زكاة الذهب الملبوس
تعريف الزّكاة
يُقصَد بالزّكاة لغة البركة والطهارة والنّماء، وتدلّ في الاصطلاح الشرعيّ على التعبّد لله عزّ وجلّ بإخراج مقدارٍ واجبٍ شرعاً من مال مخصوصٍ لجهةٍ معيّنةٍ، ووجه الاشتراك بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للزكاة أنّ المال وإن كان ظاهراً يقلّ عند إخراج الزكاة منه إلا أنّ أثرها فيه يظهر بالبركة والزيادة، فالله سبحانه وتعالى أخبر عن مضاعفة مال الزكاة، وذلك في قوله تعالى: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)،[١] فالإنسان حين يطيع أوامر الله عزّ وجلّ ويقوم بما أوجبه عليه، يفتح الله له أبواباً من الرزق لم يكن يعلمها، وهذه الزيادة والبركة مصداق وعد الله سبحانه وتعالى في قوله: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).[٢].[٣][٤]
وفي الزّكاة أيضاً معنى آخر للزيادة، وهو معنى الزيادة في الإيمان؛ وذلك لأنّ الزكاة من الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة من الإيمان، ومذهب أهل السُّنة والجماعة أنّ الإيمان في قلب الإنسان يزداد بالأعمال الصالحة، وفيها كذلك معنى الزيادة في الخُلُق؛ فالذي يُخرج مقداراً من ماله ليهبه لغيره ينمو فيه خُلق الكرم والسّخاء، وكذلك البذل والعطاء.[٣]
زكاة الذهب الملبوس
وجوب الزكاة في الذهب الملبوس
اتفق العلماء على وجوب الزكاة في الذهب المملوك للإنسان إن كان من السبائك أو من النقود، إلا أنّهم اختلفوا في وجوب الزكاة فيه إن كان حليّاً تلبسه المرأة، فذهب الجمهور إلى عدم وجوب الزكاة في الذهب الملبوس واعتبروا أنّ الحليّ مال غير قابل للنماء، أمّا الحنفية فقد رأوا وجوب الزكاة في الذهب الملبوس المُستخدَم في الحليّ.[٥]
والقائلون بوجوب الزكاة في الذهب الملبوس، مثل: الحنفية، والصنعاني، والظاهري، وابن باز، قد استدلوا بعدد من الأدلة، منها ما يأتي:[٥]
- عموم الأدلّة الآمرة بالزكاة في الذهب والفضّة دون استثناء لشيء منهما؛ كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحبِ ذهبٍ لا يؤدي ما فيها؛ إلا جعل له يومَ القيامةِ صفائحَ من نارٍ يُكوَى بها).[٦]
- بعض الأحاديث التي خصّصت الذهب الملبوس (الحليّ) في وجوب الزكاة، مثل قول السيدة عائشة رضي الله عنها فيما روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخلَ عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فرأى في يديَّ فتَخاتٍ من وَرِقٍ، فقالَ: ما هذا يا عائشةُ؟ فقلتُ: صنعتُهُنَّ أتزيَّنُ لَكَ يا رسولَ اللَّهِ، قالَ: أتؤدِّينَ زَكاتَهُنَّ؟ قلتُ: لا، أو ما شاءَ اللَّهُ. قالَ: هوَ حَسبُكِ منَ النَّارِ).[٧]
عدم وجوب الزكاة في الذهب الملبوس
استدلّ جمهور العلماء الذين قالوا بعدم وجوب الزكاة في الذهب الملبوس لذلك بقولهم إنّ لفظ الرقة أو الأواقي المستعمل في الأحاديث العامّة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب لا يُستعمَل في الحديث عن الذهب الملبوس عادةً، بل يُستعمَل في الحديث عن الذهب المضروب، وفي وجوب الزكاة في الذهب والفضة في قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)،[٨] قالوا إنّ لفظ الكنز لا يُستخدَم في التعبير عن الحليّ والذهب الملبوس، كما أنّ لفظ الإنفاق الوارد في الآية يدل على الذهب والفضّة التي تكون النفقة فيهما.[٥]
وردّ الجمهور على الأحاديث الواردة في زكاة الحلي على وجه الخصوص بأنها أحاديث ضعيفة، وقال الشوكاني أنه كان عند الصحابة وأهاليهم حليّ ذهبية وفضية، إلا أنه لما يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأداء زكاتها.[٥]
الخُلاصة
من خلاصة ما ورد يظهر أنّ الخلاف بين العلماء في المسألة قويّ مُعتبر، وقد فضّل بعض العلماء أن يأخذ الإنسان بالأحوط فيؤدي زكاة ما لديه من الذهب الملبوس، وعدّوا ذلك من اتّقاء الشُّبهات التي من اتّقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه، وترك ما يُريبه إلى ما لا يريبه كما وجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم.[٥]
ما تجب فيه الزكاة
تعدّ الزّكاة ثالث أركان الإسلام، فتأتي بعد الشهادتين وإقامة الصلاة، وورد ذكرها في القرآن الكريم كثيراً، وكثيراً ما كان ذكرها يأتي بعد ذكر إقامة الصلاة؛ كما في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،[٩] ولا تجب الزّكاة على المسلم إلا في أربعة أنواع من المال: النقود، وعروض التجارة، والخارج من الأرض من الحبوب والثمار والمعادن، والسّائمة من بهيمة الأنعام.[١٠][١١]
المال
أول أنواع المال الواجب فيه الزكاة هو النقود، ويُطلَق عليه الأثمان أيضاً، وهو على ثلاثة أصناف: الذهب، والفضة، والأوراق النقدية، ولا تجب فيها الزكاة إلا إذا بلغت النصاب الواجب فيها، فنصاب الذهب خمسة وثمانون غراماً، أمّا الفضة فخمسمئة وخمسة وتسعون غراماً، وأمّا الأوراق النقدية فنصابها هو نصاب الذهب أو الفضة، فإذا ملك الإنسان منها ما قيمته نصاب الذهب أو الفضة وجب عليه إخراج زكاتها، أمّا المقدار الواجب في النقود فهو رُبع العُشر؛ أي 2.5% ممّا يملك.[١١]
عروض التجارة والخارج من الأرض
فيما يتعلّق بالنوع الثاني من أموال الزكاة وهي عروض التجارة، فنصابها هو نصاب الذهب والفضة كذلك، فإن امتلك الإنسان منها ما قيمته نصاب الفضة أو الذهب وجب عليه إخراج زكاتها، ومقدارها ربع العشر أيضاً أي 2.5% ممّا يملكه منها، وأمّا نِصاب النوع الثالث من أموال الزكاة وهي الخارج من الأرض سواءً كان حبوباً أو ثماراً، فنصابه خمسة أوسق، وهي ما قدّره العلماء بكيلوين وخُمسَي عُشر الكيلو في البُرّ الجيد، مع ملاحظة أن تقدير الحبوب والثمار بالكيلو يختلف من نوع إلى نوع، لذلك على الإنسان إن أراد أن يعرف نصاب ما عليه في الزكاة منها أن يتحرّى ويسأل جيداً، أمّا مقدار الزكاة فيها فهو العُشر إن لم تكن سقايتها قد كلّفت الإنسان شيئاً، ونصف العُشر إن كان الإنسان قد تكلّف في سقايتها.[١١]
السائمة من الأنعام
تجب الزكاة في السائمة من الأنعام وهي النوع الرابع من أموال الزكاة إن بلغت نصابها، ونصابها في الإبل خمسة، وفي البقر ثلاثون، وفي الغنم أربعون، ولا تجب الزكاة في غير السائمة التي ترعى الكلأ النابت دون أن يبذل الإنسان في ذلك شيئاً، إلا إن كانت مُعدّةً للتجارة، فعليه الزكاة فيها أيضاً.[١١]
الحِكمة من تشريع الزكاة
ورد في الحِكمة من تشريع الزكاة العديد من الأدلة والنصوص الشرعية، منها ما يأتي:[١٢]
- بأداء الزكاة يكتمل إسلام الإنسان المسلم؛ لأنه الركن الثالث من أركانه، وهذه غاية من غايات المسلم بلا شك.
- بالزكاة يتحقق الانشراح والطمأنينة للمزكّي؛ فالإنسان إذا بذل وقدّم شيئاً من المال عن سخاءٍ وطيب نفسٍ، عاد عليه ذلك بالراحة وطمأنينة القلب.
- الزكاة تقوّي المجتمع المسلم وتجعله كالأسرة الواحدة المتينة، ممّا يحقق التكافل الاجتماعي، ويزيد من المحبة والأُلفة بين الأغنياء والفقراء.
- الزكاة تحمي المجتمع المسلم من مظاهر الجريمة والسرقات والنهب والسطو وغيره؛ فالفقراء مطمئنّون أنّ نصيبهم وحقّهم من الزكاة سيصلهم بالتأكيد ويسدّ حاجاتهم.
- الزكاة تكفّر خطايا المزكّي، وتمحو ذنوبه.
المراجع
- ↑ سورة الروم، آية: 39.
- ↑ سورة سبأ، آية: 39.
- ^ أ ب “ما المقصود بالزكاة في اللغة والشرع، وما العلاقة بينهما؟ “، www.ar.islamway.net، 2008-6-28، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-17. بتصرّف.
- ↑ “تعريف ومعنى الزكاة في معجم المعاني الجام-معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-17.
- ^ أ ب ت ث ج “تفصيل خلاف العلماء وأدلتهم في “زكاة الحلي”، www.islamqa.info، 2014-8-23، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-17. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في تمام المنة، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم: 361، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1565، صحيح.
- ↑ سورة التوبة، آية: 34.
- ↑ سورة البقرة ، آية: 43.
- ↑ الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل (2007-7-2)، “الزكاة المفروضة (1)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-17. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث الشيخ عبد الرحمن بن فهد الودعان الدوسري (2013-7-30)، “الأموال التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-17. بتصرّف.
- ↑ “دليل المسلم الجديد – (13) الزكاة والحكمة من تشريعها”، www.ar.islamway.net، 2015-9-22، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-17. بتصرّف.