كيف صعد الرسول إلى السماء

كرامة النبيّ عند الله

شاءت إرادة الله -تعالى- أن يجعل ختم الرسالات بسيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم؛ فلا نبيّ ولا رسول بعده، وأكرم المولى -عزّ وجلّ- محمّداً -عليه السّلام- بخصائص ومزايا لم ينلها أحد من إخوانه المرسلين عليهم السّلام؛ فهو أفضل خلق الله تعالى، وهو سيّد ولد آدم، وأقسم به المولى -عزّ وجلّ- في القرآن الكريم، وناداه بيا أيّها النبيّ خلافاً لباقي الأنبياء والمرسلين، وأنّ معجزة القرآن الكريم باقية إلى يوم الدّين، وأكرمه الله -تعالى- بنهر الكوثر في الجنّة، وكرامةً له جعل أمته نصف أهل الجنّة، وأوّل من يدخلها، ومن أخصّ ما أكرمه الله -تعالى- به رحلة الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج من هناك إلى السماوات العُلا، حيث كلّمه ربّه في تلك الرحلة تكليماً، فما هي هذه الرحلة المباركة، وما هي أبرز الأحداث التي مهّدتْ لها، وكيف صعد النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- إلى السّماء؟

صعود الرّسول إلى السّماء

وسيلة المعراج وآلة الصعود إلى السماوات العلا لم تثبت بحديثٍ صحيحٍ، وإنّما جاء ذكرها بأحاديث وروايات ضعيفة لا يُعتدّ بها عند أهل العلم، خلافاً لوسيلة الانتقال في رحلة الإسراء من مكّة إلى بيت المقدس؛ فقد ثبت أنّها كانت عن طريق البُراق وصحّ بها الخبر، ولكنّ الروايات الصحيحة لم تذكر أنّ جبريل -عليه السّلام- أخذ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على البراق مرّة ثانية بعد الخروج من المسجد الأقصى والعروج إلى السّماء، ولم تذكر تلك الروايات الثابتة أيّ شيء عن البراق في محطّات رحلة المعراج إلى السّماوات العُلى، وهناك من الباحثين المعاصرين من يُؤيّد فكرة وجود وسيلة للمعراج غير البراق اعتماداً على استنباط لبعض الروايات، وسمّوها وسيلة المعراج فقد تكون كالدرج أو السّلم الذي يُصعد به، لكنّه ليس كسلالم الدنيا، وبالرّغم من افتراض هذا الاحتمال إلا أنّه لا يرقى إلى درجة القطع واليقين.[١]

ولم تشغل مسألة كيفيّة الصعود من الأرض إلى السّماوات كتّاب السيرة والباحثين في تفاصيلها، وإنّما كان جُلّ مُرادهم أنْ يثبتوا أنّها معجزة إلهيّة جاءت تكريماً للنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- في مرحلة حرجة من عمر الدّعوة، مع ما يتبع ذلك من الدّلالات والعِبر والعِظات، واهتموا بإثبات أنّ مُجريات تلك الرحلة المُعجِزة كانت يقظة وليس في المنام، وكانت بالجسد والرّوح معاً، وحذّروا من كتاب مُلفق يتناول أحداث تلك الرّحلة بأحاديث وروايات باطلة لا يصحّ منها شيء، وتنسب زوراً إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ويسمّى الكتاب بمعراج ابن عبّاس.[٢]

أحداث ما قبل الإسراء والمعراج

اشتدّ أذى قريش على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وصحبه رضوان الله عليهم، ومارس مشركوها عليهم صنوفاً كثيرة من العذاب والاضطهاد، فضلاً عن الصدّ والمنع في وجه رسالة الإسلام النّاشئة، وبلغ الأذى مبْلَغَه عندما قرّرت قريش مقاطعة ومحاصرة المسلمين في شعب أبي طالب ومعهم أقارب النبيّ -عليه الصّلاة والسلام- من بني هاشم وعبد المطلب، حيث استمرّ هذا الحصار ثلاث سنوات عجاف، اضطر المسلمون خلالها لأكل أوراق الشجر، ثمّ شاء الله -عزّ وجلّ- أنْ ينفضّ هذا الحصار الجائر، وزاد الابتلاء على رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- بعد ذلك بموت عمّه أبي طالب وزوجه خديجة -رضي الله عنها- اللذان كانا يُشكّلان سنداً قوياً للنبيّ الكريم، ورأى النبيّ الكريم أنْ يبحث عن فضاءات أخرى لتبليغ رسالة الإسلام بعد تعنّت قريش وصدّها عن ذكر الله عزّ وجلّ؛ فاختار قبيلة ثقيف التي تسكنُ الطائف وجهةً له، لكنّه ما وجد فيها ناصراً ولا مُعيناً، بل أغروا به سفهاءهم وصبيانهم، عندها ضاقت الأرض بما رحُبتْ واتّسعتْ في وجه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأخذ يدعو الله -عزّ وجلّ- ويشكو إليه ضعف قوته، وقلّه حيلته؛ ففتح الله -تعالى- له أبواب السّماء بعد أنْ ضاقت بأهل الأرض دعوتَه المباركة، وكان ذلك بعد مرور اثني عشر سنة من عمر الدّعوة الإسلاميّة.[٣]

تعريف المعراج

يرتبط المعنى اللغويّ للمعراج بالمعنى الاصطلاحيّ؛ وبيان ذلك فيما يأتي:

  • المعراج في اللغة: من الأصل الثلاثي عَرَجَ، هي العين والراء والجيم، والعروج هو الارتقاء، والمَعْرَجُ: المصعد، ويُقال: عرَج النبيّ إلى السّماء؛ أي صعد.[٤]
  • المعراج في الاصطلاح الشرعيّ: هو صعود النبيّ -صلّى الله عله وسلّم- بصحبة جبريل -عليه السّلام- من بيت المقدس إلى طبقات السماوات السبع جميعها، وملاقاة الأنبياء -عليهم السّلام- فيهنّ، ثمّ الارتقاء إلى سدرة المنتهى، حيث كلّمه ربه تكليماً.[٥]

حقائق حول الإسراء والمعراج

يجدر التّأكيد على حقائق هامة تتعلّق برحلة الإسراء والمعراج، ومنها:[٦]

  • أنّ رحلة الإسراء والمعراج منعقدة الثبوت في القرآن الكريم والسنّة النبوية المتواترة، حيث قال الله تعالى: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ).[٧]
  • الإسراء والمعراج حدث مرّة واحدة، وكان ذلك قبل الهجرة بسنة واحدة أو بسنة وشهرين.
  • دلّتْ الروايات الصحيحة أنّ هذه الرحلة المباركة كانت حدثاً محسوساً باليقظة، وليست رؤيا منامية حصلتْ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
  • كانت رحلة الإسراء والمعراج بالرّوح والجسد معاً، دلّ على ذلك ظاهر آية الإسراء، والأحاديث الصحية الكثيرة التي تؤكّد ذلك، ولو كان بالروح دون الجسد لما كذّبه مشركو قريش، ثمّ لو كانت بالرّوح دون الجسد لما كانت بواسطة البراق، إذ البراق دابّة تحمل الأجساد لا الأرواح.

المراجع

  1. راغب السرجاني (23-1-2017م)، “هل كان العروج إلى السماء بالبراق حقًا؟”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2018. بتصرّف.
  2. محمد البوطي (1426هـ)، فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة (الطبعة الخامسة والعشرون)، دمشق: دار الفكر، صفحة 109-114. بتصرّف.
  3. راغب السرجاني (16-6-2010l)، “لماذا كان الإسراء والمعراج ؟”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2018م. بتصرّف.
  4. أحمد بن فارس (1979)، معجم مقاييس اللغة، بيروت: دار الفكر، صفحة 302-304، جزء 4. بتصرّف.
  5. علي العبيدي (14-9-2014م)، “من معجرات الرسول صلى الله عليه وسلم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2018. بتصرّف.
  6. مركز الفتوى (13-3-2003م)، “الإسراء كان بالجسد والروح يقظة لا مناماً”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2018م. بتصرّف.
  7. سورة الإسراء، آية: 1.