كيف كان يدون كتاب الوحي الآيات الكريمة حينما كانت تنزل
كُتّاب الوحي
كتابة الوحي واحدةٌ من أسمى وأرقى المِهن على مرّ العصور والأزمان، بدأت هذه المهنة السَّامية منذ بزوغ فجر الإسلام في مكّة المُكرّمة حيث اختصّ بها نفرٌ من الصَّحابة، بأمرٍ من النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومفرد كُتّاب كاتبٌ: وهو الشَّخص المختص بالكتابة والتَّدوين، وفي عُرف العرب آنذاك الكاتب بمثابة العالم؛ فقد كانت غالبيّة الأمّة العربيّة السَّاحقة لا تُجيد الكتابة، أمّا الوحي فيشتمل على جميع الآيات القرآنيّة التي تُنزّل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السَّلام.
كيفيّة كتابة الوحي
أسند النّبيّ صلى الله عليه وسلم كتابة الوحي إلى مجموعة من الصَّحابة، ممّن يجيدون الكتابة ويتقنونها اتقانًا جيدًّا؛ فكان هؤلاء رضوان الله عليهم منقطعون لكتابة الوحي فور نزوله، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُرسل في طلبهم في حال عدم وجودهم؛ حرصًا منه على توثيق ما أُنزِل من الوحي، كما أنّ هناك نفراً من الصَّحابة كانوا يكتبون الوحي بشكلٍّ غير منتظمٍ.
أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم كُتّاب الوحي بكتابته على أيّ مادّةٍ خامٍ متوفرةٍ لديهم؛ فاستخدموا جريد النَّخل، والحجارة المُسطّحة الرَّقيقة، والأديم، والجلد، والرِّقاع وهي الأكثر استخدامًا حسب قول المؤرّخين، وتُتّخذ من ورق البُردى وتُجلب من مصر، وبعد كتابة الآيات المُنزّلة على المادّة الخام سابقة الذِّكر تُجمع وتوضع في بيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقد اختُلف في عدد كُتّاب الوحي؛ فقيل هم ستةٌ وعشرون كاتبًا، وقيل اثنان وأربعون كاتبًا توزّعوا ما بين مكّة المُكرّمة والمدينة المنوّرة؛ ولعلّ من أشهرهم في مكّة الخلفاء الرَّاشدون الأربعة، وخالد بن سعيد بن العاص، والأرقم بن أبي الأرقم، والزُّبير بن العوّام، وطلحة بن عبيد الله، وغيرهم، أمّا في المدينة: فهم زيد بن ثابت، وأُبيّ بن كعب، وأبو أيّوب الأنصاريّ، خالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة، والعباس بن عبد المطّلب، وغيرهم رضوان الله عليهم جميعًا.
التَّدوين
دوّن القرآن الكريم من قِبل الصَّحابة الذين اختارهم النّبي صلى الله عليه وسلم لهذه المهمة العظيمة، فكان يُكتب في ظِلّ عناية ورعاية ربّانيّة؛ فلو كان هناك أيُّ خللٍ فيها لنزل الوحي بذلك، واستمرّ تدوين القرآن متفرّقًا ما بين الرِّقاع والصِّحاف، وجريد النَّخل، والمحفوظ في صُدور الرِّجال كما أُنزل دون تحريفٍ أو تزييفٍ حتى تمّ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه في مصحفٍ واحدٍ؛ خوفًا عليه من الضَّياع، وكُلّف بهذه المهمّة شيخ القُرّاء زيد بن ثابت رضي الله عنه؛ فتتبّع يجمع الرّقاع الصّحاف التي كُتب عليها القرآن من كلّ مكان، حتى انتهى من ذلك، وجعله في نسخة واحدة عند خليفة المسلمين.