تفسير اية الكرسي

القرآن الكريم

تتجلى رحمة الله تعالى بالناس؛ بأن خلقهم على الفطرة التي تدلّهم على الحقّ وترشدهم إليه، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ)،[١] ولم يكتفي -سبحانه وتعالى- بذلك، بل أرسل إليهم رسلاً تصحّح مسارهم، وتهديهم لما فيه خير الدنيا والآخرة، وتبشّرهم وتنذرهم، كما قال تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ)،[٢] وأنزل مع الرسل كتباً؛ لتبسّط أمور دعوتهم وتثبّت أركان الدين، وكان خاتم الأنبياء والمرسلين؛ محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم، الذي أنزل عليه خاتم الكتب السماوية وهو القرآن الكريم، ثمّ انتقل رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- إلى الرفيق الأعلى، وحفظ الله تعالى القرآن الكريم من التحريف والتبديل؛ ليكون رسالةً للناس أجمعين، ومن الجدير بالذكر أنّ علماء اللغة اختلفوا في تعريف القرآن لغةً؛ فقال فريق منهم: هو اسمٌ مشتقٌّ من قرن الشيء بالشيء؛ أي ضمّه إليه، أو جمعه معه؛ ولذلك سميّ الجمع بين الحج والعمرة قران، وقيل هو مشتقٌّ من القرائن؛ وهي جمع قرينةٍ، ومنهم من قال: هو اسمٌ جامدٌ غير مهموزٍ؛ كالتوراة، والإنجيل، وأمّا تعريف القرآن الكريم اصطلاحاً: فهو كلام الله تعالى المنزل على محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، والمتعبد بتلاوته، وقد اختلف العلماء في عدد أسماء القرآن الكريم؛ فقال بعضهم: للقرآن الكريم مئة اسمٍ، وقال آخرون: نيفٌ وتسعون اسماً، ومنهم من لم يذكر إلا ستّةً وأربعين اسماً، ومن أسماء القرآن الكريم: الذكر، الكتاب، الفرقان، والنور.[٣]

تفسير آية الكرسي

تعتبر آية الكرسي أعظم آيةٍ في القرآن الكريم، وقد نزلت آية الكرسي في المدينة المنورة ليلاً، فأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- زيداً بكتابتها، وذكر محمد بن الحنفية أنّه لما نزلت آية الكرسي: سقطت الأصنام، وخرّ الملوك وسقطت التيجان عن رؤوسهم، وهربت الشياطين يضرب بعضها بعضاً حتى أخبروا إبليس بالأمر، فأمرهم بالتحقّق، فجاءوا إلى المدينة المنورة، فوجدوها قد نزلت، ومن الجدير بالذكر أنّ آية الكرسي تضمّنت توحيد الله تعالى وصفاته العلا، وذكر ابن عباسٍ؛ أنّ أشرف آيةٍ في القرآن الكريم، هي آية الكرسي، وفيما يأتي تفسيرها:

  • قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ)؛[٤] فقد سمّى الله تعالى نفسه بالحيّ؛ أي الباقي الذي لا يموت، وقيل حيٌّ؛ لأنّه يُصرّف الأمور مصاريفها، ويُقدّر الأشياء مقاديرها، والقيّوم هو الذي لا يحول ولا يزول كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنه، وعرّف الحسن القيّوم: بأنّه القائم على كلّ نفس بما كسبت؛ ليجازيها بعملها، فهو عالمٌ بها لا يخفى عليه شيءٌ منها، وقيل الحيّ: هو اسم الله الأعظم، وقيل: بل القيّوم هو اسم الله الأعظم، وكان دعاء عيسى -عليه السّلام- عند إحياء الموتى بإذن الله: (يا حيّ يا قيّوم)، ولمّا أراد سليمان -عليه السّلام- عرش بلقيس، دعا قائلاً: (يا حيّ يا قيّوم)، وكان دعاء أهل البحر إذ خافوا الغرق: (يا حيّ يا قيّوم).[٥]
  • قوله تعالى: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ)؛[٤] فقد نفى الله تعالى عن نفسه السِّنة؛ وهي النعاس في العين، والنوم؛ هو الذي يزول معه الذهن في حقّ البشر، ومعنى ذلك؛ أنّ الله تعالى لا يدركه خللٌ، ولا يلحقه مللٌ بحالٍ من الأحوال.[٥]
  • قوله تعالى: (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ)؛[٤] ويكون ذلك بالملك، فهو ربُ كلّ شيءٍ ومليكه.[٥]
  • قوله تعالى: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ)؛[٤] أذن الله تعالى للأنبياء والملائكة والمجاهدين والعلماء بالشفاعة لمن ارتضى لهم الشفاعة، فيشفعون لمّن أدخلوا النار.[٥]
  • قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ )؛[٤] فبين أيديهم؛ أي الدنيا، وما خلفهم أي؛ الآخرة، كما قال مجاهدٌ؛ فمنعى الآية أنّ الله تعالى يعلم ما في الدنيا والآخرة.[٥]
  • قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ)؛[٤] أي لا يعلم أحدٌ شيئاً إلا ما يريد الله له أن يعلمه، كما قال الخضر لموسى -عليه السّلام- عندما نقر عصفورٌ في البحر: (ما علمي ولا علمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر).[٥]
  • قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ)؛[٤] فقد اختلف المفسرون في معنى الكرسي، فمنهم من قال: كرسيّه علمه، ومنه الكرّاسة التي تضمّ العلم، وابن عباس والطبري من أصحاب هذا القول، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: بين كلّ سماءين مسيرة خمسمائة عامٍ، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عامٍ، وبين الكرسي والعرش خمسمائة عامٍ، وقال آخرون: كرسيه؛ أي قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض، وقال مجاهد: ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقةٍ ملقاةٍ في أرضٍ فلاةٍ، ويدلّ ذلك على عظم الله تعالى وعظم مخلوقاته.[٥]
  • قوله تعالى: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)؛[٤] فلا يئوده؛ أي لا يُثقله، ويقال آدني بمعنى أثقلني وتحمّلت منه المشقة، والعلي هو القاهر الغالب للأشياء، وكانت العرب تقول: علا فلانٌ فلاناً؛ أي غلبه وقهره، وقيل: العليّ من علو المنزلة والقدر لا علو المكان؛ فالله تعالى منزّه عن التحيّز، والعظيم؛ أي عظيم القدر، والخطر، والشرف.[٥]

فضل آية الكرسي

ثمّة فضائل عديدةٌ لآية الكرسي، منها ما يأتي:[٦]

  • أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يقرأ آية الكرسي بعد كلّ صلاةٍ؛ حيث قال عليه الصّلاة والسّلام: (مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ).[٧]
  • أنّها تحفظ القارئ لها من العين، والسحر، والمس؛ إذ إنّ الله تعالى جعلها حرزاً من الشيطان، والجنّ، والسحرة، والمشعوذين، فمن قرأها في الصباح حفظه الله تعالى حتى المساء، ومن قرأها في المساء حفظه الله تعالى حتى الصباح.
  • أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يقرأها عند النوم؛ ليدفع بها الشياطين.
  • أنّها احتوت على أسماءٍ من أسماء الله الحسنى، ومنها اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب.

المراجع

  1. سورة الاعراف، آية: 172.
  2. سورة النساء، آية: 165.
  3. فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، صفحة 7-26. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د سورة البقرة، آية: 255.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح خ د القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة سورة البقرة، الآية 255. بتصرّف.
  6. “فضل آية الكرسي وتفسيرها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2018. بتصرّف.
  7. رواه ابن حبان، في بلوغ المرام، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 97، صحيح.