فضل صيام رمضان وستة من شوال
رمضان وشوّال
يُعَدّ كلٌّ من شهر رمضان وشهر شوّال من شهور السنة الهجريّة؛ فرمضان هو الشهر التاسع منها، وشوّال هو الشهر العاشر، ويليه ذو القعدة،[١] وقد شاء الله -تعالى- أن يكون لكلّ عملٍ من الأعمال الصالحة فضيلةً وأجراً؛ ليُقبل العبد على تلك الأعمال بهمّةٍ وعزيمةٍ، وقد رتّب الله على أداء العبادات؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وزكاةٍ، وحجٍّ، وغيرها الكثير من الأُجور؛ فمعرفة تلك الأُجور والفضائل سببٌ في إقبال المسلم عليها بشَغفٍ، فلا ينشغل عنها بشيءٍ آخر، ويحفظ بها وَقْته، وينال بذلك ما وعده به ربّه، قال -تعالى-: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ).[٢][٣]
فَضْل صيام ستّةٍ من شوّال بعد رمضان
رُوِيت العديد من الأحاديث النبويّة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- التي تُبيّن فَضْل صيام ستّة أيّامٍ من شوّال بعد شهر رمضان، منها: قَوْله -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)،[٤][٥] وقال أيضاً فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي أيّوب الأنصاريّ -رضي الله عنه-: (مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ)،[٦][٧] ويُستدَلّ ممّا سبق على سُنّية صيام ستّة أيامٍ في شهر شوّال، ويصحّ صيامها مُتفرِّقةً، أو مُتتابِعةً؛ من أوّل الشهر، أو أوسطه، أو آخره.[٨]
ويُقصَد بقَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: “كان كصِيام الدّهر”؛ أي أنّ أَجْر صيام ستّة أيّامٍ من شوّال بعد رمضان يعدل أَجْر صيام الدّهْر في الأجر والثواب؛ ذلك أنّ الحسنة تُضاعَف إلى عشْر أمثالها؛ قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (جعل اللهُ الحسنةَ بعشر أمثالِها، الشهرُ بعشرةِ أشهرٍ، وصيامُ ستةِ أيامٍ بعد الشهرِ تمامُ السَّنةِ)،[٩] وبذلك فإنّ شهر رمضان المبارك يَعْدِل أَجر صيام ثلاثمئة يومٍ؛ أي عشرة أشهرٍ، أمّا الستّة من شوّال فتَعدل أجر صيام ستّين يوماً؛ أي شهرَين، كما أنّ صيام ستّة أيّامٍ من شوّال بعد رمضان فيه شُكْرٌ لله -عزّ وجلّ- على نِعَمه وتوفيقه، كما يدلّ على حبّ الأعمال الصالحة، ومواصلة الخير في الطاعات، وقال ابن رجب -رحمه الله- إنّ صيام شوّال وشعبان كصلاة السُّنَن الرواتب؛ في جَبْر الخلل والنقص الذي قد يقع في الفرائض، فيكمل أجر الفرائض بالنوافل، ويُضاف إلى ذلك أنّ صيام الستّة من شوّال علامةٌ من علامات قبول الله -عزّ وجلّ- لصيام رمضان؛ فإذا تقبّل الله -تعالى- العمل من عبده، وفّقه لعمل خيرٍ آخر بعده.[١٠]
فَضْل صيام رمضان
تترتّب العديد من الفضائل والثمار على صيام شهر رمضان، وقد بيّنتها الأحاديث المَرويّة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وبيان ذلك آتياً:
- تكفير الذنوب والمعاصي؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).[١١][٧]
- وقايةٌ وحمايةٌ للمسلم من آثار الفِتن التي قد يتعرّض له؛ في بيته، أو أهله، أو ماله؛ أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ ومالِهِ ووَلَدِهِ وجارِهِ، تُكَفِّرُها الصَّلاةُ والصَّوْمُ والصَّدَقَةُ، والأمْرُ والنَّهْيُ).[١٢][١٣]
- إضافة أجر الصيام وثوابه لله -سبحانه- وحده؛ فهو الذي يجزي الصائمين على صيامهم بغير حسابٍ، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ-: (إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي).[١٤][١٥]
- تحقيق التقوى في القلوب؛ إذ إنّ الصيام سببٌ من أسباب زيادة التقوى والإيمان في القلوب، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[١٦][١٧]
- إدراك الخير العظيم المُترتِّب على الصيام؛ ففي الصيام خيرٌ لا يدركه العبد، قال -تعالى-: (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).[١٨][١٧]
*الحماية من الوقوع في الشهوات؛ إذ إنّ الصيام يكسر حِدّة الشهوة، ويُضعفها؛ فقد حثّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الشباب على الصيام إن تعذّرت المقدرة على الزواج، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنهما-، أنّ النبيّ -صلىّ الله عليه وسلّم- قال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ).[١٩][١٧]
- تحقيق البُعد عن دخول النار، فصيام يومٍ في سبيل الله يُبعد العبد عن النار مسافةً تُقدّر بسبعين سنةً، كما ثبت في الصحيح عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إذ قال: (مَن صَامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).[٢٠][١٧]
- نَيْل الأجر العظيم من الله -سبحانه-، قال النبيّ في ذلك: (كلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِئَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ).[٢١][٧]
- دخول الصائمين إلى الجنّة في الحياة الآخرة من بابٍ خاصٍّ بهم لا يدخل منه غيرهم، ثبت في صحيح البخاريّ عن سهل بن سعد الساعديّ، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ).[٢٢][٢٣]
المراجع
- ↑ “تعريف و معنى شوال في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، 2020-3-29. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 97.
- ↑ محمد بن إبراهيم التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، الأردن: بيت الأفكار الدولية، صفحة 138، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن ثوبان مولى رسول الله، الصفحة أو الرقم: 6328، صحيح.
- ↑ صهيب عبد الجبار (2013)، المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة، صفحة 369، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 1164، صحيح .
- ^ أ ب ت أمين الشقاوي (2013)، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (الطبعة الثامنة)، صفحة 72-74 جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن جبرين، شرح أخصر المختصرات (دروس صوتية )، صفحة 17، جزء 16. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 3094، صحيح.
- ↑ “من صام رمضان ثم أتبعه ستا”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-4-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2014، صحيح .
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جرير بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 525، صحيح .
- ↑ ناصر آل متعب، قبسات من هدي النبي في رمضان ، صفحة 12، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1151، صحيح .
- ↑ عبد الله بن صالح القصير، تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام (الطبعة الثانية)، السعودية : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 18-21. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 183.
- ^ أ ب ت ث سعيد بن وهف القحطاني، فضائل الصيام وقيام صلاة التراويح، الرياض : مطبعة سفير، صفحة 8-13 جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 184.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1400، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1153، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1151، صحيح .
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 1896، صحيح.
- ↑ الفقه الميسر (2011)، عبد الله الطيار (الطبعة الأولى)، السعودية : مدار الوطن، صفحة 12-13، جزء 3. بتصرّف.