أحمد بن حنبل والخباز
الإمام أحمد بن حنبل
هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيَّان، ويرجع نسبه إلى شيبان، ويلتقي نسبه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في نزار بن معد،[١] ووُلد الإمام أحمد بن حنبل في شهر ربيع الأول في سنة أربعٍ وستين ومئة في مدينة بغداد، وقد جاءت أمّه من مدينة مرو وهي حاملٌ به، وأصل أسرته من البصرة، ونشأ الإمام أحمد بن حنبل في بداية حياته في بغداد، وتربى بها تربيته الأولى، ثم سافر الإمام أحمد بن حنبل في طلب الحديث النبوي الشريف إلى البصرة، والحجاز، واليمن، والكوفة، وذهب إلى حجّ بيت الله الحرام خمس مرات، ثلاثة منها حجَّ فيها ماشياً، واستمر الإمام أحمد بن حنبل في طلب الحديث النبوي الشريف إلى أن بلغ فيه مبلغ الإمامة، وذاع ذكره في الآفاق الإسلامية؛ فازدحم الناس على درسه ازدحاماً شديداً، وتوفّي- رحمه الله- في بغداد، وذلك في نهار يوم الجمعة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول في سنة إحدى وأربعين ومائتين.[٢]
أحمد بن حنبل والخباز
نزل الإمام أحمد بن حنبل في مدينةٍ غريبةٍ لا يعرفه سكّانها، ثم ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى مسجدٍ لينام فيه بعد أن بلغ منه التعب مبلغاً عظيماً، وعندما رأى الحارس الإمام أحمد بن حنبل في المسجد رفض أن يسمح له بالنوم فيه، فقال الإمام أحمد للحارس: سوف أنام عند موضع قدمي فقط، ونام الإمام أحمد عند موضع قدمه، فما كان الحارس إلا أن قام بسحب الإمام أحمد، وأخرجه من المسجد، وكان الإمام أحمد شيخاً ذا هيبةٍ، تظهر عليه ملامح الزهد والورع، فرأى خبازٌ الإمام أحمد وهو خارج المسجد في قارعة الطريق، فعرض عليه أن يذهب معه لينام عنده في داره، فذهب الإمام أحمد إلى بيت الخباز، وكان من عادة الخباز أن يستغفر الله وهو يقوم بعجن العجين وخبزه، ولمّا لاحظ الإمام أحمد مداومة الخباز على الاستغفار، سأله إن كان قد وجد لكثرة الاستغفار ثمرة؟ فأجابه الخباز: نعم، والله ما دعوت الله دعوة إلا استجاب لي ما عدا دعوة واحدة، فسأله الإمام أحمد: وما هذه الدعوة التي لم تُستجب لك؟ فقال الخباز: دعوة الله أن يُريني الإمام أحمد بن حنبل، فقال الإمام له: أنا أحمد بن حنبل، والله إني جُررت إليك جرّاً، ولكن هذه القصة لا تصح عن الإمام أحمد بن حنبل.[٣][٤]
وقد أورد كلٌ من الإمام ابن الجوزي في كتابه مناقب الإمام أحمد، وابن النجار في كتابه ذيل تاريخ بغداد؛ قصةً مشابهة رويت عن الإمام أحمد، وهي؛ إن الإمام أحمد بن حنبل لمّا أُطلق سراحه من محنة خلق القرآن، خشي أن يأتي إليه إسحاق بن راهويه، فرحل الإمام أحمد إليه، ولما بلغ مدينةً تسمى الرَّيّ، دخل في مسجدٍ فيها، وكانت السماء تمطر مطراً شديداً، ولمّا حلَّ الليل قيل للإمام أحمد: اخرج فإننا نريد أن نغلق المسجد، فقال لهم الإمام أحمد: هذا مسجد الله، وأنا عبد الله، فقيل له: أيهما أحبُّ إليك أن تخرج من المسجد أو أن تُجرَّ برجلك؟ فقال الإمام أحمد: سلاماً، وخرج من المسجد والسماء فيها مطرٌ، ورعدٌ، وبرق، ولم يكن يدري إلى أين يتوجّه، فإذا رجلٌ قد خرج من داره، وقال للإمام: يا هذا، أين تمرُّ في هذا الوقت؟ فقال الإمام أحمد: لا أدري أين أمر، فقال لي: ادخل، وأدخلني داره، وأعطاني ثياباً جافة، ونزعت عني ثيابي، وتوضأت للصلاة، ثم قدّموا لي طعاماً، وقالوا لي: كُل، فأكلت معهم، ثم سأله صاحب البيت: من أين أنت؟ فقال الإمام أحمد: أنا من بغداد، فقال له صاحب البيت: تعرف رجلاً يُقال له أحمد بن حنبل؟ فقال الإمام أحمد: أنا أحمد بن حنبل، فقال له صاحب البيت: وأنا إسحاق بن راهويه، وقد أورد هذه القصة أيضاً الإمام الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء وحكم على القصة بأنها موضوعة؛ أي مكذوبة.[٥][٦][٧]
مصنفات الأمام أحمد بن حنبل
كان الإمام أحمد ينهى تلاميذه أن يكتبوا كلامه ومسائله، وإنما نُقل عن الإمام أحمد بعض الكتب، وهي: كتابه المسمى بالمسند، وهو ثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماماً، وله كتابٌ في التفسير، وفي الناسخ والمنسوخ، وفي التاريخ، وله كتابٌ يُسمّى حديث شعبة، وله كتاب المقدَّم والمؤخَّر في القرآن، وكتاب جوابات القرآن، والمناسك الكبير، والصغير، وقلَّ أن تقع مسألةٌ إلا وللإمام أحمد بن حنبل فيها نص من الفروع والأصول.[٨]
كلام الإمام أحمد في الزهد والتقوى
قال عمر بن صالح الطرطوسي: ذهبت أنا ويحيى الجلاَّء إلى أحمد بن حنبل، فسألته بما تلين القلوب؟ فقال: يا بُني، بأكل الحلال، وقال أبو عصمة بن عاصم البيهقي: نمت ليلةً عند أحمد بن حنبل، وجاء بالماء فوضعه عندي، فلما أصبح نظر إلى الماء فوجده كما هو، فقال: سبحان الله! رجلٌ يطلب العلم لا يكون له وردٌ من الليل، وقال علي بن المديني: ودَّعت أحمد بن حنبل، فقلت له: توصيني بشيء؟ قال: نعم، اجعل التقوى زادك، وقال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي يوماً: أوصني يا أبي، فقال: يا بُني، انوِ الخير، فإنك لا تزال بخيرٍ ما نويت الخير.[٨]
زوجات الإمام أحمد بن حنبل وأولاده
تزوّج الإمام أحمد بن حنبل من امرأتين، وهما: عباسة بنت الفضل، وأنجبت له ولداً واحداً في عام ثلاث ومائتين، وهو صالح، ثم توفيت رحمها الله، وكان الإمام أحمد يُثني عليها خيراً، ثم تزوّج الإمام أحمد بن حنبل بعدها زوجته الثانية ريحانة بنت عمه عمر، وأنجبت له ولداً واحداً في سنة ثلاثة عشر ومائتين، وهو عبد الله، ثم اشترى الإمام أحمد بعد أن توفّيت زوجته الثانية ريحانة -رحمها الله- جاريةً تُسمى حُسْن، فولدت منه زينب، ثم ولدت الحسن والحسين توأماً، وماتا بالقرب من ولادتهما، ثم ولدت الحسن ومحمد فعاشا حتى بلغا من العمر نحو الأربعين، ثم ولدت بعدهما سعيد.[٩]
المراجع
- ↑ محمد بن أبي يعلى، طبقات الحنابلة، بيروت: دار المعرفة، صفحة 4-5، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ “نبذة عن الإمام أحمد بن حنبل”، www.islamqa.info، 2010-6-28، اطّلع عليه بتاريخ 5-5-2019. بتصرّف.
- ↑ “مدى صحة قصة الخباز والإمام أحمد”، www.islamweb.net، 2008-2-12، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2019. بتصرّف.
- ↑ نبيل جلهوم، “الإستغفار … فَتْحُُ ربّانىُ”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2019. بتصرّف.
- ↑ محمد الذهبي (1985)، سير أعلام النبلاء (الطبعة الثالثة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 321-322، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ عبدالرحمن الجوزي (1409)، مناقب الإمام أحمد (الطبعة الثانية)، الجيزة: دار هجر، صفحة 512. بتصرّف.
- ↑ لابن النجار (1417)، تاريخ بغداد وذيوله (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 81-82، جزء 17. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن الجوزي (1409)، مناقب الإمام أحمد (الطبعة الثانية)، الجيزة: دار هجر، صفحة 261-274. بتصرّف.
- ↑ “الإمام أحمد بن حنبل”، www.ar.islamway.net، 2017-4-18، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2019. بتصرّف.