كيف نصلي صلاة قيام الليل وكم عدد ركعاتها

فَضْل قيام الليل

يعدّ قيام الليل من أفضل الأعمال الصالحة، وأفضل الصلوات بعد الصلاة المكتوبة، التي يتقرّب بها العبد من ربّه -عزّ وجلّ-، وكان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قد حثّ المسلمين على قيام الليل؛ بدليل ما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ)[١][٢] وقيام الليل سنّةٌ مؤكّدةٌ عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقد دلت الكثير من النّصوص الشرعيّة على ذلك، كما وعد الله -تعالى- مُقيم الليل بالأجر العظيم، والثواب الجزيل، قال -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا)،[٣] وقال أيضاً: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)،[٤] وغيرهما من الآيات التي تُبيّن عظيم الأجر الذي ينتظر مَن يُقيم الليل، تضرّعاً، وخشيةً، وتقرّباً من الله -تعالى-،[٥] ويبدأ وقت قيام الليل من بعد أداء صلاة العشاء، ويستمرّ إلى أذان الفجر، فيُدرك القيام في أي وقتٍ بين العشاء والفجر.[٦]

ماذا تفعل لتشجع نفسك على قيام الليل وما نصائحك لي كي أداوم على صلاة القيام؟

كيفيّة أداء صلاة قيام الليل وعدد ركعاتها

كيفيّة صلاة قيام الليل

تُؤدّى صلاة قيام الليل ركعتَين ركعتَين؛ لِما ثبت ذلك في السنّة النبويّة عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإذا رَأَيْتَ أنَّ الصُّبْحَ يُدْرِكُكَ فأوْتِرْ بواحِدَةٍ. فقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ: ما مَثْنَى مَثْنَى؟ قالَ: أنْ تُسَلِّمَ في كُلِّ رَكْعَتَيْنِ)،[٧] وقال أيضاً: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ تعالَى عليه وسلم قال: صلاةُ الليلِ والنهارِ مثنَى مثنَى)،[٨][٩] ويُستحسن بالمسلم خَتْم قيام الليل بأداء الوتْر، لكا ورد في صحيح البخاريّ أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا)،[١٠][١١] والتسليم مطلوبٌ بين الركعتين في صلاة القيام، ولا تكون الصلاة على شكل صلاتي الظُّهر، أو العصر؛ اقتداءً بفَعْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.[١٢]

عدد ركعات قيام الليل

لم يرد نصٌّ بتحديد عدد ركعات قيام الليل بشكلٍ مخصوصٍ، إلّا أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يصلّي إحدى عشرة ركعةً، أو ثلاث عشرة ركعةً؛ استناداً لما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي فِيما بيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِن صَلَاةِ العِشَاءِ، وَهي الَّتي يَدْعُو النَّاسُ العَتَمَةَ، إلى الفَجْرِ، إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بوَاحِدَةٍ، فَإِذَا سَكَتَ المُؤَذِّنُ مِن صَلَاةِ الفَجْرِ، وَتَبَيَّنَ له الفَجْرُ، وَجَاءَهُ المُؤَذِّنُ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ علَى شِقِّهِ الأيْمَنِ، حتَّى يَأْتِيَهُ المُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ)،[١٣][١٤] كما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُقيم الليل ثلاثة عشر ركعةً، إذ قال: (فَتَتَامَّتْ صَلَاةُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حتَّى نَفَخَ، وَكانَ إذَا نَامَ نَفَخَ، فأتَاهُ بلَالٌ فَآذَنَهُ بالصَّلَاةِ، فَقَامَ فَصَلَّى).[١٥][١٦]

ومن الجدير بالذِّكر أنّ رسول الله عليه السلام كان يطيل السجود في صلاة قيام الليل فقد روت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ( أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلكَ صَلَاتَهُ – تَعْنِي باللَّيْلِ – فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِن ذلكَ قَدْرَ ما يَقْرَأُ أحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ)[١٧] ويُستحسن بالمسلم اتّباع هَدْي النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، والسَّير على طريقه ومنهجه؛ لنَيْل محبّة ومغفرة الله -تعالى-، مع الحرص على عدم جواز إلحاق المشقّة بالمُصلّين إن كان قيام الليل في جماعةٍ، إنّما تكون الإطالة في صلاة المنفرد فقط، ومَن يقوى على الإطالة، ويُمكن للمسلم أن يصلّي ما شاء من الركعات في قيامه، وفي أي وقتٍ من الليل،[١٨] وتجدر الإشارة إلى أنّ أقلّ عدد ركعات لقيام الليل؛ ركعَتين، دون تحديد الأكثر من عدد الركعات، ولم يرد نصٌّ من السنّة النبويّة يدلّ على أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- حدّد عدد ركعات صلاة القيام.[١٩]

الحِكمة من مشروعيّة قيام الليل

شرع الله -سُبحانه- قيام الليل لحكمةٍ أرادها، تعود على عباده بالخير في الدنيا والآخرة، وبيان البعض من تلك الحِكم فيما يأتي:

  • الإقبال على العبادة بكلّ خشوعٍ وخضوعٍ لله -تعالى-، دون الانشغال بمُلهيات الحياة الدُّنيا، وشهواتها، وهمومها، فيتميّز الليل بالسّكينة والهدوء، ممّا يُساعد المسلم على التقرّب من الله -تعالى-، براحةٍ وطمأنينةٍ.[٢٠]
  • تثبيت الإيمان في قلوب العباد، والحرص على المواظبة على الأمور التي تؤدّي لنَيْل رحمة الله -عزّ وجلّ-، ونصره، وتأييده في أمور الدُّنيا والآخرة.[٢١]
  • قيام الليل من العبادات التي يكون الإخلاص فيها لله -تعالى- بأسمى درجاته وصوره؛ بسبب عُزلة العبد عن العالم الخارجيّ، فيكون وقع قيام الليل وأثره على العبد شديدٌ، فتتجلّى الخشية والرًّهبة من الله أكثر من أيّ وقتٍ آخرٍ، قال -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلً).[٢٢][٢٣]
  • قيام الليل من أفضل الأوقات لمُراجعة ما تمّ حِفْظه من القرآن الكريم، فلا بدّ من مُراجعته دائماً، وباستمرارٍ.[٢٤].

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
  2. سعيد القحطاني، قيام الليل – فضله، وآدابه، والأسباب المعينة عليه في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 12. بتصرّف.
  3. سورة الإسراء، آية: 79.
  4. سورة الزمر، آية: 9.
  5. عبدالله القصير (1421هـ)، تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام (الطبعة الثانية)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 49. بتصرّف.
  6. لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 9063، جزء11. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 749، صحيح.
  8. رواه البخاري، في خلاصة البدر المنير، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1/182، صحيح.
  9. محمد عويضة، الضياء اللامع من صحيح الكتب الستة وصحيح الجامع، صفحة 312. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 998، صحيح.
  11. مجموعة من الباحثين، الموسوعة الفقهية، صفحة 171، جزء 1. بتصرّف.
  12. عبد الله الروقي (2014م)، فقه عمل اليوم والليلة (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: دار التدمرية، صفحة 258. بتصرّف.
  13. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 736، صحيح.
  14. سعيد القحطاني، صلاة التطوع، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 123. بتصرّف.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 763، صحيح.
  16. موسى شاهين (2002م)، فتح المنعم شرح صحيح مسلم (الطبعة الأولى)، عمان-الاردن: دار الشروق، صفحة 563، جزء 3. بتصرّف.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 994، صحيح.
  18. مصطفى العدوى، دروس للشيخ مصطفى العدوي، صفحة 37، جزء 38. بتصرّف.
  19. عبد الله الرحيلي، دعوة إلى السنة في تطبيق السنة منهجا وأسلوباً، المملكة العربية السعودية: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 107. بتصرّف.
  20. محمد يعقوب (2005م)، أسرار المحبين في رمضان (الطبعة الأولى)، الأردن: مكتبة التقوى، صفحة 218. بتصرّف.
  21. محمد حسان، دروس للشيخ محمد حسان، صفحة 3، جزء 138. بتصرّف.
  22. سورة المزمل، آية: 6.
  23. محمد التويجري (2009م)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، عمان-الاردن: بيت الأفكار الدولية، صفحة 606، جزء 2. بتصرّف.
  24. عبد السلام مجبرى، إذهاب الحزن وشفاء الصدر السقيم، القاهرة: دار الإيمان، صفحة 209. بتصرّف.