بحث عن حقوق المساجد في الإسلام

المسجد

المسجد مكان أداء العبادة من صلواتٍ واعتكافٍ، وهو أيضاً مكان تلاقي المسلمين واجتماعهم، ومركز تحاوُرِهم وتشاوُرِهم. كان المسجد في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وعهد من جاء بعده من خلفاء المسلمين مكان انطلاق جيوش المسلمين، التي فتحت مشارِق الأرض ومغاربَها، وهو كذلك مكان تخريج العُلَماء والقادة والمُبدِعين؛ حيث عُقِدت فيه المجالس العلميّة، والحلقات الحواريّة، والنّدوات الأدبيّة منذ عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وحتّى الوقت الحاضر، ولكلّ ذلك فقد احتلّ المسجد مكانةً خاصّةً في الإسلام؛ لما له من دورٍ في بناء المُجتمعات بشكلٍ عامّ، والنّظام الإداريّ الإسلاميّ بشكلٍ خاصّ؛ فكان النّواة الأولى لانطلاق الدّولة الإسلاميّة، والأساس المنيع في بداية نشأتها، وقد احتفظت المساجد بهذا الدّور الرّائد عصوراً عدّة.

معنى المسجد

المسجِد: هو الموضع الذي يسجد العبد لله فيه، كما يُقال للموضع الذي يجلس فيه: المجلِس، وللموضِع الذي ينزل فيه: منزِل، ثمّ تُجمَع: منازل ومجالِس، نظير مسجِد ومساجِد؛[١]فالمسجد مكان العبادة والدّراسة، وهو الملتقى الثقافيّ والمركز العامّ لتلاقي الرّاعي بالرعيّة، ومكان التّقاضي والتّخاصم، ومُنطلَق الجيوش، ومقصد زوّار رأس الدّولة ومُهنِّئيه؛ لذلك وجَبَ على وليّ الأمر تنظيم أموره وإدارتها، بما يتوافق مع الشّريعة الإسلاميّة، وحسب حال الرّاعي والرعيّة.

حقوق المسجد في الإسلام

يرتبط المسجد بالشّعيرة الأهمّ في الإسلام، وهي الصّلاة، ومع أنّ وظيفة المسجد في الإسلام لا تقتصر على الصّلاة والعبادة فحسب؛ إلّا أنّ أبرز ما يُميّز المساجد إقامةُ الصّلاة فيها؛ حيث يجتمع المسلمون في المسجد لأجلها خمس مرّاتٍ في كلّ يوم، وممّا ينبغي على المسلمين الانتباه إليه وتأمينه من حقوق المساجد ما يأتي:

واجبات الإمام المسلم تجاه المساجد

  • نهي المُشركين عن الاقتراب من المسجد الحرام: كان المؤمنون والمشركون يحجّون إلى بيت الله جميعاً في الوقت نفسه، وقد قضى الأمر الإلهيّ في تلك المرحلة بعدم منع المسلمين غيرَهم من أصحاب الأديان الأخرى من الحجّ إلى الكعبة، أو التعرُّض لهم بأيّ أذىً، بعدها أنزل الله تعالى قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)،[٢] وفي هذه الآية الكريمة نهيٌ صريح من الله عزّ وجلّ للمؤمنين عن السّماح للمشركين أو الكافرين بدخول المسجد الحرام أو الاقتراب منه، وكان هذا النّهي من أجل صون المسجد الحرام وأكنافه من خبث المشركين وتخطيطهم، حينها نُفِي المشركون من دخول المسجد الحرام بعد أن بلغ الإسلام مُبتغاه من العِزّة والمَنَعة، فلم يعُد المسلمون يخشون الفقر؛ لعلمهم بأنّ الله سيُغنيهم.[١]
  • تعيين إمام راتب يؤمّ النّاس ويأمرهم بالمعروف: ينبغي للحاكم المسلم أن يجعل لكلّ مسجدٍ إماماً راتباً، يتولّى شؤونَه ويقوم بمسؤوليّته تجاهه، يقول الآمدي في ذلك: (فأمّا الإمامة في الصّلوات الخمس فنصب الإمام فيها مُعتبَرٌ بحال المساجد التي تُقام فيها الصّلوات، وهي ضربان: مساجد سلطانيّة، ومساجد عاميّة، فأمّا المساجد السلطانيّة فهي المساجد والجوامع والمشاهد، وما عظُم وكثُر أهله من المساجد التي يقوم السّلطان بمراعاتها، فلا يجوز أن يُنتدَب للإمامة فيها إلّا من ندبه السّلطان لها وقلّده الإمامة فيها؛ لئلّا يفتئِت الرعيّة عليه فيما هو موكولٌ إليه، فإذا قلّد السّلطان فيها إماماً كان أحقّ بالإمامة فيها من غيره، وإن كان أفضل منه وأعلم).[٣]
ويُعدّ هذا الأمر من أبرز حقوق المساجد وأهمّها؛ لأنّه يحفظ للحاكم مكانته وهيبته بين الرعيّة، ويحمي سلطانه من الكيد، والتعدّي، والنّيل بمقامه، وإثارة القلاقل والشّبهات نحوه، وينبغي للحاكم أن يتّخذ لذلك إماماً كُفْئاً، عالِماً بأمور الفقه، وسياسيّاً ماهراً؛ ليُحسِن مجاراة الأحداث في مسجده، ويتعامل مع من يؤمّون مسجده وفق النّهج الربانيّ والشّريعة المُحمَّديّة.
  • مراقبة المساجد ومتابعة أمورها: ينبغي على الحاكم المسلم أن يُكلّف مَن يثق به؛ لمتابعة إدارة شؤون المساجد كافّةً، ومتابعة ما يخصُّها؛ لما تحتلّه من مكانة بالغة الأهميّة في الدّولة الإسلاميّة، على ألّا تكون تلك المتابعة تقييداً لعمل الأئمّة، وتضييقاً لصلاحيّاتهم ونشاطاتهم، التي يجب أن تتوافق مع قواعد الشّريعة وما وُجِد لأجله المسجد، وتكون وفق الكيفيّة التي يراها وليّ الأمر في خدمة المجتمع الإسلاميّ وأفراده، فقد أباح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فعل بعض الأعمال في المسجد، ونهى من بعضها؛ وذلك حفظاً لهيبة المسجد ومكانته، وإعمالاً للدّور المطلوب منه شرعاً وفق ما تقتضيه المصلحة العامّة لذلك.[٤]

واجبات إمام المسجد وخطيبه تجاه مسجدهما

خطيب المسجد وإمامه قائدان في مسجدهما، وتجب عليهما بعض الحقوق تجاه مسجدهما، ومنها:[٤]

  • أن يرسّخ الخطيب والإمام معنى الوحدة بين أبناء الحيّ والمنطقة والدّولة ككلٍّ في نفوس المُصلّين جميعاً، ويُعزِّزا ذلك بالعمل له، ويُعمِّقا أواصر المحبّة بين المُصلّين الذين يرتادون المسجد، كما يجب عليهما أن يُذَكِّرا المصلين بأنّ الإسلام جعل الأخُوَّة من دعامات وحدة المجتمعات وتماسكها، وجعلها أساساً للتّرابط بين أفراد المجتمع الإسلاميّ.
  • أن يُسارع الخطيب والإمام إلى فضّ الخلافات والنّزاعات التي ربّما تظهر بين المُصلّين أو بين أبناء الحيّ أو المنطقة، فيبادران إلى الإصلاح بين النّاس في خصوماتهم، وإزالة خلافاتهم، وتوطيد علاقاتهم الأخويّة، وترسيخ دواعي الألفة والانسجام؛ لأنّ ذلك أدعى إلى ترسيخ أمن المجتمع، وضمان الاطمئنان والاستقرار، ممّا يؤدّي إلى حفظ أمن المجتمع، وحفظ دعائمه من التّزعزُع والانهيار.
  • أن يُؤثّر الخطيب والإمام في نفوس المصلّين؛ عن طريق توضيحهما لأحكام الإسلام وشرائعه، وكيف حفظ الإسلام الضّرورات الخمس: الدّين، والنّفس، والعقل، والعِرض، والمال، وكيف دعا لحمايتها والعناية بها، وكيف نهى من العبث بتلك الضّرورات أو الاعتداء عليها، كما فرض عقوباتٍ جزائيّةً رادعةً للنّفوس المريضة، تمنع تصرُّفاتها الطّائشة التي تتحكّم بها الأهواء الفاسدة، والأفكار المُنحرِفة، والأنفُس الأمّارة بالسّوء.
  • أن يتولّى الخطيب والإمام توعية المُصلّين وأهل الحيّ بالضّوابط الأمنيّة التي أقرَّتها الشّريعة الإسلاميّة؛ لحفظ أمن المجتمع وسلامته، وضمان خُلُوِّه من الجرائم، ووقايته من الانحراف، ومحاربة ما قد يتعرّض له من الإرهاب المُنظَّم أو الفرديّ.

المراجع

  1. ^ أ ب أبو جعفر أحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري)، بيروت: مؤسسة الرّسالة، صفحة: 519، جزء: 2. بتصرّف.
  2. سورة التوبة، آية: 18.
  3. أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي (2014)، الأحكام السلطانيّة، عمان-الأردن: وزارة الثقافة في المملكة الأردنية الهاشميّة، صفحة: 119. بتصرّف.
  4. ^ أ ب عبد الكريم بن صنيتان العمري (1425)، دور المسجد في تحقيق الأمن الاجتماعيّ، الرياض – المملكة العربيّة السعوديّة: كلية الملك فهد الأمنية، صفحة: 5-10. بتصرّف.