وسائل مؤدية إلى الهداية

الثبات على الهداية

أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، وفي هذا الزمان ومع انتشار الفتن، أصبح لا بدّ للإنسان من معرفة نعمة الهداية من الله عليه، وتوفيقه له بأن رزقه الثبات عليها، والسير على الطرق المؤدّية إلى الهداية لهي من أعظم النعم التي أنعمها الله -تعالى- على عباده، فترى كثيراً من الناس يتمنون السير على هذا الطريق، إلا أن العوائق تحول بينهم وبين الوصول إلى ما يريدون، ولا يكون الوصول إلا بتوفيق الله لهم، فالهداية في أولها تكون بيان للحق ودلالة إليه، ثم إذا حققها الإنسان تأتي بعدها هداية التوفيق من الله تعالى، والله أنعم علينا بهداية الدلالة عن طريق إرسال الرسل ودعوتهم إلى طريق الحق، ثم يأتي بعد هذه الهداية أنواع كثيرة أوصلها ابن القيم في كتابه مدارج السالكين إلى عشر مراتب.[١]

وحاجة الإنسان لهداية الله لا تقتصر على الدنيا فقط؛ وإنما يمتد أثرها ونفعها إلى الآخرة، والهداية تكون عن طريق الدعاء بمعرفة طريق الحق ثم التوفيق للعمل به، وعليه ينبغي على العبد أن يعلم مدى حاجته إلى دعاء الله، وعدم ركونه إلى الهداية الأولى، فالذي يجهله الإنسان أضعاف ما يعلمه، وهو بحاجة إلى الهداية التامة، ولا ننسى أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الله يقلّبها كيف يشاء، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ قلوبَ بَني آدمَ كلَّها بينَ إصبَعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ كقَلبِ واحِدٍ، يصرِفُهُ حيثُ يشاءُ)،[٢] فهو في حاجة دائمة إلى العون والثبات من الله، فإذا كانت القلوب بهذه الحالة؛ والهداية نعمة كسائر النعم يصيبها ما يصيب النعم الأخرى، فعلى المسلم أن يعتني بهذ النعمة، ويحافظ عليها ويسأل الله أن يثبّته عليها، فلولا تثبيت الله له عليها ما دامت على مسلم.[١]

الوسائل المؤدية إلى الهداية

إن الهداية هي الهدف والغاية التي يسعى إليها كل مسلم، ومن أجل أهميتها فقد شرع الإسلام الدعاء بتحصيلها في كل ركعة من ركعات الصلوات المفروضة، فيقول المسلم داعياً ربه: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)،[٣] وللهداية أسباب جاء بيانها فيما أنزله الله -تعالى- في كتابه، وفيما ورد عن رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وفيما يأتي بيان لهذه الأسباب بشكلٍ مفصّلٍ:[٤]

  • سعة الصدر وانشراحه للإسلام ولِما جاء به من التعاليم: قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا)،[٥] وأعظم ما يساعد على انشراح الصدر هو التوحيد الذي لا يخالطه ريب، أما الشرك فهو المسبب الرئيس لضيق الصدر، ولما كان التوحيد هو أساس الهداية، فإنه لا يكون حقاً إلا بالقيام بالأعمال الصالحة التي أمر الله بها، وعليه فإن من اتبع شهواته وأهواء نفسه أظلمت الدنيا في عينيه وأُغلقت الأبواب في وجهه.
  • الدوام على ذكر الله تعالى: فعندما ينطق اللسان بالذكر يرتبط القلب بالله، مما يؤدي إلى اطمئنان القلب وانشراحه، قال تعالى: (أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ)،[٦] كما أن من ذكر الله فإن الله يذكره، ومن تكاسل عن ذكر الله تسلّط عليه الشيطان.
  • قراءة القرآن الكريم بتدبّر وتمعّن حتى يحصل الفهم: فالقرآن الكريم يعدّ من ذكر الله، وإنما جاء الإفراد به لأهميته وعظيم أثره، وهو من أسباب الهداية التي يمتد أثرها في الدنيا والآخرة.
  • التفكر في خلق السماوات والأرض، والتأمل في الكون: فبعد ذلك يعود الإنسان من رحلته في تفكره إلى حالة من الهداية والخضوع التام لله تعالى، وكما يتفكر الإنسان في خلق الله فإنه يتفكر في نفسه، كما قال تعالى: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)،[٧] فيزداد إيمانه لما يرى من عجيب خلق الله وقدرته فيه.
  • الصحبة الصالحة: فالمرء يسير على دين خليله، فقد شبه رسول الله الصاحب الصالح بحامل المسك، لِما فيه من الأثر على جليسه، وشبه صاحب السوء بنافخ الكير، لِما في من الضرر على من يجالسه.
  • الدعاء: فالتضرّع إلى الله تعالى، وسؤاله التوفيق على الطاعات والهداية، والإلحاح في ذلك بصدق، من أعظم أسباب الهداية، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).[٨][٩]
  • حضور حلقات العلم: بالجلوس مع أهل الخير والعلماء والمشايخ للفائدة والعلم.[٩]
  • توحيد الله تعالى: وذلك بإفراده -عز وجل- بالعبادة، قال تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)،[١٠] وبالمقابل فإن الضلال والشرك يؤدي إلى ضيق الصدر، فتطهير القلب من الشبهات، وإبعاد النفس عن المنكرات والفتن، والإكثار من الطاعات، يحمي المسلم من الاستسلام للشيطان والهوى.[١١]

مراتب الهداية

يفهم الكثير من الناس مسألة الهداية، ويزعمون أن الله يهدي من يشاء ويُضل من يشاء، وأن ما يصدر عنهم من المعاصي والذنوب إنما هو من قدَر الله عليهم وأنه واقع بهم لا محالة، والقرآن يعالج فهم هذه المشكلة عن طريق بيانه لمراتب الهداية وأنواعها، وفيما يأتي بيان لهذه الأنواع والمراتب بشكلٍ مفصّل:[١٢]

  • الهداية العامة: وهي هداية الله لجميع المخلوقات، حيث إن الله -عز وجل- يعلم ما يصلح شأن ومعاش كل نفس، ومن فطرتها أنها تجلب النفع لنفسها، وتدفع الضر عنها، وهذه المرتبة هي أعم مراتب الهداية، وهي أنواع كثيرة، مثل النحل التي هداها الله لسلك سبلها، ومن ثم عودتها إلى بيوتها في الجبال والشجر وما يعرش الإنسان، وكذلك النملة هداها لأن تخرج من بيتها باحثة عن رزقها ومن ثم عودتها إليه.
  • هداية الدلالة والبيان والإرشاد: وهذه الهداية هي وظيفة الرسل وما جاءوا به من الكتب، وهي خاصة بالمكلَّفين من عباد الله، والمقصودة من قوله -تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[١٣] ومن ناحية الخصوصية فهي أخص من الهداية العامة، وهي محطّ الحجة من الله على عباده، حيث إن الله لا يُعذب أحداً دون إرسال الرسل وإقامة الحجة عليه.
  • هداية التوفيق والإلهام والمعونة: ولا تكون إلا من الله تعالى، يهبُها من يشاء من عباده بعد أن يستوفي شروطها وأسبابها، وتأتي في المرتبة بعد هداية البيان، وهذا النوع من الهداية منفي عن المنافقين والكافرين والفاسقين.
  • الهداية إلى الجنة والنار يوم القيامة: والمقصود بها السير على الصراط الموصل إلى الجنة أو النار وسرعة هذا السير، وعلى قدر ثبات الإنسان في الدنيا يكون ثباته على الصراط يوم القيامة.

المراجع

  1. ^ أ ب أحمد الفقيهي (10-10-2009)، “الهداية والثبات عليها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 2654، صحيح.
  3. سورة الفاتحة، آية: 6.
  4. عبدالله الزاحم (24-11-2014)، “من أسباب الهداية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.
  5. سورة الأنعام، آية: 125.
  6. سورة الرعد، آية: 28.
  7. سورة الذاريات، آية: 21.
  8. سورة غافر، آية: 60.
  9. ^ أ ب “من أسباب الهداية”، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.
  10. سورة الأنعام، آية: 125.
  11. محمد السبر، “طريق الهداية”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.
  12. محمد حسان (16-5-2010)، “مراتب الهداية في القرآن الكريم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2019. بتصرّف.
  13. سورة الشورى، آية: 52.