ما هي أقسام الطهارة

تعريف الطهارة

الطهارةُ لغة: تأتي بمعنى النظافةُ والنزاهة عن الأنجاسِ والأدناسِ الحسية، والمعنويّةِ كالمعاصي والذنوب.
والتطهيرُ: التنظيفُ وهو إثباتُ النظافةِ في المحلِ.[١]

والطهارةُ شرعاً: ارتفاعُ الحَدَثِ بالماءِ أو الترابِ الطهوريْنِ المُباحَيْنِ، وزوالِ النجاسةِ.[٢]

المعاني التي تشملها الطهارة

وقيلَ إنّ الطهارةَ شرعاً تُطلقُ على معنيين يجبُ توافرهما في مفهومِ الطهارةِ:[٣]

  • القيام بشيء تُستباح به الصلاةِ: سواءٌ أكانَ هذا الفعلُ غسلاً أم وضوءاً أم تيمماً، فالهدفُ إزالةُ النجاسةِ، أي أنهُ يُطلقُ على فعلِ الوضوءِ وهو وضعُ الماء على الوجهِ وباقي الأعضاءِ بنيّةِ الوضوءِ فيُطلقُ عليهِ طهارةٌ، وكذلك تطلقُ الطهارةُ على الغسلِ، وهو صبُّ الماءِ على جميعِ البدنِ.
  • ارتفاعُ الحدثِ وإزالةُ النجاسةِ عن البدنِ: فبالوضوءِ والغسلِ يرتفعُ الحدثُ عن المسلمِ، وتزولُ كذلك النجاسةُ عن البدنِ.

وسائل الطهارة

يُفهمُ مما سبق أنَّ الطهارةَ تكونُ بأحدِ اثنين:

  • الطهارةُ بالماءِ: وهي الأصل، فكلُّ ماءٍ باقٍ على أصلِ خلقتهِ فهو طهور، يُطهِّر من الأحداثِ والأخباثِ، حتى وإن تغيَّر لونهُ أو طعمهُ أو ريحهُ بشيءٍ طاهرٍ. ودليلُ ذلك قولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ).[٤] ومن ذلك ماءُ المطرِ، والعيون، والآبار، والأنهار، والثلوج الذائبة، والبحار. أمّا إن تغيَّرَ لون الماء، أو طعمهُ، أو ريحهُ، بنجاسةٍ فيصبحُ الماءُ نجساً، ويجبُ اجتنابُ الماءِ وعدمِ استعمالهِ للطهارةِ.
  • الطهارة بالصعيدِ الطاهرِ أو الترابِ: أي بمعنى التيمم، وذلك في حالةِ عدم وجودِ الماءِ، ولا يجوزُ الطهارةُ بترابٍ نجسٍ كترابِ مقبرةٍ مثلاً تمَّ نبشها، حتى وإن أصابها مطرٌ، أو بترابٍ اختلطَ بنجاسةٍ كفتاتِ الروثِ،[٥] وشرطُ التيممِ العجزُ عن استعمالِ الماءِ، كعدمِ وجودِ الماءِ مثلاً بالسفرِ أو الحضرِ، أو الخوفِ من استعمالِ الماءِ، بسببِ مرضٍ أصاب المسلم، أو أنّ استعمالهُ يزيدُ في ألمِ جسدهِ، أو عدم استعمالهِ للماءِ بسببِ حاجتهِ إليهِ للشربِ، حفظاً وصوناً للروحِ من التّلفِ.[٦]

وجوب الطهارة للصلاة

أَجمَعتِ الْأُمَّةُ على أَنَّ الطَّهارةَ شَرطٌ في صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَاختَلَفُوا فِي أمر آخر، وهو كون الوضُوء فَرضاً عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إِلَى الصَّلَاةِ أَم عَلَى المحدث خاصة، فقالَ بَعضهم إنَّ  الوضُوءَ  لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرضٌ، وَذَهَبَ آخرون إِلَى أَنَّ ذَلكَ قَد كان، ثُمَّ نُسِخَ بحكمٍ جديد، وَقِيلَ الْأمرُ بِهِ لِكُلِّ صلَاةٍ عَلى النَّدبِ، وقيلَ بَل لَم يُشرَعْ إِلَّا لِمَن أَحدثَ، وَلَكنَّ تَجديدَهُ لكُلِّ صلَاةٍ مُستَحَبٌّ، وَعَلَى هَذَا أَجمعَ أَهلُ الْفَتوَى.[٧]

والنيةُ واجبةٌ قبل أيّ عملٍ لحديثِ عمر -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلّم- يقول: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).[٨]

الطهارة شرعاً صفة اعتباريّة قدّرها الله عزّ وجل لتكون شرطاً لصحةِ الصلاةِ، فاشترطَ اللهُ عزّ وجل لصحةِ صلاة الشخصِ أن يكونَ بدنهُ موصوفاً بالطهارةِ، ولصحةِ الصلاة في المكانِ أن يكونَ المكانُ موصوفاً بالطهارةِ، ولصحة الصلاة بالثوبِ أن يكونَ الثوبُ الذي يرتديهِ موصوفاً بالطهارةِ، وهكذا.

والأصل في الأشياء الطهارة، فإن شك المسلمُ في ماءٍ، أو ترابٍ، أو مكانٍ، هل هو نجسٌ أم طاهرٌ، فالأصلُ أنهُ طاهرٌ، وإن أيقن المسلمُ من طهارتهِ وشكَّ بوجودِ الحدثِ، فهو طاهرٌ.[٩]

أدلة مشروعيّة الطهارة

دلَّ على مشروعيّةِ الطهارة في الكتابِ والسنةِ والإجماعِ:

  • أدلة مشروعية الطهارة في الكتاب: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ).[١٠]
  • أدلة مشروعيّة الطهارة في السنة: عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ).[١١]
  • أدلة مشروعيّة الطهارة في الإجماع: فقد أجمع العلماء على أنّ الصلاة لا تُجزِئ إلا بطهارة.[١٢]

أقسام الطهارة

فحقيقة الطهارة في ذاتها شيءٌ واحدٌ، لكنّها تنقسمُ باعتبارِ ما تضافُ إليهِ من حدثٍ أو خبثٍ، أو باعتبارِ ما تكونُ صفةً لهُ.[١٣]وقال بعضُ العلماءِ إنّ الطهارةَ تقسَّمُ إلى قسمين:

  • الطهارة الحكميّة: المراد بها الطهارة من الحدثِ بنوعيهِ الحدث الأكبر والحدث الأصغر، فالحدثُ الأكبرُ: المرادُ بهِ حدثُ الجنابةِ والحيضِ والنفاسِ، ويلزمهُ الطهارة الكبرى وتكون عن طريق الغسلِ، أما الحدثُ الأصغرُ: فيقصدُ بهِ حدثُ البولِ والغائطِ والريحِ والمذيِ والوديِ، ويلزمهُ الطهارةُ الصغرى، وتكون عن طريق الوضوءِ.

ويكون التيمم للطهارة الكبرى والصغرى لمن لم يجد الماء أو يتضرّر باستعماله، والطهارةُ الحكميّةُ تكونُ بطهارةِ جميعِ أعضاءِ الجسدِ من الجنابةِ، ودليلُ ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا).[١٤] في الآيةِ بيانٌ أن الصلاةَ لا تُقبلُ ولا تَصحُّ، بغير طهورٍ.[١٥]
  • الطهارة الحقيقيّة: المرادُ بها الطهارةُ من النجاسةِ القائمةِ بالشخصِ أو الثوبِ أو المكانِ.[١٦] والمقصود بها طهارة جسم المسلم، وثوبهِ، ومكان عبادتِهِ، من النجاسةِ الحقيقيةِ، لقولهِ سبحانهُ وتعالى:(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)،[١٧] فإن كان الواجبُ تطهيرُ الثوبِ كما قال تعالى، فطهارةُ الجسدِ من بابٍ أولى. وقد قال الرسولُ صلى الله عليهِ وسلّم: (تَنَزَّهُوا مِنَ الْبَوْلِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ)،[١٨] وأما طهارةُ المكانِ فقد رُويَ (أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى أن يُصلَّى في سبعةِ مواطِنَ: في المزبلةِ، والمجزرة، والمقبرة، وقارعةِ الطريق، وفي الحمَّام، وفي معاطنِ الإبل، وفوق ظهر بيتِ الله)،[١٩] ودلالةُ الحديثِ أن النبي -صلى الله عليهِ وسلّم- نهى عن الصلاة في أماكن تكثُرُ فيها النجاسةُ، وهي المزبلة والمجزرة.[٢٠]

المراجع

  1. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرَّابعة)، سوريَّة – دمشق: دار الفكر، صفحة 238، جزء 1.
  2. أبو عبد الرحمن عبد الله البسام التميمي (1423 هـ – 2003 م)، توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام (الطبعة الخامِسَة)، مكّة المكرّمة: مكتَبة الأسدي، صفحة 113، جزء 1.
  3. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري ( 1424 هـ – 2003 م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلميّة، صفحة 7، جزء 1.
  4. رواه أبو الحسن علي بن عمر البغدادي الدارقطني، في سنن الدارقطني، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1/ 37.
  5. شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي (1404هـ/1984م)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (الطبعة الأخيرة)، بيروت: دار الفكر، صفحة 291، جزء 1.
  6. محمد الشربيني الخطيب (1415)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 79، جزء 1.
  7. أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ( 1392)، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (الطبعة الثانية)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 102، جزء 3.
  8. رواه محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، في الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه(صحيح البخاري)، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 6/1.
  9. أحمد بن حجر آل بن علي (1417هـ)، تطهير الجنان (الطبعة الأولى)، المملكة العربيّة السعوديّة: وزارة الشؤون الإسلاميّة والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 73، جزء 1.
  10. سورة المائدة، آية: 6.
  11. رواه لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، في سنن الترمذي، عن ابن عمر، الصفحة أو الرقم: 1/ 51.
  12. أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوريّ ( 1425هـ/ 2004مـ)، الإجماع (الطبعة الأولى)، دار المسلم للنشر والتوزيع، صفحة 29.
  13. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (1424 هـ – 2003 م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلميّة، صفحة 8، جزء 1.
  14. سورة المائدة، آية: 6.
  15. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة (1427 هـ)، الموسوعة الفقهيّة الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 60، جزء 27.
  16. عَبد الله بن محمد الطيّار. عبد الله بن محمّد المطلق، محمَّد بن إبراهيم الموسَى ( 1433 هـ – 2012 م)، الفِقهُ الميَسَّر (الطبعة الثانية)، الرياض – المملكة العربيّة السعوديّة: مَدَارُ الوَطن للنَّشر، صفحة 16، جزء 1.
  17. سورة المدثر، آية: 4.
  18. رواه أبو الحسن علي الدارقطني، في سنن الدارقطني، عن أنس، الصفحة أو الرقم: 1/ 231.
  19. رواه أحمد شاكر، في شرح سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2/178، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
  20. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 60، جزء 27.