حكم لبس البنطال
اللّباس في الإسلام
أنعم الله -تعالى- على عباده بكثيرٍ من النعم، منها: نعمة اللباس الذي يتجمّل به الإنسان، ويستر به عورته عن أعين الناس، وفي ذلك قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)،[١] واللباس بجميع أشكاله من الزينة التي أنعم الله بها على عباده وأباحها لهم، فلا يجوز تحريم شيءٍ منها إلّا بدليلٍ شرعيّ مقبول، وبما أنّ الأصل في اللباس الإباحة ولا يحرم منه إلّا ما قام عليه الدليل؛ فإنّ أكثر اللباس جائز في الشرع، وقليل منه فقط ما حرّمه الله عزّ وجلّ، ومن ذلك ما كان فيه تشبّه بلباس الكافرين، بدليل قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (من تشبَّه بقومٍ فهو منهم).[٢][٣]
وممّا يحرُم من اللباس أيضاً ما كان ضيّقاً، أو شفافاً، أو قصيراً ممّا يؤدي إلى ظهور العورة، فإنّ اللباس إنّما كان ليستر العورة ويتجمّل به الإنسان، فإن لم يستر العورة لم يحقّق الغرض الذي جاء من أجله، فيجب على كلّ مسلم رجلاً أو امرأةً كلاً بحسبه أن يختار من اللباس ما يستر عورته، ولا يكون ذلك بمجرّد تغطية البشرة، وإنّما يجدر أن يكون ساتراً للأعضاء الموصوفة في العورة، فلا يشفّها ولا يظهر حجمها، ولا يكشف منها شيئاً، وممّا يحرّم من اللباس كذلك أن يلبس الرجل لباس المرأة أو العكس، فما كان من اللباس فيه تشبّه بالجنس الآخر لم يجز لبسه؛ لِما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (لعَن رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- المُتَشَبِّهينَ من الرجالِ بالنساءِ، والمُتَشَبِّهاتِ من النساءِ بالرجالِ)،[٤] وقد حرّم الله -تعالى- كذلك أن يلبس الرجل لباساً يصل إلى أسفل كعبيه، وحرّم كذلك ارتداء ما كان عليه صور لذوات الرواح، كما أنّ الحرير والذهب محرّمان على الرجال دون النساء في الإسلام.[٣]
حُكم ارتداء البنطال
أجاز العلماء لبس الرجل للبنطال مطلقاً؛ إن كان فضفاضاً، لا يصف العورة، ولا يظهرها، وأمّا بالنسبة للمرأة فأجازوا لبسها للبنطال كذلك إذا كان خالياً من التشبّه ببناطيل الرجال، وكان واسعاً لا يصف جسدها، ولا يشفّه، واشترطوا لذلك ألّا ترتديه إلّا أمام محارمها من الرجال أو أمام النساء المسلمات، أمّا أمام الرجال الأجانب عن المرأة، أو أمام النساء الكافرات، فقالوا بعدم جواز ارتداء البنطال حتى لو كان واسعاً لا يصف عورتها، ولا يشفّها؛ وذلك لكونه يفصل كلّ رِجلٍ من أرجلها عن الأخرى، وتمام الستر لا يتحقّق بذلك، وقالوا إنّ السبب في منع المرأة المسلمة من إظهار زينتها أمام المرأة الكافرة الخشية من أن تصفها تلك المرأة لزوجها، وقال العلماء أيضاً إنّ ارتداء البنطال تحت الجلباب للمرأة المسلمة جائز مهما كانت صفته.[٥][٦]
حُكم الألوان في اللباس
إنّ الأصل في حُكم الألوان في اللباس الإباحة، فيجوز للمسلم رجلاً كان أو امرأة أن يلبس من الألوان ما شاء، إلّا أنّ بعض الألوان قد ورد فيها نصوص تدلّ على الاستحباب، وبعضها ورد فيها نصوص أخرى تدلّ على النهي، وبيان ذلك في ما يأتي:[٧]
- الأسود؛ حيث ورد فيه قول الرسول: (أُتيَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بثيابٍ فيها خميصةٌ سوداءُ صغيرةٌ، فقال: من تَرونَ أن نكسوَ هذه، فسكتَ القومُ، فقال: ائتوني بأمِّ خالدٍ؛ فأتي بها تُحمل، فأخذ الخميصةَ بيده فألبسَها، وقال: أَبلي وأَخلقي، وكان فيها علمٌ أخضرٌ أو أصفرٌ، فقال: يا أمَّ خالدٍ، هذا سناهُ)،[٨] وورد كذلك عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه لبس يوم فتح مكة عمامة سوداء، يتّضح من ذلك أنّ اللون الأسود مباح للرجال والنساء على حدٍ سواء، ولكنّ الناس في هذه الأيام صاروا يخصّون أيام المصائب بلبس اللون الأسود، وهذا من البدع غير الجائزة؛ لما تدلّ عليه من تسخّط على قضاء الله تعالى.
- الأبيض؛ حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيه: (البَسوا مِن ثيابِكُم البياضَ، فإنَّها من خيرِ ثيابِكُم، وكفِنوا فيها مَوتاكُم)،[٩] وقد روي عن الرسول أيضاً أنّه كان يلبس الأبيض، والبياض مستحبّ أيضاً في ثياب الإحرام، للرجل المسلم عند الحجّ، أو العمرة.
- الأخضر؛ حيث روى أبو رمثة أنّه رأى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يرتدي بردان أخضران، قال: (رأيتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- وعلَيهِ بُردانِ أخضرانِ)،[١٠] وهذا يدلّ على إباحة اللون الأخضر.
- الأحمر؛ حيث ورد فيه نهي للرجال عن ارتدائه خالصاً، فقد قال عبد الله بن عمر فيما رواه عن الرسول: (نَهَى رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- عنِ المُفدَمِ)،[١١] وقيل: المفدّم هو المشبّع بالعصفر، كما قيل أيضاً: هو المشبّع بالحُمرة، وهذا النهي مخصّص لما كان أحمراً خالصاً، أمّا إن كان فيه لون آخر كالبياض والسواد فلا بأس في ذلك؛ لِما ورد أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ارتدى مرّةً حُلّةً حمراء، والحلّة هي بردان يمانيان يكونان منسوجان من خطوط حمراء وأخرى سوداء، وذلك حال البرود اليمنية عامّة.
المراجع
- ↑ سورة الأعراف ، آية: 26.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2831، صحيح.
- ^ أ ب الشيخ عبد الله بن صالح القصيّر (2014-10-8)، “ما يحل وما يحرم من اللباس”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5885، صحيح.
- ↑ “حكم لبس البنطال والصلاة فيه للرجال والنساء”، www.fatwa.islamweb.net، 2004-5-23، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16. بتصرّف.
- ↑ “توضيح بشأن لبس المرأة البنطال”، www.fatwa.islamweb.net، 2002-7-23، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16. بتصرّف.
- ↑ ” الألوان المستحبة والمكروهة والمحرمة في ثياب الرجال والنساء”، www.islamqa.info/ar، 2002-5-27، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-16. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص، الصفحة أو الرقم: 5823، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1236، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي رمثة، الصفحة أو الرقم: 2812، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2917، صحيح.