ومن يعظم شعائر الله
تعظيم الله
إنّ الأرض وما عليها من البحار، والجبال، والمخلوقات، لا تساوي شيء بالمقارنة بعظمة الله تعالى، فهو خالقها، وتكون في قبضته، و بين أصابعه يوم القيامة، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (يقبِضُ اللهُ الأرضَ يومَ القيامَةِ، ويطْوِى السماواتِ بيمينِهِ، ثُمَّ يقولُ: أنا الملِكُ، أينَ ملوكُ الأرضِ)،[١] هو العظيم سبحانه، فليس كمثله شيء، وهو القويّ لا تضاهي قوته شيء، ولكن بعض البشر يجهلون قوته، وجبروته، وعظمته سبحانه، فيجترئون على الذنوب والخطايا، ولو علموا عظمته، وقدره ما عصوه سبحانه، كما قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )،[٢] فينبغي للإنسان أن يعظّم ربّه، فلا يجعله أهون الناظرين إليه، ويخاف منه، ويستحي من مراقبته، وألّا يساوي أحد مع الله بالطاعة، فيجب أن تكون طاعة الله -تعالى- مقدّمة على طاعة جميع البشر، ومن صور تعظيم الله -تعالى- أن يكون الله أحبّ إلى العبد من كلّ شيء، فلا يساوي حبّ الله في قلبه بحبّ مخلوق مهما كان، كما أن تأمّل أسماء الله تعالى، وصفاته، تجعل العبد محباً لله تعالى، ومتواضعاً أمام عظمته وقدرته، فهو العليّ القدير، العزيز الحكيم ، هو الحيّ الذي لا يموت، تسبّح الملائكة من خيفته، ويعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.[٣]
تعظيم شعائر الله
الشعائر مفردها شعيرة، وهي كلّ أمرٍ وجبت طاعة الله -تعالى- فيه، ويكون تعظيم الشعائر بمحبتها وإجلالها، وأدائها على الوجه الذي يُرضي الله تعالى، ومن الجدير بالذكر أنّ شعائر الله كثير ومتنوعة؛ فمنها: الشعائر المكانية، ومنها: الشعائر الزمانية، وتعظيمها يُورث التقوى، وخشية الله تعالى، حيث قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)،[٤] ومن الأمثلة على شعائر الله -تعالى- المكانية: المساجد بشكلٍ عامٍ؛ لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أحبُّ البلادِ إلى اللهِ مساجدُها، وأبغضُ البلادِ إلى اللهِ أسواقُها)،[٥] ومنها أيضاً: المسجد الأقصى المبارك، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي، حيث قال رسول الله: (صلاةٌ في مسجِدي أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ إلّا المسجدَ الحرامَ، وصلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مئةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواه)،[٦] ويكون تعظيمها، بمحبّتها، وتقديسها، والاشتياق لها، وتعلّق القلوب بالصلاة، وذكر الله تعالى، وقراءة القرآن الكريم فيها، والتطهّر عند دخولها، والعمل على عزّها ورفعتها؛ لتبقى هدىً ونوراً للمسلمين، ومن الأمثلة على الشعائر الزمانية: يوم الجمعة عامّة، و فيه ساعة محدّدة خصّها الله -تعالى- باستجابة الدعاء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خيرُ يومٍ طلَعت فيهِ الشَّمسُ يومُ الجمعةِ فيهِ خُلِقَ آدمُ، وفيهِ أُهْبِطَ، وفيهِ تِيبَ عليهِ، وفيهِ ماتَ، وفيهِ تقومُ السَّاعةُ، وما مِن دابَّةٍ إلَّا وَهيَ مُصيخَةٌ يومَ الجمعةِ، مِن حينَ تطلعَ الشَّمسُ شَفقاً منَ السَّاعةِ، إلَّا الجنَّ والإنسَ، وفيها ساعةٌ لا يُصادِفُها عبدٌ مسلمٌ وَهوَ يصلِّي يَسألُ اللَّهَ شيئا إلَّا أعطاهُ إيَّاهُ)،[٧] ومنها شهر رمضان، حيث إنّه من أعظم الشهور عند الله تعالى، فقد أنزل فية القرآن ليكون هدىً للعالمين، كما أنّه شهر البعثة، وشهر التوبة والغفران، والعتق من النيران، فيه تُفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النيران، وتصفّد الشياطين، بالإضافة إلى أنّ الله -تعالى- ذكره في كتابه، وأمرنا بالصيام إذا شهدناه؛ تعظيماً له، وخصّ الله -تعالى- العشرة الأواخر من شهر رمضان بمزيدٍ من التعظيم، ومن الأيام العظيمة عند الله العشرة الأولى من ذي الحجّة، فقد فضّل الله -تعالى- العمل فيها على الجهاد في سبيل الله، على الرغم من أهميته وعظمته بالنسبة للمسلمين، ومن الشعائر الزمانية: الأيام العشر الأولى من شهر محرّم، واليوم العاشر منها هو المسمّى بيوم عاشوراء، ومن تعظيم الله -تعالى- طاعته بإقامة ما أمر به من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، وجميع الأعمال الصالحة التي تقرّب من الله تعالى.[٨]
أعمال تساعد على تعظيم الله
من الأسباب التي تُعين العبد على تعظيم الله تعالى:[٩]
- قراءة القرآن الكريم، وتدبّره؛ فلا شكّ أن تدبّر كلام الله -تعالى- وما فيه من حكم وعظات، ووصف الجنة والنار، ووصف للسماء والأرض وخلقهما، وأسماء وصفات لله تعالى، يُوقظ القلب من غفلته، ويرسّخ تعظيم الخالق فيه، وكما قال بعض العلماء أنّ قراءة آية واحدة من كتاب الله بتدبّر أفضل للعبد من ختمة من غير فهمٍ ولا تدبّرٍ، فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يصلّي الليل أحياناً بآية يُعديها إلى الفجر ليتدبّر فيها.
- التفكّر في خلق السماوات والأرض، فبمجرّد النظر إليها يستشعر العبد عظم خالقها، فلا يرى فيها شقوقاً، ولا فطور على الرغم من اتساعها وعظمتها.
- دعاء العبد ربّه بصدقٍ ويقينٍ بأنّ يرزقه الإيمان وتعظيمه وتعظيم شعائره، فقد قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)،[١٠]
- التفكّر والتدبّر بأحوال الأمم الغابرة، كيف عمروا الأرض وبلغوا من القوّة والتقدّم ما بلغوا، ولكنّ الله بعظمته أفناهم لما كفروا بآياته وكذّبوا رسله.
- التقرّب إلى الله -تعالى- بالطاعات، والبعد عن المعاصي، فبذلك يحقّق الإنسان العبودية الكاملة لله تعالى، ويصبح تعظيمه وشعائره في قلب العبد.
- غض البصر، إذ إنّ النظر إلى ما حرّم الله -تعالى- يُورث قسوة القلب، ممّا يمنعه من استشعار عظمة الله عزّ وجلّ.
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 8125، صحيح.
- ↑ سورة الزمر، آية: 67.
- ↑ “كيف نعظم اللـه في قـلوبنا”، knowingallah.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 32.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 671، صحيح.
- ↑ رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 238، صحيح.
- ↑ رواه ابن القيم، في جلاء الأفهام، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 157، صحيح.
- ↑ “تعظيم شعائر الله “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2018. بتصرّف.
- ↑ “تعظيم الله تعالى (2) “، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 186.