ما هو صيام عاشوراء

صيام عاشوراء

عاشوراء لفظٌ إسلاميٌّ يُراد به: اليوم العاشر من شهر الله المُحرَّم، وليس اليوم التاسع منه كما فسّره البعض؛ فقد ثبت أنّه اليوم العاشر بما ورد عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (أمر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بصومِ عاشوراءَ، يومَ العاشرِ)،[١][٢] وقد فضّل الله -سبحانه- بعض الأزمان على الأخرى؛ فجعل بعضها أشدّ حُرمةً من غيرها، وجعل منها مواسم للطاعات، والعبادات، ومغفرةً للذنوب والخطايا؛ رحمةً منه -سبحانه-، ومن تلك المواسم الأشهر الحُرم، وهي: مُحرَّم، ورجب، وذو الحجّة، وذو القعدة، والتي حذّر الله -تعالى- عباده من الظلم فيها، وحَثّهم على تعظيم شعائر الله، ورغّبهم فيها، قال -سبحانه-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)،[٣] وأفضل الشهور الحُرم شهر مُحرَّم.[٤]

حُكم صيام عاشوراء وفَضْله

يُستحَبّ للمسلم صيام يوم عاشوراء؛ استدلالاً بما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ في الجَاهِلِيَّةِ، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَومَ عَاشُورَاءَ، فمَن شَاءَ صَامَهُ، ومَن شَاءَ تَرَكَهُ)،[٥] وبما ورد عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (هذا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ علَيْكُم صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فمَن أَحَبَّ مِنكُم أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، وَمَن أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ)،[٦][٧] وبيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ صيام يوم عاشوراء يُكفّر ذنوب سنةً سابقةً، كما في حديث أبي قتادة أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ).[٨][٩]

ويُستحَبّ صيام تاسوعاء أيضاً مع عاشوراء؛ وهو اليوم التاسع من شهر مُحرَّم؛ استدلالاً بقَوْل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)،[١٠] وقد شُرِع صيام تاسوعاء؛ احتياطاً إن وقع خطأ في تحرّي هلال شهر مُحرَّم، وتمييزاً للمسلمين عن غيرهم بصيام يومَين وليس يوم عاشوراء فقط.[١١]

الحِكمة من صيام يوم عاشوراء

يُوافق يوم عاشوراء يوم نجاة موسى -عليه السلام- مع مَن آمن بدعوته، وهلاك فرعون وقومه، فصامه موسى؛ شُكراً لله -سبحانه- على نجاته، وشُرع صيامه شُكراً لله على فَضْله ونصره؛ ولذلك حَثّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- المسلمين على صيام عاشوراء، كما ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ: ما هذا؟، قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ).[١٢][١٣]

مراتب صيام عاشوراء

يتفرّع صيام يوم عاشوراء من حيث الأفضليّة إلى أربع مراتب، بيانها آتياً:[١٤]

  • المرتبة الأولى: صيام التاسع، والعاشر، والحادي عشر من مُحرَّم؛ لِما ورد عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- من حديث: (صُومُوا يومَ عاشوراءَ، وخالفُوا فيهَ اليهودَ، صومُوا قبلَه يومًا، وبعدَهُ يومًا)،[١٥] كما أنّ في صيام ثلاثة أيّامٍ زيادةً في صيام النَّفل.
  • المرتبة الثانية: صيام العاشر والتاسع من مُحرَّم؛ مُوافقةً لقوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ).[١٠]
  • المرتبة الثالثة: صيام العاشر والحادي عشر من شهر مُحرَّم.
  • المرتبة الرابعة: صيام عاشوراء فقط؛ نَيلاً لفَضْله الوارد في قَوْله -عليه الصلاة والسلام-: (وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ).[٨]

حُكم إفراد عاشوراء بالصيام

اختلف العلماء في حُكم إفراد يوم عاشوراء بالصيام، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما آتياً:[١٦][١٧]

  • القول الأوّل: قال جمهور العلماء من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة بإباحة صيام يوم عاشوراء مُنفرِداً دون كراهةٍ، وهو ما رجّحه أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين.
  • القول الثاني: قال الحنفيّة بكراهة صيام يوم عاشوراء مُنفرِداً دون صيام يومٍ قَبله أو بَعده، مع اتّفاقهم مع جمهور العلماء في نَيْل أجر صيام عاشوراء بصيامه مُنفرِداً.

صيام عاشوراء إن وافق يومَ سبت

يصحّ صيام يوم عاشوراء إن وافق يومَ سبت بشرط صيام يومٍ قَبْله، أو بعده، وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء من الشافعيّة، والحنفيّة، والحنابلة، وقال المالكيّة بالجواز مُطلَقاً دون اشتراط صيام يومٍ قَبْله، أو يومٍ بَعده، وتجدر الإشارة إلى أنّ النَّهي الوارد في صيام يوم السبت يُراد به مَن صام يوم السبت لكَوْنه يوم السبت بصيامه نَفْلاً مُطلَقاً، وليس لكونه عاشوراء، أو عرفة، أو قضاء، أو كفّارة، أو غير ذلك، والأولى صيام يومٍ قَبْله، أو يومٍ بَعده؛ خروجاً من خِلاف العلماء.[١٨]

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 755، حسن صحيح.
  2. السيد محمد عميم الإحسان (2003)، التعريفات الفقهية (الطبعة الأولى)، بيروت: الكتب العلمية، صفحة 141. بتصرّف.
  3. سورة الحج، آية: 32.
  4. سليمان الجاسر، شهر الله المحرم فضائل وأحكام، السعودية: مدار الوطن، صفحة 7-8. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2002، صحيح.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن أبي سفيان، الصفحة أو الرقم: 1129، صحيح.
  7. “صوم عاشوراء.. ثوابه.. وحكمه”، www.islamweb.net، 24-3-2004 ، اطّلع عليه بتاريخ 27ـ4ـ2020. بتصرّف.
  8. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
  9. أبو أنس العراقي ماجد البنكاني، “فضل صيام عاشوراء”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 27ـ4ـ2020. بتصرّف.
  10. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1134، صحيح.
  11. الدكتور مُصطفى الخِنْ، الدكتور مُصطفى البُغا، علي الشّرْبجي (1992)، كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار القلم، صفحة 98، جزء 2. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2004، صحيح.
  13. “فضل صيام عاشوراء”، www.islamqa.info، 05-01-2009، اطّلع عليه بتاريخ 27ـ4ـ2020. بتصرّف.
  14. ابن عثيمين، كتاب لقاء الباب المفتوح، صفحة 13، جزء 95. بتصرّف.
  15. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5050، صحيح.
  16. مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الاولى)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 90، جزء 28. بتصرّف.
  17. د. محمد رفيق الشوبكي (8-5-2015)، “إفراد عاشوراء بالصيام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27ـ4ـ2020. بتصرّف.
  18. فهد العماري (6ـ1ـ1439)، “عشر مسائل في صيام عاشوراء”، www.almoslim.net، اطّلع عليه بتاريخ 27ـ4ـ2020. بتصرّف.