فضل قيام ليلة العيد
العيد في الإسلام
شرع الإسلام للمسلمين الاحتفالَ بعيدَي افِطر، والأضحى؛ إذ يأتي عيد الأضحى بعد أداء شعيرة الحجّ، أمّا عيد الفِطْر، فيأتي بعد أداء فريضة صيام شهر رمضان؛ وذلك شُكراً وحَمْداً لله -تعالى- على ما أنعم به على عباده، وما أتمّوه من العبادات والطاعات، وبذلك فقد أبطل الإسلام ما كان من الأعياد في الجاهليّة،[١] ويُباح للمسلمين في العيد اللهو الطيِّب المُباح الذي لا يُغضب الله، وبما لا حُرمة فيه؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وذكرٍ لله)،[٢] ومن الحِكم المُترتِّبة على تشريع العيد: شهود جموع المسلمين في أداء صلاة العيد، والمشاركة في الدعاء والتضرُّع إلى الله -سبحانه-؛ إظهاراً للحاجة والفَقْر إليه.[٣]
فَضْل قيام ليلة العيد
رغم ما ورد عن أئمّة المُحدّثين، مثل: النوويّ، والحافظ العراقيّ، وابن حجر، والطبرانيّ، وغيرهم من الحُكم على حديث فَضْل قيام ليلة العيد بالضعف، إلّا أنّ ذلك لا يعني عدم إحياء ليلة العيد، وعدم استحبابه؛ فالمقصود فقط أنّ الحديث الوارد في بيان فَضْل قيام ليلتَي العيد ضعيفٌ،[٤] وقد اتّفق العلماء على استحباب إحياء ليلة عيد الفِطْر والأضحى؛ واستدلّوا بقْول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي أُشِير إليه سابقاً: (من قامَ ليلتيِ العيدينِ محتسِبًا للَّهِ لم يَمُت قلبُه يومَ تموتُ القلوبُ)،[٥] وفصّل الحنفيّة في ذلك؛ إذ اتّبعوا رأي الصحابيّ عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- في قوله إنّ أجر قيام الليل يتمّ نيله بأداء صلاة العشاء جماعةً ليلة العيد، والعزم على أداء صلاة الفجر جماعةً أيضاً يوم العيد، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه: (دَخَلَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ المَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ المَغْرِبِ، فَقَعَدَ وَحْدَهُ، فَقَعَدْتُ إلَيْهِ فَقالَ، يا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ)؛[٦][٧] فليلة العيد ليلة كسائر ليالي السنة، يُمكن للمسلم قيامها، وأداء الطاعات والعبادات فيها؛ من ذِكْرٍ، وقراءةٍ للقرآن، وصلاةٍ، والإكثار فيها من التكبير، والتهليل؛ بقَوْل: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.[٨][٩]
وتجدر الإشارة إلى أنّ استحباب قيام ليلتَي العيد لا يعني قيامهما في المسجد، أو جماعةً؛ إذ اشتُرِط لقيامهما الانفراد؛ فكلّ مسلم يُقيمهما لوحده، ولا بأس بقيامه لهما مع أهله،[١٠] وأضاف الإمام الشافعيّ -رحمه الله- بأنّ ليلة العيد من مواضع استجابة الدعاء، فقال: “وَبَلَغَنَا أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ؛لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَأَوَّلِ رَجَبٍ، وَنِصْفِ شَعْبَانَ”،[١١] وبذلك يكون إحياء ليلتَي العيد؛ طاعةً وتقرُّباً لله -تعالى-؛ للفوز برضاه، ونَيْل مغفرته، ورحمته.[١٢]
سُنَن ليلة العيد ويَوْمه
تُسَنّ للمسلم في ليلة العيد ويَوْمه عدّة أعمالٍ واردةٍ عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، بيان وتفصيل البعض منها فيما يأتي:[١٣]
- استقبال العيد ببهجةٍ، وفرحٍ، وسرورٍ، وتبادُل التهاني بين المسلمين، والدعاء لهم.
- الذهاب إلى مُصلّى العيد باكراً، وسَيراً على الأقدام؛ لِما ورد عن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّه قال: (من السُّنَّةِ، أن تخرجَ إلى العيدِ ماشيًا، وأن تأكلَ شيئًا قبل أن تخرجَ).[١٤]
- الحرص على سدّ حاجات المسلمين، وإغنائهم عن السؤال، وبَذْل الصدقات، وأداء صدقة الفِطْر قبل صلاة عيد الفِطْر.
- الاغتسال للعيد، والتطيُّب بأطيب الروائح، وارتداء أفضل الثياب.[١٥]
- الأكل قبل الذهاب إلى صلاة عيد الفِطر بخِلاف عيد الأضحى، والأفضل أكل التمر؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغْدُو يَومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ تَمَراتٍ).[١٦][١٧]
- التكبير؛ استدلالاً بِقَوْل الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[١٨] كما يُسَنّ الجَهْر بالتكبير للرجال؛ إعلاناً وإظهاراً لتعظيم الله -سبحانه-، ويكون التكبير لعيد الفِطْر من حين الخروج إلى أداء صلاة العيد، امتداداً إلى الخُطبة، وقِيل من غروب شمس آخر يومٍ من شهر رمضان إلى إتمام صلاة العيد، أمّا التكبير في عيد الأضحى، فيبدأ من صباح يوم عرفة إلى عصر اليوم الثالث عشر من ذي الحِجّة.[١٩]
- مخالفة الطريق في صلاة العيد؛ بالذهاب إلى المُصلّى من طريقٍ، والعودة من طريقٍ آخر؛ لِما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ).[٢٠][٢١]
- شهود المسلمين جميعهم صلاة العيد وخُطبته، حتى النساء الحُيَّض، إلّا أنّهن يعتزلن المُصلّى؛ فقد ثبت في الصحيح أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ).[٢٢][٢٣]
حُكم صلاة العيد
بيّن العلماء الحُكم التفصيليّ لصلاة العيد، مع اتّفاقهم على مشروعيّتها، وبيان ما ذهبوا إليه فيما يأتي:
- الشافعيّة: قالوا بأنّ صلاة العيد سُنّةٌ مُؤكَّدةٌ؛ إذ إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يمتنع عنها، واقتدى به الصحابة -رضي الله عنهم-.[٢٤]
- الحنفيّة: قالوا بوجوب صلاة العيد على كلّ مسلمٍ تجب عليه صلاة الجمعة؛ إذ إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- داوم عليهما دون انقطاعٍ، وقالوا أيضاً بأنّ المقصود بقَوْل الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)؛[٢٥] صلاة عيد الفِطْر، والمقصود من قَوْله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)؛[٢٦] صلاة عيد الأضحى.[٢٧]
- المالكيّة: قالوا بأنّ صلاة العيد سُنّةٌ مُؤكَّدةٌ على المسلمين؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حَثّ المسلمين، وجمعهم عليها، وخطب بهم.[٢٨]
- الحنابلة: قالوا بأنّ صلاة العيد فَرض كفايةٍ على المسلمين؛ إذ تسقط بأدائها من جماعةٍ من المسلمين.[٢٩]
المراجع
- ↑ محمد صالح المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 2، جزء 173. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن نبيشة الخير الهذلي، الصفحة أو الرقم: 1141، صحيح.
- ↑ شحاتة صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، البحيرة: دَارُ الفُرْقَان للتُرَاث، صفحة 639، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ “حديث ضعيف في فضل قيام ليلة العيد”، www.islamqa.info، 21-10-2006، اطّلع عليه بتاريخ 15-4-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه النووي، في الخلاصة، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2/847، ضعيف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 656، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1404 – 1427 هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 235، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد العثيمين (1410هـ – 1415هـ)، جلسات رمضانية، صفحة 17، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ أحمد الهيتمي (2000م)، كتاب المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 191. بتصرّف.
- ↑ “حكم إحياء ليلة عيد الفطر”، www.islamweb.net، 9-11-2004، اطّلع عليه بتاريخ 15-4-2020. بتصرّف.
- ↑ محيي الدين النووي (1991م)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (الطبعة الثالثة)، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 75، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1412-1413، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي ، صفحة 115. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 530، حسن.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1404 – 1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 250، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 953، صحيح.
- ↑ سلمان العودة، دروس للشيخ سلمان العودة، صفحة 112، جزء 19. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 185.
- ↑ شحاتة صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، البحيرة: دَارُ الفُرْقَان للتُرَاث، صفحة 571، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 986، صحيح.
- ↑ حسين العوايشة، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة، عمان – الأردن: المكتبة الإسلامية، صفحة 402، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم عطية، الصفحة أو الرقم: 883، صحيح.
- ↑ شحاتة صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، الإسكندرية: دار الخلفاء الراشدين-دار الفتح الإسلامي، صفحة 572، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مُصطفى الخِنْ، مُصطفى البُغا، علي الشّرْبجي (1992م)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 222، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعلى، آية: 14-15.
- ↑ سورة الكوثر، آية: 2.
- ↑ نجاح الحلبي، فقه العبادات على المذهب الحنفي، صفحة 115. بتصرّف.
- ↑ عبدالوهاب المالكي، المعونة على مذهب عالم المدينة، مكة المكرمة: المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز، صفحة 320. بتصرّف.
- ↑ أحمد البعلي، الروض الندي شرح كافي المبتدي، الرياض: المؤسسة السعيدية، صفحة 119. بتصرّف.