هل التطعيم يفطر الصائم

التطعيم

يُعدّ التّطعيم (بالإنجليزية: Vaccination) من أكثر الطُّرق فعاليةً؛ للوقاية من الأمراض؛ حيث يساعد المطعوم، أو ما يُعرف باللقاح -االذي يتكوّن عادةً من نسخةٍ ميتةٍ أو ضعيفةٍ من الميكروب- جهاز المناعة في الجسم على التعرّف على مسبّبات الأمراض؛ مثل: الفيروسات، أو البكتيريا، ومكافحتها أثناء الإصابة بها في المستقبل، ممّا يحمي من الأمراض التي تسبّبها،[١][٢] ومن الجدير بالذِّكر أيضاً أنّ طرق إعطاء المطعوم تختلف باختلاف نوعه، حيث يُعطى بعضها عن طريق الفم (بالإنجليزية: Oral administration)، بينما قد تُستخدم الحُقَن أو الإبر لإعطاء بعض المطاعيم عبر العضَل (بالإنجليزية: Intramuscular injection)، أو تحت الجِلْد (بالإنجليزية: Subcutaneous injection)، أو داخل طبقة الأدمة (بالإنجليزية: Intradermal injection).[٣]

أثر التطعيم على الصيام

اتّفق العلماء المعاصرون على أنّ الحُقَن والمطاعيم العلاجيّة التي تُؤخَذ بالجِلْد، أو العَضَل، أو الوريد لا تُفسد الصيام، ومن العلماء القائلين بذلك: ابن باز، وابن عثيمين، ومحمد بخيت، ومحمد شَلَتوت، وفَضْل عبّاس، ومحمد هيتو، ومحمد بشير الشقفة، كما صرّح بذلك المَجمع الفقهيّ؛ احتجاجاً بأنّ الأصل الحُكم بصحّة الصيام إلّا إن حُكِم بفساده لسببٍ آخر، كما أنّ الحُقن لا تُعَدّ أَكْلاً ولا شُرباً، ولا تحمل معنيهما؛ وعليه فإنّها فلا تأخذ الحُكم الخاصّ بهما، وفيما يأتي تفصيل حُكم الحُقن المُغذّية وبيانه:[٤][٥]

  • القَول الأوّل: تُعَدّ الحُقن المُغذِّية من مُفسدات الصيام، وذلك بخِلاف الحُقَن غير المُغذِّية؛ وهو قَوْل مَجمع الفقه الإسلاميّ، واللجنة الدائمة للإفتاء في السعوديّة، والدكتور وهبة الزُّحيليّ، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد العثيمين، والشيخ عبدالعزيز البسّام، والشيخ أحمد الخليل؛ إذ استدلّوا على ذلك باعتبار الحُقن المُغذّية كالأَكْل والشُّرب؛ ذلك أنّ البَدَن يكتفي ويستغني بها، ويسدّ حاجته، أمّا الحُقَن غير المُغذّية، فلا يُستغنى بها عن الطعام والشراب، كما يُمكن قياس الحُقَن غير المُغذِّية على إيصال الدواء عن طريق لحم الساق؛ باعتباره لا يُفسد الصيام.[٦]
  • القَوْل الثاني: لا تُعَدّ الحُقن المُغذّية مُفسِدة للصيام، وهو قَوْل الشيخ محمد بخيت، والشيخ محمد شَلَتوت، وسيد سابق؛ احتجاجاً بأنّ الحُقن لا تكون بالمَنافذ المُعتادة، ولا يصل منها شيءٌ إلى الجوف، وإن وصلت، فإنّ وصولها يكون من خلال مَسام الجِلْد فقط، وهي لا تُعدَّ جَوفاً، ولا تأخذ حُكمه.[٤][٧]

ضابط المُفطرات المُفسدة للصيام

اتّفق العلماء على فساد الصيام بسبب الأَكْل، أو الشُّرب، أو الجِماع؛ استدلالاً بقَوْل الله -تعالى-: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)،[٨] إلّا أنّ العلماء اختلفوا فيما يَصل إلى الجوف من الطعام والشراب من غير المنافذ المُعتادة لهما، كالحُقَن، وما يصل إليها من غير الغِذاء، كالحَصى، وما يصل إلى الدماغ دون المعدة؛ ويرجع سبب الخِلاف فيما سبق إلى قياس المُغذّي من المُفطرات الذي ورد نصٌّ في بيان حُكمه على غير المُغذّي منها؛ فمَن رأى أنّ الصيام معقول يُمكن إدراك معناه لم يَقِس المُغذّي على غير المُغذّي، ومَن اعتبر الصيام غير معقول المعنى سوّى بينهما، وأنّه مُتمثِّل بالإمساك عمّا يصل إلى الجوف، وفيما يأتي بيان ما ذهب إليه كلّ مذهبٍ من المذاهب الفقهيّة في ضابط المُفطرات:[٩]

  • الحنفيّة: قالوا إنّ كلّ ما وَصَل الجوف، أو الدِّماغ عبر المنافذّ الأصليّة؛ كالأنف، أو الأُذن، أو الدُّبر؛ يعدّ مُفطراً.
  • المالكيّة: قالوا إنّ كلّ ما وَصَل المَعِدة من منفذٍ عالٍ عنها؛ كالحَلْق، أو الأنف، أو العين، أو الأُذن، وإن كان ممّا لا يُتغذّى به؛ يعدّ مُفطراً، أمّا إن وصل المعدة من منفذٍ أدنى منها؛ كالدُّبر؛ فلا يعدّ مُفطراً، إلّا إن كان مائعاً.
  • الشافعيّة: قالوا إنّ كلّ ما وصل الجوف من منفذٍ مفتوحٍ؛ كالأنف، أو الأُذن؛ يعدّ مُفطراً، مع الإشارة إلى أنّ الجوف يشمل: البَطْن، والأمعاء، والمَثَانة، والدّماغ، والحَلْق.
  • الحنابلة: إنّ كلّ ما دخل الجوف، أو أي جزءٍ مجوّفٍ؛ كالدِّماغ، أو الحَلْق، يعدّ مُفطراً، سواءً وصل عن طريق الأنف، أو العين، أو الأُذن، أو الدُّبر.

ويُمكن ضبط ما يُفسد الصيام من الأَكْل والشُّرب، وما لا يُفسده باعتبار المُفطر ما كان مُفطراً عادةً، ووصل إلى الجوف يقيناً، ومن ثمّ استقرّ في المعدة؛ الأمر الذي يعني نَقض الحِكمة من مشروعيّة الصيام،[١٠] كما يُشترَط فيما وصل إلى الجوف أن يكون ممّا يُمكن الاحتراز منه، فإن لم يكن كذلك، كالغبار، فإنّه لا يُفطر باتّفاق العلماء، كما اتّفق العلماء على فساد الصيام بما وصل إلى الجوف؛ سواء كان مُغذِّياً، أم لا، على أن يكون الصائم ذاكراً صَوْمه؛ فلا يُؤاخَذ الناسي في رمضان عند جمهور العلماء، إلّا عند المالكيّة الذين قالوا بالقضاء، واشترط الحنفيّة، والمالكيّة استقرار المادّة في الجوف، وذلك بخِلاف الشافعيّة، والحنابلة الذين اشترطوا اختيار الصائم تناوُلَ المُفطر، وهو قول زُفَر من الحنفيّة، بخِلاف الحنفيّة والمالكية الذين قالوا بفساد الصيام بسبب الإكراه.[١١]

المراجع

  1. “Vaccines”, who.int, Retrieved 29-6-2020. Edited.
  2. “What is the definition of vaccine?”, webmd.com, Retrieved 29-6-2020. Edited.
  3. “ROUTE OF ADMINISTRATION”, /vaccine-safety-training.org, Retrieved 29-6-2020. Edited.
  4. ^ أ ب أحمد خليل (1435)، مفطرات الصيام المعاصرة (الطبعة الخامسة)، السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 35-37. بتصرّف.
  5. ” التطعيم ضد الأمراض وأثره على الصيام”، www.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-5-2020. بتصرّف.
  6. عبدالرزاق الكندي (2014)، المفطرات الطبية المعاصرة دراسة فقهية طبية مقارنة (الطبعة الأولى)، السعودية: الحقيقة الكونية، صفحة 282. بتصرّف.
  7. “التطعيم في أثناء الصوم”، dar-alifta، ٠٨ مايو ٢٠٢٠م، اطّلع عليه بتاريخ 8/5/2020. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية: 187.
  9. عبدالرؤوف محمد الكمالي (2018م)، المفطرات المعاصرة (العدد الثامن)، مصر: جامعة الأزهر، صفحة 329-338، جزء 1. بتصرّف.
  10. أشجان محمد يوسف (2009م)، أحكام معاصرة في الصيام من ناحية طبية، فلسطين: جامعة النجاح الوطنية-كلية الدراسات العليا، صفحة 45. بتصرّف.
  11. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1404-1427 هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 30-32، جزء 28. بتصرّف.