أنواع الرزق
الرزق
الرزق هوَ العطاء والهبة وما ينتفع به الإنسان، وقد تكفّل اللهُ به لعباده سواءً بذلك من آمن منهم أو من كفر به، إلّا أنّ رزق الله لعباده المؤمنين يختلف عن ذلك الرزق الذي يأتي لأيّ إنسان، فقد وعد الله عباده المتّقين بالطيّب من الرزق، أمّا الكافر والعاصي فإن رزقه يأتي نَكِداً منزوع الخير والبركة، قالَ تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)،[١]فالكافر يبقى في حياته يسعى في تحصيل رزقه جاهداً، ثمّ لا يأتيه من ذلك إلا ما قدّره الله له، أمّا المؤمن فإنه يؤمن إيماناً جازماً بأنَّ الله سُبحانهُ وتعالى قد أوجدهُ على هذهِ الأرض بعد أن تكفّلَ لهُ برزقه، فتُقرُّ نفسه وتهدأ ولا ينشغل بتحصيل رزقه عن عبادة الله مع سعيه للعمل؛ لكونه مأموراً بذلك من الله، قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)،[٢] فهل ينحصر الرزق بنوعٍ محددٍ وهو المال؟ أم أن له أنواع أخرى؟
أنواع الرزق
يتصوّر كثير من الناس أنَّ الرزقَ محصورٌ فقط في المال، وهذا نوعٌ واحدٌ ضيِّقٌ من أنواع الرزق، بينما أنّ أنواع الرزق أكثر من أن يُحصر في المال، وهي كثيرة يمكن تعدادها حتى تشمل جميع جوانب حياة الإنسان وما يُنتفع به فيها، وما قد يسَّره الله له لتسهيل العيش في الدنيا، ومن أنواع الرزق ما يلي:[٣]
- رزقُ الإيمان: فالمؤمن بربّه والمؤمن بوجوده هوَ صاحبُ رزقٍ عريض وعطاءٍ عظيم، ولأنّ الرزق هوَ نفعٌ للإنسان ومن مميزاته أنّهُ يأتي دوماً بالخير، فالإيمان رزقٌ يؤدّي بصاحبهِ إلى دُخول الجنّة والسعادة في الدُّنيا والآخرة.
- رزقُ العِلم والفقه والحِكمة: فالعِلم هو ميراث الأنبياء، وكذلك الحِكمة هيَ عطاء عظيم؛ لأنَّ الله قالَ عمّن أوتي الحكمة بأنّهُ أوتيَ خيراً كثيراً، وكذلك الفقه والفهم هوَ رزق واسِع؛ لأنَّ من يُرِدِ اللهُ بهِ خيراً يُفقّههُ في الدين.
- رِزق الصحّة والعافية: الصحة هيَ نعمةٌ ورزقٌ لا يملكها كثيرٌ من الناس، ومن كانَ مُعافىً في بدنه فكأنّهُ قد ملكَ الدُنيا بأسرها، فليست نعمةٌ في الدنيا -بعدَ الإيمان بالله- تعدلُ نعمة الصحة والعافية.
- رِزق المال: وهوَ رزقٌ يعتاش منهُ الإنسان، ويقضي بهِ حوائجه، وينتفع بهِ هو وأهله.
- رزق الزوجة الصالحة: فإن الزوجة الصالحة من الرزق الذي يهبه الله لعباده، وبذلك جاءت الإشارة النبويّة؛ حيث صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (الدُّنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ).[٤]
- رِزق الذُريّة الصالحة: رزقُ الذريّة الصالحة من خير ما يتحصّل عليه الإنسان في الدنيا؛ لأنَّ الذريّة الشقيّة تُشقي صاحبها وتُشقي المُجتمعات، بينما الذريّة الطيّبة تَسعد بها أنت ومن حولك، وهي قُرّةُ عين ومصدر للسعادة.
- رزق محبّة الناس لك: فالإنسان القريب من الناس والمألوف عندهم هوَ شخصٌ محظوظ قد ألقى الله لهُ القَبول في الأرض وبين عباده، فكم من شخصٍ ذائع الصيت بكرمِ أخلاقه وحُسن سُمعته! وكم من شخصٍ منبوذ بين الناس مُحتقَر عندهم بغيض إلى قُلوبهم!
تعريف الرزق
الرِّزقُ: هو ما ينتَفِعُ بهِ البشر من الأموال والزروع والتجارة، أو غير ذلك من الماديّات، أو الأمور المعنوية، ولكلّ إنسانٍ رزقٌ مقسومٌ له؛ حيث إنّ الله قد حدّد لكلّ نفسٍ رزقها وأجلها الذي ستموت فيه، فلن تموت نفسٌ إلا بعد أن تستوفي رزقها من الدنيا،[٥][٦] ويدلُّ على هذا المعنى ويُشير إليه الحديث الذي يرويه جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللهَ وأجمِلوا في الطَّلبِ، فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإن أُبطأ عنها؛ فاتَّقوا اللهَ وأجمِلوا في الطَّلبِ. خذوا ما حلَّ ودَعوا ما حُرّم)،[٧] وإنّ ما يجب على المرء أن يسعى ويكدَّ لتحصيل رزقه، ولا ينبغي له الكون للراحة بدعوى أنّ رزقه مقسومٌ ومحتوم؛ حيث إنّ الله أمر عباده بالسعي والعمل، وجعل ذلك باباً من أبواب عبادته.
كيفية جلب الرّزق
سبق أن أُشير في مطلع المقالة أن العبد المسلم لا ينبغي عليه أن يركن للراحة إنْ عَلِم أنّ رزقه متحقّقٌ بوعد الله سبحانه وتعالى، بل يجب عليه أن يكون متوكلاً لا متواكلاً، ومن المعلوم أنّ الناس يتفاوتون في الرزق المادي الذي يسعى لتحصيله الناس بالعمل ويُعبَّر عنه بالقوت حيث إن الله يوسِّع على بعض عباده في الرزق ويُضيّق على آخرين لحكمةٍ عنده جلَّ وعلا، فإن كان المسلم ميسور الحال ثم ضاق الرزق عليه فقد شرّع الإسلام بعضاً من الأمور التي ينبغي أن يقوم بها المسلم كي يُوسِّع الله عليه، فربما مُنع الرزق بذنبٍ ارتكبه أو فعلٍ قام به، ومن تلك الأعمال ما يلي:[٨]
الإيمان بأن الرزق مقدّر
أن يؤمن المسلم ويعتقد اعتقاداً جازماً أنّ الرزق من عند الله؛ يُعطيه من يشاء ويمنعه عمّن يشاء، كما ينبغي على المؤمن أن يدرك أنّه يوجد سبب أدّى إلى إبطاء الرزق عنه بعد إنْ كان مُنعّماً، أو على الأقل مكتفياً بما يأتيه من رزق، فيسعى إلى إيجاد ذلك السبب وإزالته ليعود إليه رزقه، وقد أُشير إلى أنّ لكل إنسانٍ رزقه، وهذا مما ينبغي الإيمان به والتصديق الجازم بحقيقته، ويشير إلى ذلك ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح قال: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد وَكَّلَ بالرَّحمِ ملَكًا، فيقولُ: أي ربِّ، نُطفةٌ، أي ربِّ، علقةٌ، أي ربِّ، مضغةٌ، فإذا أرادَ اللَّهُ أن يقضيَ خلقًا، قالَ: قال الملكُ: أي ربِّ ذَكَرٌ أم أنثى؟ شقيٌّ أم سعيدٌ؟ فما الرِّزقُ؟ فما الأجلُ؟ فيُكْتبُ كذلِكَ في بَطنِ أمِّهِ)،[٩]
الابتعاد عن الذنوب والمعاصي
تُعتبر المعاصي والذُّنوبِ والآثام من أهم الأسباب التي تؤدّي إلى منع الرزق وتأخيره عن عباد الله، فإنْ كان ذلك هو السبب الحقيقي وراء منع الرزق عن المسلم وإبطاءه عنه فإنّه يجب عليه إزالة مسببات منع الرزق بالاستغفار والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فإن تاب من تلك الذنوب عاد رزقه كما كان يأتيه، وبارك الله له فيه، ويُدلّل على ذلك ما يرويه ثوبانَ مولى رسولِ الله عن الرَّسولِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أنَّه قال: (إنَّ الرَّجلَ ليُحرمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه)؛[١٠] أمّا إن استمرّ العبد على معصيته بزعم أن الله يرزقه، بل إن رزقه زاد مع عصيانه، فذلك دليلٌ على بُعده عن الله، وأنّ الله يُملي له ليُعذّبه، ثمّ إنّ رزقه سيأتيه منزوع البركة لا خير فيه؛ فلا نفع لعصيانه لخالقه،[١١] ومن أهمّ الذنوب والمعاصي التي تُسبّب منع الرزق وإبطاءه على المسلم هي الزنا وما يُقرِّب إليه والفحش في القول أو العمل، فعَن عبد الله بن عمر -رضِيَ اللهُ عنهُ- عن رَسولِ اللهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ- قال: (الزِّنا يورِثُ الفقرَ)،[١٢] وقد أشار الحديث تخصيصاً إلى أن الزنا يدعو إلى الفقر في حين إنّه يدلُّ ضمناً على أن أي عملٍ يؤدي إلى تلك الكبيرة يكون سبباً في منع الرزق، فيجب الامتناع عن الوسائل المفضية للزنا كما ينبغي الامتناع عن فعل الزنا ذاته.[١٣]
صلة الرَّحم تجلب الرزق
يُعتبر قطع الأرحام من الأعمال التي تؤدّي إلى منع الرزق، فينبغي على الإنسان إذا انقطع رزقه أو نَقُص أن يصل رحمه ويبرّها، وإن كان باراً بها فعليه أن يستمرّ على ذلك حتى يُبارك الله له في رزقه، فقد روى ابن حبان أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَن أحَبَّ أنْ يُبسَطَ له في رزقِه ويُنسَأَ له في أجَلِه فلْيتَّقِ اللهَ ولْيصِلْ رحِمَه)،[١٤] فإن قطيعة الرحم تؤدي إلى منع الرزق عن المسلم أو أنها تؤخره عنه، أو تنزع البركة منه.[١٣]
الصدقة تجلب الرزق
الصدقة من أهم الأبواب التي تؤدي إلى جلب الرزق وتكثيره وتنميته؛ حيث إنّ الذي يتصدق بماله على المستحقين للصدقة موعودٌ بأن يكثَّر ماله ويُبارك له فيه، وقد يزرقه الله بديل ما تصدَّق به في الدنيا ثم يأجره عليه في الآخرة، أو ربما يؤخّر الله الأجر له ويدخّره إلى يوم القيامة، وقد روي عن علي بن الحسين بن علي -رضي الله عنهما- ما يدلُّ على ذلك حيث روي أنه قال: (اجتمع عليُّ بنُ أبي طالبٍ وأبو بكرٍ وعمرُ وأبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ فتمارَوْا في أشياءَ، فقال لهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ: انطلِقوا بنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نسألُه، فلمَّا وقفوا على النَّبيِّ عليه السَّلامُ قالوا: يا رسولَ اللهِ جِئنا نسألُك، قال: إن شئتم سألتموني وإن شئتم أخبرتُكم بما جئتم له، قالوا أخبِرْنا يا رسولَ اللهِ، قال: جئتم تسألوني عن الصَّنيعةِ لمن تكونُ؟ ولا ينبغي أن تكونَ الصَّنيعةُ إلَّا لذي حسَبٍ أو دِينٍ، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ يجلِبُه اللهُ على العبدِ، اللهُ يجلبُه عليه فاستنزِلوه بالصَّدقةِ، وجئتم تسألوني عن جهادِ الضَّعيفِ، وجهادُ الضَّعيفِ الحجُّ والعمرةُ، وجئتم تسألوني عن جهادِ المرأةِ، وجهادُ المرأةِ حُسنُ التَّبعُّلِ لزوجِها، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ من أين يأتي وكيف يأتي، أبَى اللهُ أن يرزُقَ عبدَه المؤمنَ إلَّا من حيث لا يحتسِبُ).[١٥]
المراجع
- ↑ سورة الطلاق، آية: 2.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 22-23.
- ↑ محمد راتب النابلسي (30/10/1992)، “أنواع الرزق”، موسوعة النابلسي، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 1467.
- ↑ “معنى كلمة رزق”، قاموس المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 24-2-2017. بتصرّف
- ↑ إبراهيم الدويش، “الرزق وأسبابه”، سما الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 24-2-2017. بتصرّف
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 3/9، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
- ↑ “من أسباب جلب الرزق والصبر على ضيق الحال”، إسلام ويب، 5-11-2000، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2646.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن ثوبان مولى رسول الله صلَّ الله عليه وسلَّم، الصفحة أو الرقم: 3/289، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
- ↑ “المعاصي من أسباب ضيق الرزق ونكد العيش”، إسلام ويب ، 28-2-2010، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017. بتصرّف
- ↑ رواه السفاريني الحلبي، في شرح كتاب الشهاب، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 58، إسناده حسن.
- ^ أ ب محمد النابلسي (29-2-2008)، “الأسباب التي تقلل الرزق”، موسوعة النابلسي، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017. بتصرّف
- ↑ رواه ابن حبان، في شرح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 439.
- ↑ رواه ابن عبد البر، في التمهيد، عن علي بن الحسين بن علي، الصفحة أو الرقم: 21/20، حسن.