حكم نتف الشعر أثناء الصيام

عناية الإسلام بجمال الإنسان

خلق الله الإنسان في أحسن صورةٍ وخِلقَةٍ، قال -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)،[١] كما اهتمّ الإسلام بجمال الإنسان، وحَثّه على التزيُّن، ورغّبه فيه، قال -عزّ وجلّ-: (يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ*قُل مَن حَرَّمَ زينَةَ اللَّـهِ الَّتي أَخرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ قُل هِيَ لِلَّذينَ آمَنوا فِي الحَياةِ الدُّنيا خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعلَمونَ)،[٢] وورد الحثّ على التزيُّن بعد الأمر بالنظافة والطهارة، وممّا يدلّ على ذلك ما بيّنه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من سُنَن الفِطرة، إذ أخرج الإمام مسلم في صحيحه من قوله -عليه الصلاة والسلام-: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ -أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ- الخِتانُ، والاسْتِحْدادُ، وتَقْلِيمُ الأظْفارِ، ونَتْفُ الإبِطِ، وقَصُّ الشَّارِبِ)،[٣] وتجدر الإشارة إلى أنّ جمال الإنسان يكمُن في جانبَين؛ الأوّل: جَمالٌ معنويٌّ يتمثّل بالتخلُّق بالأخلاق الحَسَنة، وجمالٌ ظاهريٌ يتمثّل بالطهارة والنظافة.[٤]

حُكم نَتف الشَّعر أثناء الصيام

يُعرَّف النَّتْف في اللغة بأنّه: النَّزْع، يُقال: نَتَفَ، أو يَنْتِف شَعْره نَتْفاً؛ أي نَزَعه، وورد في المعجم الوسيط أنّ معنى نَتَف الشَّعْر، أو الريش؛ أي نَزَعَه، أو نَتَشَهُ،[٥] وإن أُزيل أو نُتِف الشَّعْر أثناء الصيام فلا يَبْطل، ولم يرد عن أحدٍ من العلماء القول بأنّ إزالة الشَّعْر أثناء الصيام سببٌ لبُطلانه؛ سواءً كان شَعْر الرأس، أو أيّ موضعٍ آخرٍ من الجسد.[٦]

أحكامٌ مُتعلّقةٌ بإزالة الشعر

حُكم إزالة الشَّعر للمُحرِم

اتّفق العلماء على حُرمة إزالة المُحرِم لأداء مناسك الحجّ أو العُمرة لأيّ شَعرٍ من شَعر جسده، ولو كان شَعر الأنف، بأيّ وسيلةٍ؛ سواءً بالحَلْق، أو النَّتْف، وغيرهما من الطُرق؛ استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)،[٧] وبالرغم من أنّ الآية ذكرت شَعْر الرأس، إلّا أنّ العلماء قاسوا باقي الشَّعْر عليه؛ للدلالة على المعنى ذاته، والحِكمة من ذلك تكمُن في أنّ إزالة الشعر تدلّ على الرفاهيّة، وذلك يُخالف مقاصد الإحرام؛ من التقرُّب إلى الله فَقْراً وحاجةً.[٨]

أحكامٌ عامّةٌ مُتعلّقةٌ بإزالة الشعر

حُكم إزالة شَعر اللحية والشارب للرجل

فصّل أصحاب المذاهب في حُكم إزالة شَعر الشارب واللحية للرَّجُل، وبيان ما ذهبوا إليه فيما يأتي:[٩]

  • الشافعيّة: قالوا بأنّ قصّ الشارب يوم الجمعة من السُّنن المُتعلقّة بيوم الجمعة، بالإضافة إلى سُنّية المبالغة في القصّ إلى أن يظهر ما تحت الشَّعْر، وقالوا بكراهة استئصال الشارب بالقصّ، أو حَلقه كلّه، ويجوز حَلْق البعض منه، وقصّ الآخر، ويُكرَه حَلْق اللحية، والمبالغة فيه إلّا إن زادت عن قبضة اليد، وكان القصّ للتسوية.
  • الحنفيّة: قالوا بحُرمة حَلْق اللحية للرجُل، والسنّة ألّا يزيد طولها عن قبضة اليد؛ أي قصّ ما يزيد عنها، أمّا الشارب، فيُسَنّ فيه القصّ إلى أن تظهر الشفة العُليا.
  • المالكيّة: قالوا بتحريم حَلْق اللحية، ويُسَنّ القصّ من الشارب، لا كلّه، بل ما زاد وظهر على الشفتين.
  • الحنابلة: قالوا بتحريم حَلْق اللحية دون البأس أو الحرج في الأخذ منها ممّا زاد عن قبضة اليد، أمّا الشارب فالسنّة المبالغة في قصّه.

حُكم إزالة الشَّعر للنساء

اختلف العلماء في حُكم إزالة المرأة لشَعر جسدها؛ فذهب جمهور العلماء من الشافعيّة، والحنفيّة، والحنابلة إلى جواز إزالة المرأة للشَّعر الذي يظهر على جسدها، أمّا المالكيّة فقالوا بوجوب ذلك على المرأة؛ لئلّا تتشبّه بالرجال، وفي ما يتعلّق بشَعْر الحاجبَين؛ فقد ذهب جمهور العلماء إلى القول بجواز إزالته للمُتزوّجة بإذن الزوج؛ بقصد التزيُّن له إن لم يكن الحاجب زينةً في ذاته، وكانت الإزالة بسبب عيبٍ، أو لعلاجٍ، على ألّا يكون في ذلك كَذِبٌ على الآخرين، وخالف الحنابلة الجمهور؛ فقالوا بعدم جواز إزالة شَعر الحاجبَين، حتى وإن كان بإذن الزوج.[١٠]

الشَّعر الذي تُسَنّ إزالته

يُسَنّ للمسلم إزالة بعض شَعر جسده من بعض المواضع، وذلك المُبيَّن في قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ -أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ- الخِتانُ، والاسْتِحْدادُ، وتَقْلِيمُ الأظْفارِ، ونَتْفُ الإبِطِ، وقَصُّ الشَّارِبِ)،[٣][١١] وتجدر الإشارة إلى أنّ الاستحداد في اللغة على وزن استفعال؛ كنايةً عن استخدام الحديد في إزالة شَعْر العَانَة، وهي: القُبل، والدُّبر، وما حولهما.[١٢]

المراجع

  1. سورة التين، آية: 4.
  2. سورة الأعراف، آية: 31-32.
  3. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 257، صحيح.
  4. “عناية الإسلام بالجمال الظاهري للإنسان”، www.islamstory.com، 17-5-2010، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2020. بتصرّف.
  5. أحمد مختار عمر (2008)، معجم الصواب اللغوي (الطبعة الأولى)، القاهرة: عالم الكتب، صفحة 747، جزء 1. بتصرّف.
  6. “إزالة المرأة الشعر من جسدها لا يبطل الصوم”، www.islamweb.net، 23-11-2002، اطّلع عليه بتاريخ 23-3-2020. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية: 196.
  8. د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2300، جزء 3. بتصرّف.
  9. عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 43-45، جزء 2. بتصرّف.
  10. وزارة الأوقاف، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 81-82، جزء 14. بتصرّف.
  11. وزارة الأوقاف، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، صفحة 70، جزء 40. بتصرّف.
  12. زين الدين العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب، صفحة 76، جزء 2. بتصرّف.