّا المؤمن؛ فإنّ الأمانة من أعظم وأجلّ أخلاقه وصفاته.[٢٩]
- الكذب: فالمنافق يُعرف باعتياه على الكذب في الأمور كلّها؛ صغيرها، وكبيرها.[٣٠]
- الإعراض عن حكم الله وحكم الرسول: فالمُنافق لا يلتزم بما ورد عن الله -تعالى-، وعن الرسول -عليه الصلاة والسلام، من أوامر ونواهي؛ بل يتولّى ويُعرض عنها.[٣١]
- المُجاملة والمُخادعة: وذلك في سبيل تحقيق الرغبات والأهواء، بعيداً عن تحقيق مقاصد الإسلام؛ بل إعراضاً عنها.[٣٢]
أنواع النِّفاق
يتفرّع النِّفاق إلى نوعَين؛ بيانهما آتياً:[٣٣][٣٤]
- النّوع الأوّل: النِّفاق العمليّ، أو النِّفاق الأصغر؛ ويكون بالإتيان بفعلٍ أو عملٍ من أفعال أو أعمال المًنافقين، مع بقاء ورسوخ الإيمان في القلب، وتجدر الإشارة إلى أنّ النِّفاق العمليّ أو الأصغر؛ لا يُخرج العبد من ملّة الإسلام، إلّا أنّه يعد من الوسائل التي قد تصل بالعبد لذلك.
- النّوع الثّأني: النِّفاق الاعتقاديّ، أو النِّفاق الأكبر؛ وهو النِّفاق المتمثّل بإظهار الإسلام فقط، دون الاعتقاد به باطناً، وهو النِّفاق الذي ورد ذكره في القرآن الكريم في مَعْرِض الذمّ، وما كان موجوداً زمن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
المراجع
- ↑ جمال الدين ابن منظور (1414)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 359، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ عبد القادر صوفي (1422)، المفيد في مهمات التوحيد (الطبعة الأولى)، صفحة 191. بتصرّف.
- ↑ أحمد الزومان (15-4-2009)، “صفات المنافقين في القرآن”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-7-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة النساء، آية: 142.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 654، صحيح.
- ↑ نبيل العوضي، دروس للشيخ نبيل العوضي، صفحة 4، جزء 22. بتصرّف.
- ↑ عائض القرني، دروس للشيخ عائض القرني، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑ سورة المنافقون، آية: 4.
- ↑ سورة التوبة، آية: 56-57.
- ↑ عبد الله الجبرين، تسهيل العقيدة الإسلامية (الطبعة الثانية)، صفحة 260. بتصرّف.
- ↑ سورة محمد، آية: 9.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، دروس في العقيدة، صفحة 18، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 67.
- ↑ علي بن عمر بادحدح، دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح، صفحة 14، جزء 76. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 75-77.
- ^ أ ب ت “صفات المنافقين”، www.alimam.ws، اطّلع عليه بتاريخ 2-7-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 120.
- ↑ سورة النساء، آية: 60-61.
- ↑ سورة البقرة، آية: 10.
- ^ أ ب ت ث سعد القحطاني، نُورُ الإِيمان وظلمات النِّفَاق في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 42. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 11.
- ↑ سورة البقرة، آية: 13.
- ↑ سورة البقرة، آية: 16.
- ↑ سورة التوبة، آية: 67.
- ↑ صهيب عبد الجبار (2014)، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صفحة 199، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سورة المنافقون، آية: 2.
- ↑ عبدالله بن أحمد النسفي (1998)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكلم الطيب، صفحة 484، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6095، صحيح.
- ↑ شحاتة صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، البحيرة: دار الفرقان للتراث، صفحة 291، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 15. بتصرّف.
- ↑ عبدالله الأثري (2003)، الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة (الطبعة الأولى)، الرياض: مدار الوطن، صفحة 258. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، أرشيف ملتقى أهل التفسير، صفحة 0. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم الفارس، دروس للشيخ إبراهيم الفارس، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، صفحة 500-503، جزء 4. بتصرّف.