ما مناسك الحج

الحج

فَرضَ الله سُبحانه وتعالى على عباده الحجِّ إلى بيته مَرّةً واحدةً في العمر، والحجُّ هو الفَريضة الوَحيدة التي يجب أداؤها مرّةً فقط على خلاف باقي العبادات. إنّ مَناسك الحجّ لم يأتِ لها تفصيلٌ أو ذكرٌ في القرآن الكريم فقد جاء بيانها في سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث ثبت أنّه قال لأصحابِه في حجة الوداع: (خذوا عنّي مناسكَكم، لَعلِّي لا أراكم بعدَ عامي هذا)،[١]

أحسَن الصحابة في فهمِ مراد النبي – صلى الله عليه وسلم – من حديثه في حجة الوداع فبدؤوا بسُؤاله حول جميع تفاصيل الحج، حتى ظهرت واستقرّت من فعله – صلى الله عليه وسلم – جميع مَناسك الحجّ لمن يأتي بعد عهد الصحابة من المسلمين ولم يشهد الحجّ مع النبي – صلى الله عليه وسلم، فما هي مناسك الحج؟ وما هي كيفياته؟

مناسك الحج

أركان الحج

كما أنَّ لكلِّ فَريضةٍ من فرائض الإسلام أركاناً فإنّ للحج أركاناً أربعةً، لا ينبغي ترك أحدها، ومن تَرك واحدةً من تلك الأركان حتى خرج وقتها فقد بطل حجه، وبيان تلك الأركان كالآتي:[٢]

  • الإحرام: ويُقصد به أن ينوي الحاج الدخول في نُسُك الحج، ويكون ذلك ضمنَ الوقت المُحدّد لهُ شَرعاً – أشهر الحج – وأن يكون من المواقيت المُحدّدة له – المواقيت المكانية – أو ما قبلها، فمن نوى الحجّ بعد أن تجاوز الميقات المكاني أو قبل دخول أشهر الحج لم يجز له ذلك.
  • الوقوف بِعرفة: إنّ من أهمِّ أركان الحج وأكثرها قيمةً معنويةً في الإسلام هو الوقوف بعرفة، حتى إنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قد جعل الحج محصوراً بهذا الرُّكن فقال: (الحجُّ عرفةُ ، فمن أدرك ليلةَ عرفةَ قبل طلوعِ الفجرِ من ليلةِ جُمَعٍ فقد تمَّ حجُّه)،[٣] ويُقصد بقوله (من ليلة جمع) أي: المُزدَلفة، ويبتدئ وقت يوم عرفة من زوال شمس اليوم التاسع من شهر ذي الحجة حتى طُلوع فجر يوم النحر، وقيل بل بدايته تكون من طلوع فجر اليوم التاسع، ويَمتدّ إلى طُلوع فجر يوم النحر، فمن أدرك من ذلك لحظةً واحدةً فقد أدرَكَ الوقوف وكان حجّه جائزاً، ويُشار إلى أنّ المُراد في وقوف عرفة الوقوف في أيّ جُزءٍ من مشعر عرفة، أما جبل الرحمة الذي يقف عليه الحجاج فليس له أيّ رمزيةٍ في الحج، وإنما كلُّ عرفة موقف.
  • طواف الإفاضة: يكون بعد انتهاء الوقوف بعرفة ومزدلفة، ولا يوجد وقتٌ لآخره عند جمهور الفقهاء، بل يستمرّ وقت طواف الإفاضة حتى يأتي به الحاجّ ما دام حيّاً، وقد اختلفَ الخلاف في استحقاق الهديِ على من أخّره إلى ما بعد انتهاء أيّام التشريق، أمّا ثبوت طواف الإفاضة فمأخوذٌ من قوله سبحانه: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).[٤]
  • السعي بين الصفا والمروة: يَجب على الحاج أن يَسعى بين الصّفا والمروة بعد أن يطوفَ طواف الإفاضة، وبعد أن يُتمّ الوُقوف بعرفة والمَبيت بمزدلفة، ويكون ذلك للحاج متمتّعاً أمّا المفرد والقارن فسعيهما يكون بعد طواف القدوم.

واجبات الحج

بعد أن يُحرم الحاج من ميقاته يجب عليه أن يأتي بمَجموعةٍ من الواجبات، وتلك الواجبات أقلّ دَرجةً من الأركان؛ حيث إنَّ من ترك شيئاً منها لم يبطل حجه بل وجب عليه الهدي لقاء ذلك، وبيان تلك الواجبات كالآتي:[٥][٢]

  • التلبية، وتكون بأن يقول الحاج بعد الإحرام: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”، وقد ورد الأمر بالتلبية في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث يروي زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاءَني جبريلُ فقالَ يا محمَّدُ مُر أصحابَكَ فليَرفَعوا أصواتَهُم بالتَّلبيةِ فإنَّها مِن شعارِ الحجِّ)،[٦] والواجب في التلبية مجرّد ذكرها ولو مرة، فإن ذكرها الحاج مرّةً ثم توقّف عن التلبية سقط الوجوب عنه، ويُعتبر الاستمرار بالتلبية سُنّةً مُستحبّةً من سُنن الحج.
  • طواف القدوم: هو واجبٌ عند المالكيّة، أمّا جمهور الفقهاء فقد اعتبروه سُنّةً مؤكّدةً لا واجباً.
  • طواف الوداع: اعتبره الجمهور غير المالكيّة سنّةً لا واجباً، وقد أُجيز للحائضِ والنفساء وأهل مكّة بترك هذا الطواف دون لزوم دمٍ أو بُطلان حجهم.
  • المبيت بمزدلفة: يَكون بعد الانتِهاء من الوُقوف بعَرفة، ويجوز للحاج التحرّك منه بعد مُنتصف الليل لمَن كان عاجِزاً عنه أو كانت لديه أعمالٌ أخرى مُتعلّقةٌ بالحج.
  • رمي جمرات يوم النحر: تَكون بأن يرمي الحاج سبع حُصيّاتٍ في موضع الرمي، ووقتها يبدأ من شروق شمس يوم النحر – اليوم الأول من أيام عيد الأضحى – إلى زوال الشمس من ذلك اليوم، أمّا من لم يَتمكّن من رميها في ذلك الوقت فيجوز له أن يَرميها في أيّ وَقتٍ من ذلك اليوم إلى الغروب، وإن عجز عن ذلك رماها أوّل أيّام التشريق.
  • المَبيت في مِنى: وذلك أيام التشريق؛ فمن أراد أن يتعجّل في يومين جاز له ذلك، والتأخير أفضل، أمّا من اختار التعجيل فيجب عليه الخروج من مكّة قبل الغروب فإن استمرّ وجوده فيها إلى الغروب وجب عليه التأخير.
  • رمي جمرات العقبة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى على الترتيب، كُلّ واحدةٍ بسبع حصيّات، ويكون وقت الرمي ما بين الزوال والغروب من كلّ يومٍ من أيّام التشريق.
  • حلق الشعر أو تقصيره للرجال دون النساء.

مستحبات الحج

للحَجّ مجموعةٌ من المستحبّات، منها:
[٥][٢]

  • الإحرام في إزار ورداء أبيضين للرّجال دون النساء، أمّا المرأة فلها أن تحرم في أيّ ثوبٍ شاءت ويُكره لها البياض.
  • الاغتسال للإحرام.
  • الإحرام بعد الصلاة المكتوبة، فإن لم يُناسب وقت الإحرام وقت الصلاة أحرم بعد أن يُصلّي ركعتين في غير أوقات الكراهة.
  • الاغتسال لوقفة عرفة.
  • يُستحب في الطواف استلام الركنين؛ الحَجَر الأسود، والركن اليماني، وإن لم يستطع الحاج أشار إليهما بيده بعد أن يصل إلى محاذاتهما.
  • صلاة ركعتيْ الطواف خلف المقام أو في أيّ مكانٍ من الحرم.
  • يُستحب أن يقول عند بداية كل شوط في الطواف: “بسم الله والله أكبر”.
  • التقاط الجمار لجمرة العقبة من مُزدلفة.
  • يُستحبّ الإكثار من الذكر والدعاء وقول لا إله إلا الله يوم عرفة وبعده وأثناء الطّواف.[٥][٢]

حكم الحج

الحج فرض عينٍ على كُلّ مُسلمٍ ومُسلمةٍ قادرٍ عليه جسدياً ومالياً بالغٍ عاقل، ويجب مرّةً في العمر، [٧][٨] وقد ثبت ذلك في قول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[٩]

والسنة النبوية دلّت على ذلك مما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإسلامُ على خَمسٍ؛ علَى أنْ يُعبَدَ الله ويُكْفَرَ بمَا دونَهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ، وصومِ رمضانَ)[١٠]

مواقيت الحج

المواقيت هي ظرف وحال العبادة، سواءً تعلّق ذلك الحال بمكان العبادة أو زمانها، ويُقصد هُنا تحديداً المكان والزمان والكيفيّة التي حدّدها الشرع للإحرام بالحج، وتَتعلّق به صحّة وقبول الحج، وتنقسم مواقيت الحج بناءً على ذلك إلى مواقيت زمانية، ومواقيت مكانية، وبيان ذلك على التفصيل الآتي:[٥]

  • المواقيت الزمانية: تَشمل المواقيت الزمانيّة الأشهر التي يبتدئ ويَنتهي بها الحج، ولا يجوز للمُسلم أن يشرع في الحجّ خلافاً لها، وقد سُمّيت تلك الأشهر بأشهر الحج، وهي على الترتيب: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة.
  • المواقيت المكانية: المواقيت المكانيّة هي مَناطق مُحدّدة ثابتة عَيّنها النبيّ – صلى الله عليه وسلم – لمن خرج من بلاده قاصداً بيت الله لأداء الحجّ أو العمرة، وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – لأهل كلّ مَنطقةٍ نقطَةً خاصّةً لا يجوز لهم تجاوزها إلا بعد أن يُحرموا للحجّ منها وينوون الحج، وقد حدّد النبيُّ لذلك خمسة أماكن هي:
    • ذو الحليفة: هي مَنطقة تبعُد عن مكّة ما يُقارب 450 كم تقريباً، وتلك المنطقة ميقات أهل المدينة ومن مرَّ به من غير أهل المدينة.
    • الجحفة: هي منطقةٌ تبعد عن مكة المكرمة ما يقارب 204 كم، وهي ميقات أهل الشام وجميع من مرّوا بها من غيرهم.
    • يلملم: هو ميقات أهل اليمن وجميع من مرّ به من غير أهل اليمن، ويبعد ميقات يلملم عن مَكّة المُكرّمة ما يُقارب 54 كم فقط.
    • قرن المنازل: هي مَنطقة تبعُد عن مكّة المكرمة ما يقارب 94 كم، وتلك المنطقة هي ميقات أهل نجد أو من مرَّ بها من غير أهل نجد.
    • ذات عرق: هي مَنطقةٌ تبعد عن مكّة 94 كم أيضاً كميقات قرن المنازل، وذات عرق هو ميقات أهلِ العراق ومن مرّ به من غير أهل العراق.

مَن كان قريباً من مكّة المكرمة ولم تُصادفه إحدى هذه المواقيت في طريقه إليها كون مكان سكنه أقرب منها فميقاته منزله ومحل سكنه، وأهل مكّة ميقاتهم كذلك مكّة نفسها لمن أراد الحج، أمّا من أراد العمرة من أهل مكة فيُحرم لها من أدنى مَنطقة الحل أو ما يُحاذي مكان الميقات إن عَرفه، ويُسنُّ لمن خشي أن يفوته ميقاته لعائقٍ لا يَستطيع منعه أو سببٍ إداريٍ أو غيره، أو نسيان مكان ميقاته أو نحو ذلك أن يقول: “لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث حبستني”، فإذا تحقّق ذلك ولم يستطع الإحرام فيكون قد سقط عنه الإحرام بتلك النيّة.[٥]

أنواع الإحرام للحج

يَجوزُ للّذي ينوي الحجّ بعد أن يصل إلى الميقات الزماني الذي حُدّد له كما هو مُبينٌ في التفصيل السابق، وبعد أن تدخل أشهر الحج – المواقيت الزمانية – أن يَختارَ نَوعَاً من كيفيّات الحجّ وأنواعه التي سيكون عليها نُسُكه وحجّه من ابتدائِه إلى نهايته، وبناءً على تلك النيّة تتحدّد أعماله في الحج، وفيما يلي بيان تلك الأنواع ونُسكها وكيفيّتها الخاصة:[٥]

  • حج التمتع: يُقصد بذلك أن يُحرم الحاج بالعمرة عندما يصل إلى ميقات الحج، ويترك الإحرام بالحجّ إلى وقتٍ آخر، فيقول عند إحرامه: لبيك اللهمّ عمرة أو لبيك عمرة، ويصحُّ له أن يؤخّر الإحرام بالحج إلى يوم التروية إلى قُبيل مغيب شمس يوم عرفة ولو بساعة، ويكون عليه لقاء تمتّعه ذبح الهدي، فإن أحرم بالعمرة قبل مواقيت الحج الزمانية – أشهر الحج – فلا يُسمّى مُتمتعاً بل مُعتمراً، ويجب عليه أن يعود إلى منطقةِ الإحرام ليُحرم بالحج من جديد ويختار النوع الذي ينوي الحج بناءً عليه.
  • حج الإفراد: في هذا النوعِ من أنواعِ الإحرام بالحجّ يُحرم الحاج بالحج وحده دونَ العُمرة، ويكون ذلك بأن يقول: لبيك اللهم حَجاً، حتى إذا وصلَ مكّة طاف طواف القدوم وسعى للحج، وبقي على إحرامِه حتى الانتهاء من جميع أركان الحج برمي الجمرات والحلق يوم العيد.
  • حج القِران أو القارن: يُقصد بذلك أن يحرم الحاج بالحج والعمرة معاً، فيقول: لبيك اللهم عمرةً وحجاً، أو أن يُحرم بالعمرة ثم يُدخل الحج عليها قبل أن يبدأ في الطّواف للعمرة، والقارن في أعماله ونُسكه كالمفرد إلا أنّه يُلبّي بالعمرة والحجّ معاً ولا يجوز له أن يَتحلّلَ من إحرامِه إلى أن ينتهي من مَناسك الحجّ بالرمي والحلق في أوّل أيام العيد، ويجب عليه الهدي كالتمتّع.

المراجع

  1. رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 6/183، إسناده صحيح.
  2. ^ أ ب ت ث “أركان الحج وواجباته وسننه”، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2017. بتصرّف.
  3. رواه ابن حزم، في حجة الوداع، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي، الصفحة أو الرقم: 176، إسناده صحيح.
  4. سورة الحج، آية: 29.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح “مناسك الحج – رحلة الذنب المغفور”، الجزيرة ، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2017. بتصرّف.
  6. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن زيد بن خالد الجهني، الصفحة أو الرقم: 2382، صحيح.
  7. الأستاذ الدكتور موسى شاهين لاشين (2002)، فتح المنعم شرح صحيح مسلم (الطبعة الأولى)، الأردن: دار الشروق، صفحة 386، جزء 5. بتصرّف.
  8. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل ، صفحة 23، جزء 17. بتصرّف.
  9. سورة آل عمران، آية: 97.
  10. رواه مسلم بن الحجاج، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح.