تفسير بسم الله الرحمن الرحيم
المفردات
- بسم: الإسم مشتق من السمة وهو العلامة الدالة على المسمى. أو أنه مشتق من السمو بمعنى الرفعة.
- الله: الله أصله الإله، حذفت الهمزة لكثرة الإستعمال
- الرحمن: ذو الرحمة الشاملة العامة التي هي للمؤمن والكافر
- الرحيم: ذو الرحمة الخاصة المخصصة للمؤمنين
التفسير
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
((بسم الله الرحمن الرحيم)) أي أستعين بالله، وإنما لم يقل “بالله” تعظيما، فكأن الإستعانة بالأسم، والله علم له سبحانه، والرحمن والرحيم صفتان تدلان على كونه تعالى عين الرحمة. فلا يرهب جانبه كما يرهب جانب الطغاة والسفاكين. وتكرير الصفة للتأكيد.
تفسير الميزان
(بيان) قوله تعالى: ((بسم الله الرحمن الرحيم.)) الناس ربما يعملون عملا أو يبتدئون في عمل ويقرنونه باسم عزيز من أعزتهم أو كبير من كبرائهم ليكون عملهم ذاك مباركا، بذلك متشرفا، أو ليكون ذكرى يذكرهم به. ومثل ذلك موجود أيضا في باب التسمية، فربما يسمون المولود الجديد من الإنسان، أوشيئا مما صنعوه أو عملوه كدار بنوها أو مؤسسة أسسوها باسم من يحبونه أو يعظمونه، ليبقى الإسم ببقاء المسمى الجديد، ويبقى المسمى الأول نوع بقاء ببقاء الإسم، كمن يسمي ولده باسم والده ليحى بذلك ذكره فلا يزول ولا ينسى.
وقد جرى كلامه تعالى هذا المجرى، فابتدأ الكلام باسمه، عز إسمه، ليكون ما يتضمنه من المعنى معلما بإسمه، مرتبطا به. وليكون أدبا يؤدب به العباد في الأعمال والأفعال والأقوال، فيبتدئوا باسمه ويعملوا به، فيكون ما يعملوه معلما باسمه، منعوتا بنعته تعالى، مقصودا لأجله سبحانه، فلا يكون العمل هالكا باطلا مبترا، لانه باسم الله الذي لا سبيل للهلاك والبطلان إليه، وذلك أن الله سبحانه بين في مواضع من كلامه: إن ما ليس لوجه الكريم هالك باطل، وإنه: سيقدم إلى كل عمل عملوه مما ليس لوجهه الكريم فيجعله هباء منثورا، ويحبط ما صنعوا ويبطل ما كانوا يعملون، وإنه لا بقاء لشيء إلا وجهه الكريم فما عمل لوجهه الكريم وصنع باسمه هو الذي يبقى ولا يفنى، كل أمر من الأمور إنما نصيبه من البقاء بقدر ما لله فيه نصيب، وهذا هو الذي يفيده ما رواه الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر الحديث.” والأبتر هو المنقطع الآخر، فالأنسب أن متعلق الباء في البسملة ابتدا بالمعنى الذي ذكرناه وقد ابتدأ بها الكلام بما أنه فعل من الأفعال، فلا محالة له معنى ذا وحدة، وهو المعنى المقصود إفهامه من إلقاء الكلام، والغرض المحصل منه، وقد ذكر الله سبحانه الغرض المحصل من كلامه الذي هو جملة القرآن إذ قال تعالى: ((قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله.)) الآية المائدة – 16. إلى غير ذلك من الآيات التي أفاد فيها: أن الغاية من كتابه وكلامه هداية العباد.
فالهداية جمله هي المبتدأة باسم الله الرحمن الرحيم، فهو الله الذي إليه مرجع العباد، وهو الرحمن الرحيم يبين لعباده سبيل رحمته العامة للمؤمن والكافر مما فيه خيرهم في وجودهم وحياتهم، وهو الرحيم يبين لهم سبيل رحمته الخاصة بالمؤمنين وهو سعادة آخرتهم ولقاء ربهم، وقد قال تعالى: ((ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون.)) الأعراف – 156، فهذا بالنسبة إلى جملة القرآن.
ثم أنه سبحانه كرر ذكر السورة في كلامه كثيرا كقوله تعالى: ((فاتوا بسورة مثله.)) يونس – 38، وقوله: ((فاتوا بعشر سور مثله مفتريات.)) هود – 13، وقوله تعالى: ((إذا أنزلت سورة.)) التوبة – 86، وقوله: ((سورة أنزلناها وفرضناها.)) النور – 1، فبان لنا من ذلك: أن لكل طائفة من هذه الطوائف من كلامه التي فصلها قطعا قطعا، وسمى كل قطعة سورة نوعا من وحدة التأليف والتمام، لا يوجد بين ابعاض من سورة ولا بين سورة وسورة، ومن هنا نعلم: أن الاغراض والمقاصد المحصلة من السور مختلفة، وأن كل واحدة منها مسوقة لبيان معنى خاص ولغرض محصل لا تتم السورة إلا بتمامه، وعلى هذا فالبسملة في مبتدأ كل سورة راجعة إلى الغرض الخاص من تلك السورة.
فالبسملة في سورة الحمد راجعة إلى غرض السورة والمعنى المحصل منه، والغرض الذي يدل عليه سرد الكلام في هذه السورة هو حمد الله بإظهار العبودية له سبحانه بالإفصاح عن العبادة والإستعانة وسؤال الهداية، فهو كلام يتكلم به الله سبحانه نيابة عن العبد، ليكون متأدبا في مقام إظهار العبودية بما أدبه الله به، وإظهار العبودية من العبد هو العمل الذي يتلبس به العبد، والأمر ذو البال الذي يقدم عليه، فالإبتداء باسم الله سبحانه الرحمن الرحيم راجع إليه، فالمعنى باسمك أظهر لك العبودية.
فمتعلق الباء في بسملة الحمد الإبتداء ويراد به تتميم الإخلاص في مقام العبودية بالتخاطب، وربما يقال: أنه الإستعانة ولا بأس، ولكن الإبتداء أنسب لاشتمال السورة على الإستعانة صريحا في قوله تعالى: ((وإياك نستعين.))
وأما الإسم، فهو اللفظ الدال على المسمى مشتق من السمة بمعنى العلامة، أو من السمو بمعنى الرفعة، وكيف كان فالذي يعرفه من اللغة والعرف هو اللفظ الدال. ويستلزم ذلك أن يكون غير المسمى، وأما الإسم بمعنى الذت مأخوذا بوصف من أوصافه فهو من الأعيان لا من الألفاظ وهو مسمى الإسم بالمعنى الأول كما أن لفظ العالم (من أسماء الله تعالى) إسم يدل على مسماه وهو الذات مأخوذة بوصف العلم وهو بعينه اسم بالنسبة إلى الذات الذي لا خبر عنه إلا بوصف من أوصافه ونعت من نعوته والسبب في ذلك أنهم وجدوا لفظ الإسم موضوعا للدال على المسمى من الإلفاظ، ثم وجدوا أن الأوصاف المأخوذة على وجه تحكي عن الذات وتدل عليه حالها حال اللفظ المسمى بالإسم في أنها تدل على ذوات خارحية، فسموا هذه الأوصاف الدالة على الذوات أيضا أسماء فأنتج ذلك أن الإسم كما يكون أمرا لفظيا كذلك يكون أمرا عينيا، ثم وجدوا أن الدال على الذت القريب منه هو الإسم بالمعنى الثاني المأخوذ بالتحليل، وأن الإسم بالمعنى الأول إنما يدل على الذت بواسطته، وذلك سموا الذي بالمعنى الثاني إسما والذي بالمعنى الأول أسم الإسم، هذا ولكن هذا كله أمر أدى إليه التحليل النظري ولا ينبغي أن يحمل على اللغة، فالإسم بحسب ما ذكرناه.
وقد شاع النزاع بين المتكلمين في الصدر الأول من الإسلام في أن الإسم عين المسمى أو غيره، وطالت المشاجرات فيه، ولكن هذا النوع من المسائل قد اتضحت اليوم اتضاحا يبلغ حد الضرورة، ولا يجوز الإشتغال بها بذكر ما قيل وما يقال فيها والعناية بإبطال ما هو الباطل وإحقاق ما هو الحق فيها، فالصفح عن ذلك أولى.
وأما لفظ الجلالة، فالله أصله الإله، وحذفت الهمزة لكثرة الإستعمال، واله من اله الرجل ياله بمعنى عبد، أو من اله الرجل أو وله الرجل أي تحير، فهو فعال بكسر الفاء بمعنى المفعول ككتاب بمعنى المكتوب، سمي إلها لأنه معبودا ولأنه مما تحيرت في ذاته العقول، والظاهر أنه علم بالغلبة، وقد كان مستعملا دائرا في الألسن قبل نزول القرآن يعرفه العرب الجاهلي كما يشعر به قوله تعالى: ((ولان سألتهم من خلقهم ليقولن الله.)) زخرف – 87. وقوله تعالى: ((فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا.)) انعام – 136. ومما يدل على كونه علما أنه يوصف بجميع الأسماء الحسنى وسائر أفعاله المأخوذة من تلك الأسماء من غير عكس، فيقال: الله الرحمن الرحيم، ويقال: رحم الله وعلم الله ورزق الله. ولا يقع لفظ الجلالة صفة لشيء منها، ولا يؤخذ منه ما يوصف به شيء منها، ولما كان وجوده سبحانه وهو إله كل شيء يهدي إلى اتصافه بجميع الصفات الكمالية، كانت الجميع مدلولا عليه بالإلتزام، وصح ما قيل أن لفظ الجلالة اسم للذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال وإلا فهو علم بالغلبة لم تعمل فيه عناية غير ما يدل عليه مادة اله.
بحث روائي
في العيون والمعاني عن الرضا عليه السلام في معنى قوله تعالى: بسم الله، قال عليه السلام: ((يعني اسم نفسي بسمة من سمات الله وهي العبادة.)) قيل له: ما السمة؟ قال العلامة أقول وهذا المعنى كالمتولد من المعنى الذي أشرنا إليه في كون الباء للإبتداء فإن العبد إذا وسم عبادته باسم الله لزم ذلك أن يسم نفسه التي ينسب العبادة إليها بسمة سماته. وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام وفي العيون وتفسير العياشي عن الرضا عليه السلام انها أقرب إلى إسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها. أقول: وسيجيء معنى الرواية في الكلام على الإسم الأعظم. وفي العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام: ((انها من الفاتحة وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأقرأها ويعدها آية منها ويقول فاتحة الكتاب هي السبع المثاني.)) أقول: وروي عن طرق أهل السنة والجماعة نظير هذا المعنى فعن الدار قطنى عن أبي هريره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا قرأتم الحمد لله فاقرأوا ((بسم الله الرحمن الرحيم))، فإنها أم القرآن والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيمإحدى آياتها.)) وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال: ((ما لهم؟ عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها.)) وعن الباقر عليه السلام: ((سرقوا أكرم آية في كتاب الله، ((بسم الله الرحمن الرحيم))، وينبغي الإتيان به عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه.)) أقول: والروايات عن أئمة أهل البيت في هذا المعنى كثيرة، وهي جميعا تدل على أن البسملة جزء من كل سورة إلى سورة البراءة، وفي روايات أهل السنة ما يدل على ذلك. ففيصحيح مسلم عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنزل على آنفا سورة فقرا: ((بسم الله الرحمن الرحيم)).)) معن أبي داود عن ابن العباس (وقد صححوا سندها) قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يعرف فصل السورة، (وفي رواية انقضاء السورة) حتى ينزل عليه، بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: وروي هذا المعنى من طرق الخاصة عن الباقر عليه السلام.
من تفسير الإمام الحسن العسكري (ع)
قال الإمام عليه السلام: ((“الله” هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق (و) عند انقطاع الرجاء من كل من دونه وتقطع الأسباب من جميع من سواه فيقول: “بسم الله (الرحمن الرحيم)” أي أستعين على أموري كلها بالله الذي الذي لا تحق العبادة إلا له، المغيث إذا استغيث، والمحيب إذا دعي.)) قال الإمام عليه السلام وهو ما قال رجل للصادق عليه السلام: ((يابن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر المجادلون علي وحيروني)) فقال (له): ((يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟)) فقال: ((بلى،)) فقال: ((هل كسرت بك سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟)) فقال: ((بلى)) قال: ((فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟)) قال: (( بلى)) قال الصادق عليه السلام: ((فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي، وعلى الإغاثة حين لا مغيث.))